الشارع المغاربي – حول تنبيه جمعيّة اتحاد العلماء المسلمين بتونس: هل أذعنت السلطة لضغوط الدستوري الحرّ؟ / بقلم مُعز زيّود

حول تنبيه جمعيّة اتحاد العلماء المسلمين بتونس: هل أذعنت السلطة لضغوط الدستوري الحرّ؟ / بقلم مُعز زيّود

قسم الأخبار

7 مارس، 2021

الشارع المغاربي: هل أذعنت حكومة هشام المشيشي لضغوط الحزب الدستوري الحرّ المتعلّقة بحلّ فرع الاتّحاد العالمي للعلماء المسلمين في تونس؟ سؤال يُبرّره إعلان رئيسة الحزب عبير موسي عن قرار الإدارة العامّة للجمعيّات باتّخاذ أولى خطوات حلّ الجمعيّة المذكورة عبر توجيه تنبيه إليها ينصّ على عدد من المخالفات الخطيرة الموجبة للحلّ. قضيّة جديرة بالنظر…

جاء إعلان رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عن قرار الإدارة العامّة للجمعيّات برئاسة الحكومة المتعلّق بتوجيه تنبيه إلى جمعيّة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتونس في ظرف يتّسم بحالة اختناق سياسي غير مسبوقة وقُبيل المظاهرة الاستعراضيّة لحركة النهضة في قلب العاصمة. ومن الأهميّة أن نذكر كذلك أنّ هذا التطوّر قد أتى بعد اعتصام منظوري الحزب الدستوري الحرّ لأكثر من مائة يوم أمام مقرّ الجمعيّة الدينيّة المذكورة للمطالبة بحلّها. كما تزامن ذلك أيضا مع إعلان إحدى وكالات استطلاعات الرأي المعروفة عن استمرار تصدّر هذا الحزب لنوايا التصويت للانتخابات التشريعيّة، بل وحيازته لقرابة ضعف نوايا التصويت لحركة النهضة بـ42 بالمائة مقابل 20 بالمائة فقط.

قضيّة مركزيّة

كلّ ذلك يُؤشّر إلى أنّ الأمر يتعلّق فعلا بقضيّة محوريّة يُركّز عليها حزب عبير موسي لتحقيق أهداف سياسيّة وتعبويّة بالجملة. فمن المرجّح أنّه يُعوّل على كسب هذه «المعركة» من أجل استقطاب المزيد من الأنصار ممّن يعارضون حركة النهضة ويُحمّلونها جانبا كبيرا من مسؤوليّة الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة الكارثيّة التي تشهدها البلاد، وخصوصا بالنظر إلى دورها الأساسي في فتح المجال لأخونة المجتمع التونسي عبر العديد من التنظيمات الدينيّة الداخليّة والخارجيّة ذات التوجّه الأيديولوجي نفسه.

من جانبها، نفت جمعيّة اتحاد العلماء المسلمين أن تكون قد تلقّت أيّ تنبيه من الإدارة العامّة للجمعيّات برئاسة الحكومة. فقد ذكرت في صفحتها الرسميّة على شبكة «فيسبوك» أنّ «ما ورد ببعض وسائل الاعلام ومفاده أنّ الحكومة اتّخذت إجراءات في حلّ جمعية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا أساس له من الصحة». كما قالت، في تدوينة أخرى، «لم يبلغ إلى علمنا أنّ الفاشيّة أصبحت ناطقا رسميّا باسم الحكومة.. ولم يرد على جمعيّة الاتحاد أيّ تنبيه من الحكومة كما زعمت». وطبعا فإنّ أنصار هذه الجمعيّة قد تهافتوا، في تعليقاتهم، لا فقط على تكذيب خبر إقدام الحكومة على توجيه تنبيه إليها، بل على كيل سيل من الشتائم إلى عبير موسي والتذكير بماضيها في خدمة نظام بن علي الدكتاتوري، فضلا عن تكرار اتّهام عموم وسائل الإعلام التونسيّة ومن يعمل بها بـ»العملاء الانتهازيّين الماجورين، لا دين لهم ولا ملّة»… ومن المفارقات أنّ الكثيرين من أنصار عبير موسي لا يتردّدون بدورهم في وصف الإعلاميّين التونسيّين بـ»المأجورين» أيضا، وذلك في إعادة إنتاج ما تعوّدوا عليه من توصيفات لأيّ صوت مخالف زمن مناشدتهم لرئيس النظام السابق…

والواضح أنّ هذه الجمعيّة قد استندت في موقفها إلى عدم إصدار الحكومة أيّ بلاغ إعلامي بشأن التنبيه المذكور. والحال أنّ الإدارة العامّة للجمعيّات برئاسة الحكومة لا تصدر عادةً بيانات أو بلاغات من هذا القبيل، بل تكتفي بالقيام بالإجراءات ذات الصلة ولا يتمّ الإعلان عنها إلّا بعد بلوغ الطور الثالث من الإجراءات التي يقتضيها القانون، وذلك وفقا للمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلّق بتنظيم الجمعيّات، أي التنبيه أوّلا ثمّ تمرير الملف إلى القضاء لتعليق نشاط الجمعيّة ثانيا وصولا أخيرا إلى الحكم قضائيّا بحلّها.

ووفق المؤشّرات المتوفّرة فإنّه من المرجّح أنّ الإدارة العامّة للجمعيّات قد مضت فعلا في توجيه التنبيه المذكور إلى جمعيّة اتّحاد العلماء المسلمين، باعتبار أنّه من المستبعد أن تكون رئيسة الحزب الدستوري الحرّ قد اختلقت من وحي خيالها المحض مسألة توجيه الحكومة تنبيها إلى الجمعيّة المذكورة. ولا أدلّ على ذلك من أنّ عبير موسي ما انفكّت تُعلن خطوة بخطوة عن تحرّكاتها بشأن هذا الملف ومختلف مكوّناته المتعلّقة بعدد من الجمعيّات الدينيّة التي تتحرّك تحت غطاء الأعمال الخيريّة، في حين ينكبّ جلّ نشاطها على محاولة تغيير النمط المجتمعي التونسي في اتّجاه أخونته ومحاولة نسف مقوّمات التنوّع والاختلاف فيه.

وللإشارة فإنّ هذه الجمعيّة تسمّي نفسها، في صفحتها الرسميّة على شبكة «فيسبوك»، بـ»الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين (مكتب تونس)» أيّ مجرّد مكتب أو فرع لجمعيّة أجنبيّة، وفق تصنيف المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلّق بتنظيم الجمعيّات. وفي المقابل فإنّها تُقدّم نفسها على أنّها جمعيّة تونسيّة، غير أنّ عبير موسي تمتنع عن تسميتها إلّا بوصفها بلفظ «الوكر»، أي الوكر الذي تُعشّش فيه جماعة دينيّة تُغذّي التطرّف وتُقسّم التونسيّين وتُكفّر ما تنصّ عليه مجلّة الأحوال الشخصيّة وتشجّع على الكراهيّة والعنف وحتّى الإرهاب، وفق ما تذهب إليه موسي في مختلف خطاباتها ذات الصلة.

تكتيك مرحلي

لا يخفى أنّ الإدارة العامّة للجمعيّات لم تتّخذ الموقف المعلن عنه من تلقاء نفسها أو قناعةً بمدى رجاحته، بل نتيجة ضغوط شديدة عرفت عبير موسي وحزبها كيف تُمارسها بشكل مرحلي محسوب بدقّة. فقبل الإعلان عن خطواتها التصعيديّة، انتظرت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ مرور مائة يوم على بدء ما تُسميه اعتصام «خيمة الغضب» الذي يشّنه أنصارها أمام مقرّ تلك الجمعيّة بالعاصمة، ثمّ نسجت على منواله في كلّ من المنستير وصفاقس. موسي لم تفوّت أيضا أيّة فرصة على امتداد ثلاثة أشهر لتكثيف حملتها بهذا الخصوص سواء تحت قبّة البرلمان أو في تصريحاتها لوسائل الإعلام التونسيّة والأجنبيّة أو في اجتماعاتها الشعبيّة. وقبل استصدار قرار التنبيه بيوم واحد، حذّرت موسي، في كلمتها أمام المعتصمين، الإدارة العامّة للجمعيّات بأنّها ستتوجّه إليها في الغد تمسّكا بممارسة دورها الرقابي بوصفها نائبة في البرلمان ورئيسة حزب وتمثّل فئة واسعة من التونسيّين، مُطالبةً إيّاها بالتعبير عن موقفها بوضوح من التنظيم التابع للداعية الإخواني يوسف القرضاوي في تونس.

وفي كلمتها المتعلّقة بالإعلان عن قرار التنبيه، تحدّثت عبير موسي بالتفصيل عن حيثيات اتّخاذ هذا القرار وكيف أنّ الوفد الذي ترأسته هدّد بالاعتصام داخل مكاتب الإدارة العامّة للجمعيات في حال ممارسة التسويف إزاءها مجدّدا. وفي أجواء من انهماك أنصارها المرابطين أمام خيمة الاعتصام في التصفيق والزغاريد ورفع شعار شعارات تعبويّة من قبيل «تونس تونس، حرّة حرّة، وإلإرهاب على برّا» و«الدوام ينقب الرخام» و»يحيا حزب الدستور، يحيا منقذ الشعب»، تصارخت موسي: «أريد أن أبشّركم.. أخيرا الدولة التونسيّة تُقرّ رسميّا بالجرائم المنسوبة إلى هذه الجمعيّة.. إذن نُعلن بصفة رسميّة أنّ الكتابة العامّة للحكومة انطلقت في تفعيل الفصل 45 من المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلّق بتنظيم الجمعيات، قامت بالخطوة الأولى ووجهت التنبيه في إطار حلّ هذا الوكر».

انهمكت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ إذن في سرد نقاط مدوّنة بشأن التهم والشبهات المتعلّقة بجمعيّة الاتّحاد العالمي للعلماء المسلمين الواردة، على حدّ قولها، في تنبيه الإدارة العامة للجمعيّات. وفي مقدّمتها مخالفة الفصلين الأوّل والثاني من الدستور، معتبرة أنّ التنبيه الحكومي استند إلى أنّ النظام الأساسي للجمعيّة الأمّ يُصرّح بكلّ وضوح أنّها «ترمي إلى تقويض أسس الدولة المدنيّة وتطبيق الشريعة وتحويل تونس من دولة قانون ودستور ومؤسّسات إلى دولة تتعامل بناء على التمييز على أساس الدين والمتاجرة بالدين والمزج بين الدين والسياسة». كما ذكرت أنّ النقطة الثانية في التنبيه تتمثّل في «مخالفة الجمعية المذكورة للقوانين المتعلقة بالمنظومة التربويّة، باعتبارها قد أنشأت منظومة تربويّة موازية وحوّلت الجمعيّة إلى معهد تأهيل شرعي، وأقرّت الدولة بأن هذه مخالفة واضحة وصريحة موجبة للتنبيه»، على حدّ تعبيرها. وفي الاتّجاه ذاته، أشارت إلى أنّ النقطة الثالثة في التنبيه تكمن في إقرار الدولة بمخالفة تلك الجمعية للفصل 4 من المرسوم عدد 88 لسنة 2011، الذي «يُحجّر على الجمعية أن تعتمد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطها الدعوة إلى العنف والكراهيّة والتعصب والتمييز على أسس دينيّة أو جنسية أو جهويّة»…

وفي المحصّلة، أنهت موسي كلمتها الحماسيّة بعبارات تتراوح بين الحزم والسخرية، قائلة «بعد نضالاتكم واستماتتكم وصمودكم، أجبرنا الدولة في مرحلة أولى على توجيه كلّ تلك التهم إلى هذه الجمعيّة التي أسّسها سيدهم الشيخ (رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي)، فهو من ألقى خطاب وكلمة فتح المكتب واستقبل سيّده القرضاوي وقبّله من جبينه وقال له علّامتنا الذي ننهل من رحيق فكره»، وفق تعبيرها.

المعركة في بدايتها

ومع ذلك، من الواضح أنّ هذه المعركة لا تزال في بدايتها. فلئن تمكّن الدستوري الحرّ مرحليًّا من إخضاع الحكومة لمشيئته، فإنّ خيوط اللعبة لا تكمن فقط في قصر الحكومة بالقصبة بل أيضا في مونبليزير حيث يوجد مقرّي الغنوشي وموسي. ومن هنا نستطلع السؤال المركزي، فهل ستسمح حركة النهضة لرئيس الحكومة هشام المشيشي بالمضيّ قدما في إجراءات حلّ كيان إخواني جوهري يعدّ الوعاء التنظيمي الروحي لراشد الغنوشي الذي كان يوما نائب رئيسه ويطمح لرئاسته؟

المؤكّد أنّ المشيشي لم يكن ليتردّد في حلّ هذا التنظيم لو لم يكن بحاجة لأغلبيّة حركة النهضة في البرلمان. فالأمر لا يتعلّق إذن بوجود حجج وأدلّة على وجود أنشطة مشبوهة لتلك الجمعيّة، إذ ليس من العسير إثبات ضربها لمقتضيات الدستور التونسي، بالإضافة إلى مسألة التمويلات. وهو ملف بمنتهى الخطورة قد لا يُراد فتحه في المرحلة الراهنة.

ومن جهتها تُردّد عبير موسي لأنصارها، بعد أن باتت عمليّا شخصّية محوريّة في المشهد السياسي التونسي: «ما ضاع حقّ وراءه مطالب، وليس هناك شيء مستحيل في هذه الحياة». ولئن حاولت زرع الشعور بلذّة «الانتصار» في صفوفها أنصارها، فيبدو أنّه لم يغب عن ذهنها أيضا أنّ الأمر ليس بمثل هذه السهولة. ولذلك أكّدت مواصلة الاعتصام إلى حين تمرير الملف إلى القضاء، قائلة: «مهمّ أن نخطو الخطوة الأولى في كشف مكوّنات هذا الأخطبوط الذي أرساه الخواجنيّة منذ جاؤوا. وهو ما يمثّل ركنا من أركان حكمهم وآليّة من الآليّات الناجعة لبسط سيطرتهم وهيمنتهم على المجتمع التونسي وبقائهم في الحكم»، على حدّ تعبيرها.

هكذا إذن أصبح الاستقطاب الثنائي للتونسيّين والصراع الحادّ بين شقّين متصارعين ومتشابهين في الآن نفسه سيّد الموقف في تونس اليوم. بين وريثي نظام الاستبداد النوفمبري من جهة ومحترفي توظيف الدين والغنيمة من الجهة المقابلة. معادلة مرهقة للبلاد والعباد، ولكنّها في الآن ذاته تشكّل عنصر ضغط وتوازن للحفاظ عن بعض ملامح الدولة المدنيّة المهدّدة ولكبح جماح من يستضعف الدولة…

نُشر بصحيفة “الشارع المغاربي” الصادرة يوم 2 مارس 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING