الشارع المغاربي – دور الجنرالين محمد الغول والحبيب الضيف في ما حدث قبل وبعد 25 جويلية / بقلم: كوثر زنطور

دور الجنرالين محمد الغول والحبيب الضيف في ما حدث قبل وبعد 25 جويلية / بقلم: كوثر زنطور

قسم الأخبار

4 أغسطس، 2021

الشارع المغاربي: وقوف الجيش وراء ما بات يسمى باعلان يوم 25 جويلية 2021 من اهم السرديات المتداولة في الداخل النهضوي والمتواترة في بعض وسائل الاعلام المحسوبة على المحور القطري التركي وايضا بشكل خافت داخل مختلف الاحزاب والمنظمات التي لا تستثني في محاولات قراءتها للمستجدات التي عرفتها البلاد ، لعب الجيش دورا في التطورات الاخيرة.

فتح مشهد وقوف رئيس مجلس نواب الشعب وحركة النهضة امام الباب الرئيسي لمقر المجلس مرفوقا بعدد من النواب وهو يستجدي ضابطا من الجيش الوطني لتمكينه من الدخول، الباب امام التساؤلات والتأويلات حول دور المؤسسة العسكرية في احداث 25 جويلية ان كان الامر يتعلق بإنفاذ قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد ام انها شاركت بل وحتى هندست هذه القرارات.

دور الجيش

برز اسم أمير لواء محمد الغول رئيس اركان جيش البر خلال الحملة الفايسبوكية التي سبقت احتجاجات 25 جويلية وحشدت للنزول للشارع لإسقاط المنظومة. ونُسبت لأمير لواء تصريحات تؤكد ان الجيش لن يبقى على الحياد وانه سيكون في صف المحتجين دفاعا عن الوطن. ومن التصريحات المنسوبة اليه «الجيش موش عسكر كردونة ولن يبقى مكتوف اليدين».

اختيار أمير لواء محمد الغول لم يكن اعتباطيا فالرجل شكل الحدث يوم موكب تسلم وتسليم السلطة بين محمد الناصر وقيس سعيد يوم 23 اكتوبر 2019 من خلال تحيته العسكرية للرئيس سعيد بصوت صارم «امير لواء محمد الغول رئيس اركان جيش البر… أمرك سيادة الرئيس» وهي تحية تناقلتها مختلف وسائل الاعلام الدولية.

ما حدث مع أمير لواء محمد الغول وحشر اسمه في الحملة الفايسبوكية يشبه بشكل كبير اشاعة رفض الجنرال رشيد عمار خلال احداث الثورة تنفيذ اوامر وجهت للجيش باطلاق النار على المحتجين وهي اشاعة كان وراءها ياسين العياري وحاول بعد ذلك تبريرها بانها كانت بمثابة الدفع لانجاح مسار الثورة.

الامر سيان بالنسبة لأمير لواء محمد الغول الذي لم يكن له أي ظهور اعلامي ولا أية تصريحات تذكر مثله مثل جل القيادات العسكرية. وما نُسب اليه لا يعدو ان يكون محاولة لتوظيف الجيش مرت مرور الكرام ودون تكذيب ربما من باب الاستخفاف بجدية دعوات النزول للشارع وبتأثير مواقع التواصل الاجتماعي للتعبئة وهو الذي اصبح فضاء لنشر الاخبار الزائفة بامتياز.

بخلاف هذه الاشاعة الفايسبوكية، مثلت الخطابات السياسية لقيس سعيد المتعددة في الثكنات واجتماعاته القارة بالقيادات العسكرية عنصرا من العناصر التي اثثت سردية إمكانية لعب الجيش دورا في قرارات 25 جويلية لاسيما مع تأكيد القيادي بحركة النهضة عبد اللطيف المكي رفض أمير لواء محمد الغول استقبال عدد من النواب كانوا يريدون لقاءه.

وكتب المكي في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع فايسوك بتاريخ 26 جويلية 2021 «إلى السيدين وزير الدفاع الوطني وقائد جيش البر الجنرال م غ …منع البرلمان من الانعقاد لم يرد في أي فصل من الدستور بل بالعكس ينص على بقائه في حالة انعقاد دائم. الآن وحدات من الجيش الوطني تمنع رئيس البرلمان و النواب من الدخول للقيام بواجبهم. أدعو إلى تدارك ذلك لكي لا تتعلق مخالفة دستورية كبرى بجيشنا الوطني… أردت مقابلتكم مع مجموعة من النواب لابلاغكم هذا الطلب فلم يقع استقبالنا».

الى جانب أمير لواء محمد الغول، برز اسم اخر كانت لسعيد اجتماعات معلنة معه في ما يشبه خرقا للتقاليد الرئاسية في التعاطي مع مثل هذه القيادات العسكرية العليا والحساسة والتي لا تظهر عادة في الصورة. الامر يتعلق بالفريق الحبيب الضيف مدير عام وكالة الاستخبارات والامن والدفاع.

وخلال كامل فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لم تعلن الرئاسة عن أي لقاء جمع الرئيس بمدير عام الاستخبارات العسكرية، وهذا مفهوم باعتبار ان مثل هذه اللقاءات لا يعلن عنها في العرف السياسي التونسي ولا ترفق لا ببلاغات ولا بصور. وفي عهد سعيد كان هناك ما لا يقل عن 4 لقاءات ثنائية معلنة الاول بتاريخ 12 نوفمبر 2019 والثاني يوم 8 جانفي 2021 وثالث بتاريخ 14 ماي 2021 ورابع بتاريخ 16 جويلية 2020 ارفقت ببلاغات مقتضبة تضمنت جملة واحدة هي «تناول اللقاء مواضيع ذات العلاقة باستعدادات القوات العسكرية للذود عن الوطن» ثم اضيف لها “للذود عن الوطن ومؤسساته”.

تركيز الرئاسة على اظهار الرئيس في الثكنات أو خلال ترؤسه الاجتماعات العسكرية ويلتقي كبار قيادات الجيش فهم على أنه عملية اتصالية لرسم صورة جيش يمثل حزب الرئيس الذي دخل الرئاسة بشرعية انتخابية واسعة ودون دعم من قبل أية لوبيات نافذة او احزاب.

نجحت الرئاسة في عمليتها الاتصالية والتي قدمت الرئيس مدعوما من قبل اهم مؤسسة تحظى بثقة التونسيين وتتماهى مع شخصه وصورته كـ «رجل نزيه ينظر الى الحكم على انه واجب وطني» وعززت في المقابل مخاوف من جر الجيش لحلبة السياسة وتحوله الى جزء من المعادلة السياسية او طرف يستقوي به الرئيس القائد الاعلى للقوات المسلحة في مواجهة خصومه..

ازاء ذلك حاولت النهضة عن طريق قياداتها وغواصاتها التحذير من توظيف الرئاسة المؤسسة العسكرية ووصل الامر حتى الى محاولة خلق فتنة بين الرئيس والجيش عن طريق مزاعم افشال تركيا مخطط انقلاب عسكري في تونس مدعوم من الامارات ونقل تفاصيله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لرئيس الجمهورية قيس سعيد.

وتحول هذا المخطط الانقلابي الى مادة اعلامية تركية نذكر منها ما نشره موقع “تركيا العثمانية” المحسوب على حزب العدالة والتنمية الحاكم ونقل فيه أن ‏رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، تمكّن من “كشف خطة لدولة عربية في دعم انقلاب عسكري وشيك بتونس وبعد حيازة وثائق سرية في قاعدة الوطية التي تم تحريرها من ميليشيا حفتر، كانت مخبأة ومشفرة لكن المخابرات التركية تمكنت من القيام بما هو مطلوب منها، ولم يعد في الإمكان إنكار مشروع انقلاب كانوا ينوون تنفيذه في تونس، وثمة وثائق أخرى تدين أكثر من بلد عربي بالكثير من الجرائم واستخدام المال والأشخاص في أعمال الإجرام سيتم الكشف عنها في الوقت المناسب”.

وفي الحقيقة تعدد الحديث عن احباط محاولة انقلاب او اتهام بالإعداد لانقلاب خلال العشرية الاخيرة التي تحول خلالها الانقلاب الى عملية سياسية لضرب الخصوم. وكانت النتيجة تطبيعا مع الانقلاب وحتى خلق راي عام جاهز للقبول بأية تغييرات قد تطرأ في البلاد بانقلاب على سلطة شرعية بسبب فشلها بالإضافة الى خلق مقبولية شعبية لـ«البيان رقم واحد» الذي بات في المخيال الشعبي وكأنه الحل السحري للانقاذ بعد ترذيل السياسيين وخاصة الفشل في ادارة الحكم .

رشيد عمار ؟

يتذمر مختلف الفاعلين من غياب الاتصالات مع رئاسة الجمهورية وتغييبهم عن المشاركة في بلورة خارطة طريق لمرحلة ما بعد 25 جويلية، بما دفع جزءا واسعا منهم لربط سياسة الرئاسة الاحادية في اتخاذ القرارات بوجود اتفاق بين الرئيس والجيش وتحول هذا الاخير الى المهندس الاول لـ25 جويلية وما بعده .

وزاد تداول اسمين من كبار العسكريين لدخول السلطة التنفيذية، الاول كمرشح لرئاسة الحكومة وهو الفريق طبيب مصطفى الفرجاني والثاني امير لواء محمد الغول كمرشح لحقيبة الدفاع من الحديث حول دور سياسي للجيش مع اقالة وزير الدفاع ابراهيم البرتاجي ومدير عام القضاء العسكري والترويج الى ان رفض الثنائي المذكور الانضباط وتنفيذ الاجراءات كان وراء قراري الاقالة.

الا ان العودة الى احداث ما بعد الثورة، تشير الى ان دور الجيش اليوم لا يبدو متعاظما ولا ذي طابع سياسي وإلى أنه في جوهر المهام التي دأبت عليها المؤسسة العسكرية في حماية المنشآت والمؤسسات عند الفترات التي تزداد فيها المخاطر وشُهد لها بالاقتدار والنجاعة والانضباط المثالي.

ونُذكر بانه تم بعد الثورة تعيين 11 عسكريا كولاة والمعلوم انه تم تعيين واليا واحدا من العسكريين خلال الـ23 سنة من حكم بن علي.

وعكس جل رؤساء ما بعد الثورة، لم يجر قيس سعيد تغييرات تذكر على مستوى القيادات العليا للجيش فيما عرفت وزارة الدفاع عدم استقرار على رأسها وتغييرات متتالية بـ 4 وزراء منذ دخوله القصر (عبد الكريم الزبيدي ثم كريم الجموسي بالنيابة ثم عماد الحزقي فابراهيم البرتاجي والخامس في الطريق).

اما اسمي الثنائي الاكثر تداولا اليوم، وهما رئيس اركان جيش البر ومدير عام وكالة الاستخبارات فقد عُيّنا خلال فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وحافظا على منصبيهما منذ تولي قيس سعيد الرئاسة.

الى ذلك تشير الكواليس الى وجود مخاوف من «سيناريو رشيد عمار» الذي كانت له شبه هيمنة على المؤسستين الامنية والعسكرية وكان القائد الفعلي للفترة الانتقالية الاولى بعد سقوط نظام بن علي وكان مؤثرا بقوة خلال حكومة الترويكا الاولى. و«رشيد عمار» جديد يعني بالنسبة للمعسكر الرافض لإجراءات 25 جويلية ان قيس سعيد سيصبح في قبضة الجيش بعد ان كان الجيش تحت امرته باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة.

المخاوف من دور سياسي للجيش ليست بالامر الجديد وهي معضلة تواصلت على امتداد العشرية الأخيرة وكانت وراء العديد من التغييرات التي شهدها الجيش وكادت ان تعصف باستقراره وتبث الفتن بين اركانه خاصة خلال فترة حكم الترويكا. لكن المؤسسة العسكرية برهنت رغم المخاوف على أن بوصلتها وطنية وعلى أنها لم تتخل عن خصوصيتها كجيش جمهوري.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 3 اوت 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING