الشارع المغاربي – شعبية قيس سعيّد تنهار ! قراءة في الأسباب / بقلم: معز زيود

شعبية قيس سعيّد تنهار ! قراءة في الأسباب / بقلم: معز زيود

قسم الأخبار

9 يوليو، 2021

الشارع المغاربي: كشف آخر استطلاع رأي عن تراجع غير مسبوق لشعبيّة رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد وفقدانه للمرتبة الأولى في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسيّة… وقفة تأمّل ونقد ذاتي وتفحّص لتعثّر أدائه باتت خطوة حتميّة وفوريّة، في ظلّ أزمة شاملة تشهدها البلاد وقد تذهب غدا بالأوتاد!…

كشف سبر الآراء السياسي الذي أنجزته مؤسّسة «سيغما كونساي» ونشرته صحيفة «المغرب» اليوميّة، أمس الأوّل، أرقاما رهيبة تُشخّص المشهد السياسي في البلاد وتختزله في أرقام ملفتة للانتباه وموجبة للتفكّر. ومن الأهميّة استعراض أبرزها تمهيدا لمحاولة قراءة ما تُنبئ به من دروس وعبر.

معلوم أنّ الرئيس قيس سعيّد كان يتصدّر، منذ يوم انتخابه، مؤشّر «الثقة الكبرى في الشخصيّات السياسيّة» بنسبٍ تفوق 60 بالمائة، دون أدنى مجال للمقارنة مع سائر منافسيه المفترضين الأكثر شهرة. سبر الآراء الجديد لوكالة «سيغما كونساي» أفاد أنّ الثقة الآخذة في التراجع في شخص رئيس الجمهوريّة تهاوت هذه المرّة بنحو 10 نقاط خلال فترة محدودة لا تتجاوز الشهر، حتّى تدحرجت إلى حدود 30 بالمائة.

مؤشرات غير مسبوقة

لن نتوقّف عند مؤشّر الشخصيّات التي لا يثق فيها التونسيّون مطلقا التي ضمّت تراتبيا، وفق محدّدات المنحى المنهجي لاستطلاع الرأي المذكور، كلّا من راشد الغنوشي وسيف الدين مخلوف وعلي العريّض وحمّه الهمّامي وهشام المشيشي. وبصرف النظر عن جميع هؤلاء، فمن الثابت أنّ موجة عدم الرضا لم تستثن أحدا من ثلاثي رؤوس السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة. عمّ التهاوي إذن جميع الشخصيّات المحوريّة أو البارزة وفي مقدّمتها رئيس الجمهوريّة. وهذا في حدّ ذاته يعني أنّ الرئيس قيس سعيّد نفسه قد خرج بعد أو يكاد يخرج من دائرة الاستثناء الإيجابي.

يُحيلنا ذلك إلى مؤشّر في منتهى الأهميّة من بين نتائج استطلاع الرأي نفسه، ويتعلّق بمستوى التشاؤم غير المسبوق لدى التونسيّين، ذلك أنّ نحو 93 بالمائة من المستجوبين يعتقدون أنّ البلاد تسير في طريق مسدود، في حين أنّ نسبة التفاؤل بُعيْد الانتخابات الأخيرة كانت تحوم حول نسبة 80 بالمائة. والأكثر من ذلك أنّ فئة الشباب، المترواحة أعمارهم بين 18 و25 عامًا، بدت أكثر الفئات تشاؤمًا لتتجاوز نسبتهم عتبة 95 بالمائة. والحال أنّ هؤلاء حُسِبوا على أنّهم من أكثر الفئات تصويتا لفائدة قيس سعيّد خلال الانتخابات الرئاسيّة السابقة.

أظهر هذا الاستطلاع أيضا أنّ الإناث بَدَوْنَ أكثر تشاؤمًا من الذكور، ولو نسبيّا. وربّما يعود ذلك إلى عوامل موضوعيّة تتعلّق بالمناخ السائد الذي يميل إلى معاداة حقوق المرأة، فضلا عن تفاقم ظاهرة العنف المسلّط على النساء أثناء فترات الحجر الصحّي، في ظلّ أغلبيّة برلمانيّة ترفض الالتزام بما ينصّ عليه الدستور من مساواة تامّة بين الجنسين. ومن المفارقات أنّ رئيس الجمهوريّة نفسه يُشاركها الموقف السلبي في هذا المضمار. وهو ما يعني أنّ قيس سعيّد قد خسر بعد نوايا التصويت لدى معظم الخزّان الانتخابي النسائي الذي اختار سابقا الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وربّما لن يجعل، خلال الانتخابات المقبلة، مسألة نظافة اليد على رأس أولويّاته.

عقاب منتظر!

كما أدرجنا التوصيف إذن يمكن قراءة معظم نتائج الاستطلاع في علاقتها بتراجع شعبيّة رئيس الجمهوريّة. فهكذا يتعامل التونسيّون مع السلطة التنفيذيّة، وكأنّنا إزاء نظام رئاسي تعوّدوا عليه قرابة ستّة عقود بعد استقلال تونس عن الاحتلال الفرنسي الذي تمسّك الرئيس سعيّد بتسميته «حمايةً» أسوةً بالمغالطات الاصطلاحيّة لمعظم المؤرّخين.

تكمن أولويّة الأولويّات التي حدّدها التونسيّون لعمل السلطة، وفق سبر الآراء المذكور، في النهوض بالقطاع الصحّي بنسبة تصل إلى 70 بالمائة. وهو اهتمام مركّز من الطبيعي أن تتزايد آفاقه في ظرف صحّي متردّ وينبئ باحتمال حصول الأسوأ. كان منتظرًا إذن أن يؤدّي هذا الظرف المؤقّت، الذي توالد وتفاقم ودمّر الأعصاب وكسّر النفوس وأنهك الموازنات وطال أمده كثيرًا، إلى الانعكاس سلبيّا على رأس السلطة وخاصّة على رئيس الدولة الذي لا رئيس سواه مثلما تعوّد على الترديد مرارا وتكرارا، بدلا من التركيز على إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المتراكمة التي يُجابهها معظم التونسيّين.

ربّما لم يُصدّق قيس سعيّد، إلى حدّ الساعة، تراجع شعبيّته إلى هذه الدرجة غير المسبوقة. ومع ذلك يبدو من الأرجح أنّ الشكوك والتوجّسات قد باتت تساوره، ولو بينه وبين نفسه، وربّما بعيدا عن حاشيته التي اتّضح أنّها لم تُفلح في تصويب المنهج وتصحيح الدرب. وقد نُغامر بالقول إنّه لو كان في مقدوره، على شاكلة سائر سابقيه، أن يحول دون إصدار هذا الاستطلاع لفعل. فليس من مصلحته تمامًا أن يظهر، أمام التونسيّين عموما وخزّانه الانتخابي خصوصا، في صورة الشخصيّة الضعيفة أو المستضعفة أو التي انطلق مسار تهاويها التدريجي، ولا سيما بعد أقلّ من عامين على الاحتفاء بفتنةِ شعبيّةٍ غير مسبوقة في تاريخ أيّ بلد ديمقراطي.

لا ينبغي طبعا أخذ نتائج استطلاعات الرأي المنجزة اليوم على أنّها تعكس كليّا حقيقة المشهد السياسي السائد. فمن المعلوم أنّ حصول بعض الأخطاء المنهجيّة قد يؤثّر في نتائج الاستطلاع برمّته، على غرار وجود غموض بسيط جدّا على مستوى بعض الأسئلة المطروحة أو حتّى في طريقة طرحها هاتفيّا أو احتمال محدوديّة دقّة نسبة هامش الخطأ القصوى. ومع ذلك تفيد معظم المؤشّرات السائدة في ظلّ الأزمة الحاليّة الخانقة بأنّ هذا التراجع الملفت لشعبيّة رئيس الجمهوريّة وثقة الناخبين في قدرته على التغيير يبدو قائم الذات أكثر من أيّ وقت سابق.

الأسباب والخلفيّات

ماذا فعل الرئيس سعيّد لخدمة مصالح هذا «الشعب الذي يريد» والتخفيف من معاناته اليوميّة؟ لقد ساءت أوضاعه بدرجات هائلة على كافّة الأصعدة بعد الانتخابات الأخيرة. هذا ما يعترف به رئيس الجمهوريّة نفسه، لكنّ الأمر هنا لا يستوجب اعترافات ومواساة، بل يحتاج إلى نتائج ملموسة لم يستشعر التونسيّيون تحقيق أيّ شيء منها. والأمر سيّان بالنسبة إلى مسألة التعاطي مع الأزمة الصحيّة، إذ لم ير الشعب رئيسه يجوب الدنيا، سفرا أو حتّى اتّصالا، لجلب اللقاحات التي تأخّرت أكثر من لزوميّات ما لا يلزم المَعرّيّة. من أجل إنقاذ الأرواح ومنع انهيار المنظومة الصحيّة، في ظلّ استحكام رأس المال وبطش الصناعات الصيدلانيّة وانكشاف أكذوبة التضامن الدولي. ألمْ يُصرّح رئيس الدولة يومًا لمؤسّسة إعلاميّة أجنبيّة (فرانس24) أنّ مناخ الاستثمار في تونس غير سليم؟!. كيف يمكن، في ظلّ هذا الشيء الذي لم نجد له توصيفا تفعيل ما يمكن تسميته بـ»الدبلوماسيّة الاقتصاديّة والصحيّة» التي تدخل بالضرورة في صلاحيّات رئيس الجمهوريّة؟.

لسنا هنا بصدد تصيّد الأخطاء التي لم تخل منها حصيلة أيّ رئيس سابق، ولكن في المقابل لم نلحظ وجود مزايا تُذكر باستثناء إقامة نوع من التوازن مع الأغلبيّة البرلمانيّة بقيادة حركة النهضة التي إن لم تجد من يردعها فإنّها لن تتردّد في المضيّ في هوس التمكين والهيمنة على أجهزة الدولة وتوظيفها لمصالحها إلى الحدّ الأقصى كما سبق وفعلت خلال فترة حكم الترويكا.

وماذا فعل الرئيس خصوصا من أجل تفكيك الأزمة السياسيّة العميقة التي انعكست نتائجها الكارثيّة على مختلف المستويات داخليّا وخارجيّا؟، فهل وفى مثلا بما وعد وتوعّد بشأن تفعيل بعض مقتضيات الدستور إزاء برلمان غير جدير بتسميته «مجلس نوّاب الشعب»، باعتباره قد دمّر كلّ معايير العمل السياسي جرّاء ما يسوده من بهلونيّات واستهتار وتعطيل وعنف وتكفير، بدلا من خدمة الشعب الذي أوصله إلى قصر باردو؟.

الأنكى أنّه حتّى الاتّحاد العام التونسي للشغل الذي حاول طيلة أشهر طويلة إيجاد مخارج للأزمة السياسيّة عبر تفعيل مبادرته المتمثّلة في الحوار الوطني يكاد يرفع المنديل الأبيض حيال جدّيّة رئاسة الجمهوريّة. ولذلك نراه ينكفئ اليوم على نفسه جرّاء التسويف وانقلاب المواقف والالتفاف على الالتزامات بين عشيّة وضحاها. فها هو سامي الطاهري (الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتّحاد) يُصرّح، بالأمس فقط لإذاعة «شمس آف.آم»، بأنّ المركزيّة النقابيّة أصبحت تشكّ في «استهداف رئاسة الجمهوريّة للاتحاد ومحاولة زعزعة مصداقيّة المنظمة»، مؤكّدا أنّ «إجراء الحوار الوطني من عدمه جوابه لدى رئاسة الجمهوريّة حاليّا»!.

إلزاميّة المراجعة والمبادرة

تزايدت إذن أعداد غير الراضين على أداء رئيس الجمهوريّة، ولا يتعلّق الأمر هنا فقط بأنصار حركة النهضة وأتباعها الذين لا يتردّدون في شيطنة رئيس الدولة. لا يكمن مشكل تراجع مؤشّر الثقة في قيس سعيّد إذن في فقدانه المخزون الانتخابي لحركة النهضة، فذلك يُعدّ من تحصيل الحاصل، وإنّما في تراجع شعبيّته أيضا في صفوف فئات واسعة كانت تُحسب على أنّها من مناصريه في وجه شتّى خصومه ومنافسيه.

هكذا حارب الرئيس قيس سعيّد نفسه بنفسه، فنظافة اليد والخطب الجهوريّة الموزونة لا تكفي بمفردها لقيادة الدولة وتحقيق انتظارات شعبها في ظلّ ملازمة القصر الرئاسي ومحدوديّة التحرّك وغياب المبادرات التشريعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة. فقد تبيّن أنّ التركيز على خطاب التهديد والوعيد واستنبات الحديث عن المؤامرات والدسائس لا يمكن إلّا أن يرتدّ على صاحبه إذا لم يقترن بأفعال ونتائج ملموسة. والحال أنّ السياسة غالبًا ما تُبنى على التقاء المصالح حتّى بين ألدّ الخصوم وأشدّ المتنافرين. فالمرونة في السياسة تعني، في أحيان كثيرة، خبرة وحنكة سياسيّة تحتاجها البلاد، وبالخصوص زمن الأزمات التي تعمّقت أكثر من أي وقت بعد الانتخابات الأخيرة. فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال المغامرة بالقول إنّ رئيس الجمهوريّة بريء من كلّ ما يُحاك من حوله وإنّه غير مسؤول تماما عمّا تردّى إليه المشهد التونسي من سوء على مختلف الأصعدة. إنّ وجوده على رأس السلطة التنفيذيّة، رغم المحدوديّة الظاهرة دستوريّا لصلاحياته، يوجب عليه أن يُسارع بمراجعة الذات، وأن يتحلّى اليوم قبل الغد بما يفرضه الظرف الحالك من شجاعة سياسيّة، وخصوصا المبادرة باتّخاذ الخطوات اللازمة ليُباشر عمليّة الإنقاذ خدمة لمصالح تونس وشعبها قبل أن تغرق السفينة برمّتها ويتهاوى ربّانها…

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 جوبلية 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING