الشارع المغاربي – قانون المالية 2022: قانون أجوف بروح ما قبل «25 جويلية»

قانون المالية 2022: قانون أجوف بروح ما قبل «25 جويلية»

قسم الأخبار

6 نوفمبر، 2021

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تحصل موقع “الشارع المغاربي” على نسخة أولية من مشروع قانون المالية لسنة 2022 اعدتها وزارة المالية وهو المنتظر صدوره بمقتضى مرسوم رئاسي وفقا لمقتضيات الأمر عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية.

وعلى عكس المعتاد، لم يتضمن المشروع سوى احكاما وفصولا عامة بعيدا عن ذكر الفرضيات المتعلقة بنسبة النمو المنتظرة للعام القادم ومعدل أسعار الصرف وأسعار المواد الأولية وإحداثات الشغل المتوقعة وجدول موارد الميزانية واستعمالاتها. وان ابرزت بعض الفصول توجها واضحا نحو دعم المؤسسات سيما في إطار مجابهة تداعيات الازمة الصحية فان القانون يبدو أجوفا بشكل عام وغامضا في ما يهم قسما كبيرا من احكامه.

أبرز الاحكام

تمثلت أبرز أحكام مشروع قانون المالية في الجانب الجبائي في أحكام تهم مساندة المؤسسات الاقتصادية ودعم التشغيل ودفع الاستثمار ومواصلة الإصلاح الجبائي ورقمنة الإدارة وتحسين استخلاص الأداء ومقاومة التهرب الضريبي فضلا عن إجراءات ذات طابع صحي واجتماعي. كما تضمًّن مشروع القانون إجراءات مختلفة.

وعلى هذا الصعيد، تمحورت الاحكام اساسا حول تمكين الشركات من إعادة تقييم العقارات المبنية وغير المبنية المدرجة بميزانياتها حسب قيمتها الحقيقية مع إعفاء القيمة الزائدة الناتجة عن إعادة التقييم من الضريبة على الشركات والسماح للمؤسسات المصدّرة كليا بالترفيع خلال سنة 2022 في نسبة التسويق المحلي من رقم معاملاتها المحقّق من التصدير ومراجعة النظام الجبائي للتخلي عن الديون من قبل البنوك والمؤسسات المالية في اتجاه توسيع مجال المؤسسات المنتفعة بالتخلي عن الديون علما ان هذا المقترح حسب وزارة المالية هو محل دراسة مع البنك الدولي.

كما اقرت الاحكام الجبائية تخفيف العبء الجبائي عن المساكن المشيدة من قبل الباعثين العقاريين وذلك بإخضاع عقود النقل الأول بمقابل لهذه المساكن بالمعلوم القار والإعفاء من الأداء على القيمة المضافة في ما يتصل بالعمليات المتعلقة بالخزن المبّرد للمنتجات الفلاحية والصيد البحري وذلك بهدف التحّكم في كلفة هذه المنتجات ودعم القدرة الشرائية للمستهلك.

وفي قراءة اولى، تُحٍيل هذه الاحكام الى ان الدعم الاساسي سيوجه بالأساس الى المجمعات والشركات الكبرى “المحورية” في ميزانيات البنوك وذلك خصوصا في مستوى التخلي عن اقساط الديون غير المستخلصة. ومن المحقق ان يتعلق الامر بالشركات العمومية والمجمعات العاملة في مجالات يغلب عليها الجانب الاحتكاري سيما ان مشروع قانون المالية اقر امتيازات لمخازن التبريد الغذائي وأغلبها ينشط بشكل فعال في المضاربة في مواد حياتية علاوة على اقراره الاعفاء من الأداء على القيمة المضافة في ما يتصل بالعمولات الراجعة لوكلاء بيع المنتجات الفلاحية بأسواق الجملة وذلك بتعلة مجابهة التجارة الموازية رغم ان فداحة ممارسات قسم هام من هؤلاء في اسواق الجملة تتجاوز جشع العاملين في مسالك التهريب والمضاربة على الخضر والغلال والأسماك، بصفة خاصة.

ومن الغريب في الامر في هذا الاتجاه ان احد الاحكام الهامة المرتبط بالتخلي عن الديون هو محل دراسة مباشرة بـ “التنسيق” مع البنك الدولي رغم ان الامر يتعلق بمسألة سيادية صرفة.

كما انه لا معنى لتشجيع الباعثين العقاريين بتخفيف العبء الجبائي المحمول عليهم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار ان مشكل القطاع غير مرتبط بقيمة الضرائب خصوصا القارة منها بقدر ما هو متصل بعدم التوازن بين العرض والطلب وتواجد دخلاء فيه عليهم شبهات كبرى في مجال تبييض الاموال وذلك وفقا لتقارير لجنة التحاليل المالية التي تصنف قطاع البعث العقاري في المركز الثاني في مجال تبييض الاموال بعد قطاع المعادن النفيسة.

وبشكل او بآخر،غُيِّبت عن بوصلة القانون معاناة الشركات الصغرى والمتوسطة التي يبدو انها اصبحت تمثل عبئا على اصحاب المال والاعمال “الكبار” خصوصا في مجال الاقراض البنكي واعتبارها من طرفهم منافسا مزعجا بكثرة طلبات المساندة والامتيازات التي يرنو الكبار الى احتكارها لخاصة أنفسهم، لا غير.

التصرف في المالية العمومية واستفحال “العشوائيات”

رغم احداث وزارة للاقتصاد والتخطيط، والتي يسيرها وزير قادم من القطاع المالي وهو ما يفسر الى حد ما الامتيازات الكبرى الممنوحة لهذا القطاع في مشروع قانون المالية، لا يحمل المشروع اية رؤية اقتصادية تتناغم مع سياسة التقشف التي يؤكد قيس سعيد رئيس الجمهورية على ارسائها وذلك اساسا في ما يهم ترشيد الواردات والحفاظ على المال العام. ولم يتضمن مشروع قانون المالية اية اشارة الى ترشيد استخدام السيارات والمساكن الوظيفية وهي التي تكلف الدولة سنويا نحو 3 مليارات دينار.

كما تغافل واضعو قانون المالية عن ترشيد الامتيازات والترقيات والتسميات في الخطط الوظيفية والتي كلفت المجموعة الوطنية 1.6 مليار دينار في شهر واحد هو شهر اوت المنقضي والتي تعتبر احد اسباب الزيادة المستمرة في كتلة الاجور التي مثلت تقريبا 60 بالمائة من الارصدة الاولية لميزانية الدولة طيلة الاعوام الاخيرة.

ومن “المعقول” الى حد بعيد الّا تقوم الادارة كمُعد اساسي ووحيد لقانون المالية، في ظل غياب اية سلطة رقابية محايدة بالتقليص في المصاريف التي يستفيد منها اطاراتها واعوانها أنفسهم من ترقيات ومساكن وسيارات وظيفية بعشرات الالاف اغلبها من النوع الفخم والتي ابدى رئيس الدولة نفسه تحفظا حول وجودها الواضح في كل طرقات البلاد.

كما لم يحمل مشروع قانون المالية اي اجراء في ما يهم انقاذ المؤسسات التي تُسيِّرُ المرفق العام سيما في مجالات النقل والاسكان والصيرفة والبنى التحتية والصحة رغم ان ازمة كوفيد 19 عرّت بالكامل انهيار هذه المنظومات والتي من المؤكد ان سقوطها يمكن ان يتسبب في ازمة اجتماعية خانقة وعاصفة وذلك حسب معطيات تقرير حديث اصدرته المؤسسة الفرنسية لتامين التجارة الدولية صنّف تونس ضمن الدول العشرة الاوائل من حيث ارتفاع المخاطر السياسية والاجتماعية وبالتحديد في أسفل السلم في درجة “ج”.

ولم يحمل مشروع المالية للعام القادم كذلك في طياته اي اجراء لدفع الاقتصاد الرقمي والشركات الناشئة والحد من تأثير الاتفاقيات التجارية المجحفة في حق تونس كاتفاقية التبادل التجاري الحر مع تركيا ومجابهة آفات الاغراق السلعي سيما على مستوى التعامل مع آسيا علاوة على مقاومة ظاهرة التدفقات النقدية غير المشروعة التي توشك ان تجهز على القطاع التجاري الخارجي.

ورغم الجهود الكبرى في انقاذ القطاع الخارجي، فان مشروع قانون المالية لم يحدد اي اجراء تحفيزي اقتصادي او اجتماعي لفائدة الجالية التونسية بالخارج والتي حولت الى نهاية سبتمبر اكثر من 6.6 مليارات دينار. كما انه ورغم الانهيار الشامل لقيمة التدفقات الاستثمارية الخارجية التي لم تتجاوز نهاية سبتمبر 700 مليون دينار لم يحدد المشروع اي حافز في هذا الاطار لإنقاذ هذا المجال الحيوي.

عموما يتضح بجلاء ان دور وزارتي المالية والاقتصاد اصبح يقتصر على المحاسبة العمومية ومحاولة الحفاظ على استقرار مصالح الموظفين بعيدا عن “اشكاليات” البحث عن التجديد الاقتصادي والاستثماري وما تطرح من متاعب لموظفين جلهم قضى كافة مسيرته المهنية في المكاتب المغلقة غير عابئ بمصاعب ميدان تسيير المؤسسات وتحديات البقاء المفروضة على ملايين التونسيين الذين يعانون من الفقر ومن انهيار المرافق الحياتية.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 2 نوفمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING