الشارع المغاربي – على‭ ‬هامش‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مارس‭ :‬ نساء‭ ‬مناضلات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تونس‭ ‬أخرى/ بقلم: معز‭ ‬زيود

على‭ ‬هامش‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مارس‭ :‬ نساء‭ ‬مناضلات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تونس‭ ‬أخرى/ بقلم: معز‭ ‬زيود

قسم الأخبار

12 مارس، 2022

الشارع المغاربي: كثيرات وكثيرات جدّا النساء المناضلات في هذه الربوع، بل نكاد نصف كلّ التونسيّات بالمناضلات من فرط ما يتشرّبنه في هذا المجتمع الذكوري من معاناة ووصم بشكل يومي على مختلف الأصعدة. وبمناسبة هذا اليوم العالمي للمراة اخترنا أن نسلّط الضوء على نساءٍ لسن ممّن تُكرّمهنّ قصور الحكم أو المنظمات الكبرى أو السفارات الأجنبيّة…

قبل أن يصل إلى رئاسة الجمهوريّة وفي أحد الحوارات التلفزيونيّة التي أجريت معه، زلّ لسان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، واصفا النائبة الراحلة محرزية العبيدي، بقوله “ماهي إلّا مرا”. وبصرف النظر عن التبريرات التي قدّمها قائد السبسي آنذاك، فإنّها تعكس الصورة النمطيّة والنظرة الدونيّة التي تُكابدها النساء التونسيّات حتّى من قبل من يُحسب على أنّه نصير للمرأة، فما بالك بمن لا يخجل من اعتبارها نصفا أو مجرّد مكمّل.

وبدلا من التوقّف عند أمثلة للنساء القليلات اللائي يضجّ بهنّ المشهد العام، اخترنا أن نسوق أمثلة لتونسيّات ربطن حياتهنّ بألوان من النضال اليومي…

آمال عرباوي وقَدر الفلاقة

هي امرأة تونسيّة أصيلة مدينة تالة، وبوصفها رئيسة إحدى الجمعيّات المدافعة عن حقوق النساء فهي معروفة في أوساط الجمعيّات النسويّة التونسيّة عموما، وفي ولاية الكاف خصوصا بين مكوّنات المجتمع المدني ودور الشباب والثقافة وفي منابر الحوار وفي الصفوف الأولى للتحرّكات الاحتجاجيّة في الميادين والساحات بالشمال الغربي. آمال عرباوي رئيسة “جمعيّة جسور المواطنة” ليست علمًا في صفحات “فيسبوك”، ولا وجها تستضيفه المنابر التلفزيونيّة، لكنّها حين تأخذ الكلمة في اجتماع نسائي أو في تظاهرة من أجل الحقوق والحريّات تشرئبّ لها الأعناق. وحينها، قد لا يجول بأذهان المُنصتين إليها إلّا صورة صديقها الشهيد شكري بالعيد. صوت جهوري في صيغة المؤنّث ووعي عميق بآليّات الهيمنة السائدة ودفاع شرس عن حقوق النساء بلا استثناء. أستاذة علوم الحياة والأرض (SVT) أقسمت، منذ بداية مسيرتها المهنيّة قبل أزيد من ثلاثة عقود، على ألّا تأخذ مليمًا واحدا مقابل دروس الدعم الإضافيّة التي تُؤمّنها لتلاميذها. أمضت السنوات العشر الأخيرة تستخدم النقل الريفي وسيّارات الأجرة لتجوب مدن ولاية الكاف وأريافها وقراها قرية بقرية ومؤسّسة بمؤسّسة، ومنها إلى العاصمة، كي تزرع الزهور في عقول الشباب، وتدفعهم إلى التمسّك بقيم الحريّة والتسامح ونبذ التشجيع على الكراهيّة والعنف حتّى لا يتحوّل المجتمع التونسي إلى شبيه بأفغانستان أو سائر المعاقل الجديدة لممارسات القرون الوسطى.

قالت لي يوما، في لحظة شعورٍ بالخذلان، “أرى نفسي أحيانا كـ’الفلّاقة’ زمن الاستعمار المباشر، كان كلّ همّهم التخلّص من الاحتلال الفرنسي دون أدنى حسابات ذاتيّة، لكنْ لا التاريخ أنصفهم ولا جهاتهم استفادت من نضالهم، بل عُوقبت ولم تحصد إلّا التهميش والتفقير”… هكذا اعتبرت بامتلاء أنّ الحياة موقف صادق، فناضلت ولا تزال من أجل تونس أخرى ممكنة تعمّها المساواة والعدالة الاجتماعيّة، دون أن تنتظر تكريما ولا جزاء ولا شكورا.

إيمان قزارة والإيمان بالقضيّة

برزت المحامية إيمان قزارة بتصريحاتها الملتهبة بشأن ملف اغتيال الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي. ورغم أهميّة دورها ضمن هيئة الدفاع عن الشهيدين، فإنّها تكاد تكون غائبة في منابر الحوار التلفزيونيّة، لا فقط لأنّها ليست من محبّذي الوقوف أمام الكاميرا والثرثرة الفارغة، وإنّما كذلك جرّاء أجندات بعض وسائل الإعلام التي بقيت رهينة لخيارات من بيده السلطة قبل 25 جويلية وحتّى بعده. فموقفها كان ولا يزال واضحا بشأن مسؤوليّة الجهاز القضائي في طريقة التعاطي مع هذه القضيّة المحوريّة.

صمدت إيمان قزارة، كجلّ رفاقها طيلة تسعة أعوام، من أجل كشف خيوط الجريمتين السياسيّتين. ورغم التضييق والضغوط والإجحاف والاتّهام بالتوظيف، لم تخش تبعات مواقفها المعلنة إزاء المتلاعبين بالحجج والأدلّة. وسخرت من حماقات اتّهام هيئتها بالحصول على وثائق سريّة عبر طرق غير شرعيّة. فقد تعالى صوتها بأنّ التوظيف السياسي لهذه القضيّة تسبّب في عدم قيام الأجهزة القضائيّة ذات الصلة بالإجراءات اللازمة والضروريّة لكشف الحقيقة التي تريد طمسها أكثر من جهة. تتمسّك قزارة بتنصيص الدستور على أنّ المحاماة شريكة في إقامة العدل. فهي تؤمن، مثلما ردّد زميلها عبد الناصر العويني، بأنّ معركة استقلال القضاء هي مطلب شعبي قبل أن تكون معركة بعض القضاة، ولا أحد وصيّ على الحقيقة ولا على القضاء.

دأبت المحامية المدافعة عن الحقّ والواجب على الحديث بلغة يفهمها التونسيّون، فلم ترفع شعارات باللغة الإنجليزيّة كما فعل بعض القضاة في وقفتهم الاحتجاجيّة التماسا لدعم جهات أجنبيّة. وكثيرا ما اكتفت بترديد كلمات الشهيد شكري بالعيد بأنّ “الفكرة عمرها ما تموت”، واصفة إيّاه يوم 6 فيفري الماضي، بمناسبة ذكرى اغتياله “يا أطهر جرح وأشرف جرح وأوجع جرح”… لكلّ ذلك لا يمكن أن يمرّ اليوم العالمي للمرأة دون إلقاء التحيّة على هذه المحامية التونسيّة الحرّة…

جُنديّات الخفاء

تحفل تونس بالكثير من النساء المناضلات الأخريات في شتّى المجالات اللائي يمكن اعتبارهنّ بمثابة جنديّات الخفاء. ويكفي أنّ نُعدّد بعض الأمثلة التي لا تحتاج لذكر الأسماء. فمَنْ يجهل مثلا أنّ الفلاحة التونسيّة، بوصفها قطاع حيوي يؤثّث الأسواق يوميّا بمعظم ما تحتاجه، تقوم بالأساس على ظهور نساء هذه البلاد؟!. أليست عاملات الفلاحة إذن بمناضلات؟!، وهنّ اللائي لم تفعّل مؤسّسات الدولة الحدّ الأدنى من قوانينها وتراتيبها من أجل النهوض بواقهنّ المأسوي الذي يغتال سنويّا العشرات منهنّ في شاحنات الموت وفي صقيع التربة والفقر…

وهل يجب أن ننسى أيضا كمْ فقدت تونس من ممرّضة وطبيبة وعاملة، خلال ذروة تفشّي جائحة كورونا، وهنّ يناضلن من أجل رفع الألم عن سائر التونسيّين وإنقاذهم من الموت الوشيك.

وتلك المرأة التي قتلت تحت الحجارة الصمّاء في ريف عين دراهم جرّاء البؤس واستمرار التسليم بالأعمال الشاقّة من أجل القمة والفتات، ومنْ لم يسمع أيضا بتلك الشابة التي قتلها زوجها الأمني في الكاف لأنّها طلبت بعض الحياة ورفضت قدر الاستعباد، وهؤلاء النساء اللائي عانين تصاعد العنف الزوجي ضدّهم بنسبة سبع مرّات خلال فترة الحجر الصحّي، والأمثلة كثيرة ولا تُعدّ… ألسن مناضلات قبل غيرهنّ ممّن تتكالب عليهنّ الإذاعات والفضائيّات…

وكيف لا نذكر في هذه المناسبة مثلا البطلات التونسيّات اللائي تُوِّجن في الألعاب البرالمبيّة الخاصّة بذوي الإعاقات المتفاوتة ورفعن عاليا العلم التونسي، رغم أنّهنّ حظين بحدّ أدنى من الرعاية المستوجبة؟. والحال أنّ الجحافل التي تحظى قبل غيرها بالدعم من مقدرات المجموعة الوطنيّة لم تُقدّم شيئا إلى هذه البلاد.

لا ننسى كذلك الإشارة إلى تونسيّة أخرى، تؤمن بأنّ العمل الصحفي هو وحدُه قدرها، فتنهمك في عملها المضني وتجعل من يومها حصّة واحدة تمتدّ من بدايات الصباح إلى ساعات الليل. وحتّى العاملون معها قد يجدون صعوبة في استيعاب نسق حياتها المهنيّة، نسق جهنّمي يحرمها من أدنى وقت للاهتمام بجوانب حياتها الشخصيّة. فقد اختارت التركيز على تحقيق ذاتها وأحلامها من خلال الحفاظ على مشروعها المهني لخدمة الرأي العام وكشف الحقائق الخفيّة. ومع ذلك لا يجد بعض المتخفّين وراء شاشاتهم القاتمة أيّ حرج في رميها باتّهامات ووصوم مرضيّة.

من مناضلات هذه البلاد أيضا تلك التونسيّة المرابطة ببيتٍ لا تُغادره إلّا لمامًا أو للضرورة القصوى، امرأة تختزل حياتها في الاهتمام بأبنائها وزوجها، وتقف أحيانا حتّى ضدّ تمكينها من حقوقها المتساوية مع الرجل. تلك المرأة التونسيّة المحافظة الراضية بقدرها وبواقعها هي الأخرى مناضلة من نوع آخر. ومع ذلك فإنّ نضالها اليومي غير المدفوع الأجر لا يُحسب ناتجه ضمن الإحصائيّات الرسميّة في ظلّ مجتمع ذكوري رسّخته مؤسّسات الدولة، بدءا من مجلّة الأحوال الشخصيّة التي رغم ما توجبه من مكتسبات، فإنّها لا تزال تُصنّف الزوج على أنّه ربّ الأسرة، وهو ما يعني الصبغة البنيويّة لآليّات الهيمنة والتمييز ضدّ النساء.

هؤلاء التونسيّات المناضلات أكبر بكثير من مجرّد أحاديث الصالونات والفنادق الفخمة التي تنتهي بإصدار ورقات وبيانات بلا روح وبلغة أجنبيّة معدّة حصريّا للتصدير وقد لا تفهمها جلّ المعذّبات في هذه الأرض. فحقوق النساء تُكتسبُ في ربوع هذه الأرض بالعرق والمواقف المستقلّة الثابتة والكفاح اليومي ضدّ التمييز والوصم من أجل تونس جديدة…

———-

حَرَم فلان والمهنة لا شيء!

جَدَّ خلال الفترة الأخيرة جدل حادّ بشأن بطاقة التعريف الوطنيّة، بعد الإعلان عن قرب اعتماد وزارة الداخليّة نظام بيومتري يصعب اختراقه. جلّ الانتقادات انصبّت على مسألة المسّ بالمعطيات الشخصيّة للتونسيّين، بل واقتصرت على مقاربة تقنيّة تجاهلت أمرا يدركه القاصي والداني. وهو ما يتمثّل في التوجّه إلى الإبقاء على واقع التمييز الصارخ ضدّ المرأة المنصوص عليه في بطاقات الهويّة المسندة إلى النساء. فلا يخفى عن أيّ كان أنّ المرأة التونسيّة المتزوّجة تُلحق بزوجها في بطاقة التعريف، لتُنعت بأنّهم حَرَمُ فلان الفلاني. وهو ما يعني أنّها مجرّد تابع له ومكمّل لشخصيّته وهويّته وأنّ كيانها ووجودها ملحق به أصلا، وكأنّنا إزاء عمليّة مدروسة بشكل منهجي لتكريس التمييز الرسمي ضدّ المرأة… ويكفي كذلك لأيّ كان أن يقلب وجه بطاقة التعريف الوطنيّة لأيّة امرأة راشدة عاطلة عن العمل، باختيارها أو رغما عنها، ليرى أنّ مهنتها مجرّد “لا شيء” أو أنّها تمتهن “شؤون المنزل”، حتّى وإن كانت حائزة بتفوّق على شهادة الدكتوراه في علوم الذرّة أو علوم الإجرام أو الجماليّات…

والمعلوم أنّه ليس منتظرا من وزارة الداخليّة أن تكون رائدا في رفع أشكال التمييز ضدّ المرأة من تلقاء نفسها. والحال أنّها مكلّفة رسميّا بممارسة ما يُسمّى بـ”العنف الشرعي”، فبما بالك بالأمر حين يتعلّق بمسألة يُنظر إليها على أنّها مجرّد بذخ نسوي؟!.

ليست هذا الطرح بالجديد طبعًا، فقد أقدم البعض سابقا على تناول هذه القضيّة، لكن لم نشهد إطلاق حملات كبرى من أجل رفع هذا الحيف والتمييز السائد منذ عقود، وبشكل يُبقي المرأة التونسيّة في الوثائق الرسميّة للدولة التونسيّة إمّا كائنا تابعًا ومهيمنًا عليه أو مجرّد “لا شيء” أو كلاهما معًا…

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING