الشارع المغاربي – لهذه الأسباب لن تعود نهضة الغنوشي إلى الحكم/ بقلم: انس الشابي

لهذه الأسباب لن تعود نهضة الغنوشي إلى الحكم/ بقلم: انس الشابي

قسم الأخبار

10 سبتمبر، 2021

الشارع المغاربي: أنهت قرارات 25 جويلية تماما حركة النهضة التي عرفناها منذ سبعينات القرن الماضي إلى اليوم وطويت مرحلة اتصفت بالاستفراد بقيادة بقيت على رأسها طوال نصف قرن منها فقط 10 سنوات في العلنية وما تبقى في السرية. والذي يظهر من خلال متابعة تطوّر الحركات الإسلامية جميعها أنها تنتعش في السرية ولكنها ما إن تخرج إلى العلن وتمارس العمل السياسي الشرعي حتى تسقط بشكل أو بآخر. حدث ذلك في الجزائر وفي مصر وفي المغرب وفي السودان والآن في تونس. وأسباب ذلك متعدّدة منها ما يتعلق بطبيعة العقيدة التي تصدر عنها وهي عقيدة ترفض الآخر وتستعلي بالإيمان على غيرها. وإن لم تصرح بذلك فإنها تضمره وتتصرف على أساسه. فالحركة التي تستند إلى الدين مرجعا لها تعتبر في ذات الوقت المخالف لها كافرا ومرتدا ومن ثم يجوز التعامل معه بما يحقق أهدافها في إضعافه أو القضاء عليه ولو كان ذلك على حساب الأخلاق والضوابط السياسية التي تواضعت عليها التنظيمات والأحزاب في تعاملها مع بعضها البعض. والمتأمل في مسيرة حركة النهضة خلال العشر سنوات الماضية يلحظ أنها ما تركت حزبا أو تنظيما أو توجّها فكريا إلا وعملت على الاندساس فيه لتفجيره من الداخل. وهو ما حصل لكلّ الأحزاب التي تحالفت معها حيث اندثرت جميعها وخلت الساحة السياسية ممّن يمكن أن يخاطر بالتحالف أو التعامل معها مستقبلا وهو ما يؤشر على أنها لن تستطيع في قادم الأيام أن تجد لها حليفا أو سندا خصوصا بعد انهيار شعبيتها. والوضع على ما هو عليه كيف يبدو مستقبل حركة النهضة؟ وهل يمكنها أن تتجاوز هذه المرحلة الصعبة؟ وهل أنها قابلة للنقد الذاتي وإصلاح شأنها مثلما يروّج البعض أو أن ذلك ممتنع لطبيعة بنيتها العقدية والتنظيمية؟ قبل الإجابة عن هذه الأسئلة وجب أن نضع في الاعتبار أن:

1) الأطفال الذين ولدوا في بداية القرن وكان عمرهم سنة 2011 عشر سنوات أصبحوا اليوم شبّانا تفوق أعمارهم العشرين سنة بحيث لم يعرفوا سوى حكم النهضة ولا علاقة لهم بحكم الزعيم بورقيبة ولا بحكم بن علي إلا من خلال المرويات، بحيث لم يعد خطاب المظلومية الذي دأبت الحركة على ترويجه يؤتي أكله لدى الأجيال الشابة التي عاينت في حكمها انتشار البطالة والفوارق الاجتماعية المجحفة وانسداد آفاق المستقبل التي أدت بالكثير إلى «الحرقة» والموت يتهدّدهم.

2) الحركات الدينية جميعها تقوم على الولاء لشيخها سواء كان شيخ طريقة أو شيخ حزب كما هو حال الحركة لدينا حيث يحتل الغنوشي موقعا هو أدنى من موقع الرسول وأعلى من موقع البشر العادي. يظهر ذلك من خلال البيعة في المنشط والمكره والطاعة الكاملة والانسياق التام وراء كلّ ما يصدر عنه دون نقاش أو اعتراض. هذه الصورة تقارب صورة ما عليه آية الله مرشد الثورة في إيران الذي لم ينتخبه أحد ولكن لا ترشح لأية انتخابات أو تعيين في المناصب العليا إلا بموافقته. ومن الجدير بالملاحظة أن المرشدين العامين للحركات الإخوانية جميعهم لا يترشحون للانتخابات لأنها تضعهم في موضع المساءلة والقدح. ففي مصر لم يترشح المرشد العام ولكنه رشح مرسي وفي الأردن لم يترشح ذنيبات ولكنه رشح غيره ولم يدخل مجلس الأعيان إلا بالتعيين. كل ذلك حفاظا على مقام المرشد العام من أن يصبح محلا للقيل والقال. ففي تونس اكتسب الغنوشي طوال النصف قرن الماضي صفة الشيخ وهي مكانة اعتبارية تحمل الكثير من معاني الاحترام والمهابة من قبل الجميع. هذه الصورة تم تدميرها لمّا رشح نفسه للانتخابات التشريعية ولرئاسة البرلمان وأصبح محلا للنقد وَوُوجِه بما لم يتعوّد عليه سابقا، الأمر الذي أدى به إلى ترك رئاسة الجلسات إلى نائبيه ولم تستطع لا كتلته ولا المتحالفين معها الدفاع عنه والردّ على الحزب الدستوري الحر وزعيمته عبير موسي التي تفطنت لهذه النقطة فجعلت من نقده وتتبع أخطائه هدفا أفسد الصورة التي كان عليها لدى أتباعه وغيرهم حيث أصبح التجرؤ عليه متاحا حتى لمنظوري حركته وهو ما ظهر في المواقف الأخيرة لبعضهم.

3) الحركات الدينية جميعها لا تعيش إلا بوجود عدوّ ولو كان وهميّا، به تبرّر وجودها وتحشد المؤمنين وتعدّ لمواجهته بما تستطيع من قوة ومن رباط الخيل وتجمع الأموال تحت مسمى الجهاد والزكاة. وقد كانت الحركة لدينا أمينة في السير على هذا النهج حيث حاربت اليسار واتحاد الشغل ودولة الاستقلال وبورقيبة ومجلة الأحوال الشخصية وبرامج الفلسفة وتحييد المساجد وبن علي لأنه طبق القانون وأحالهم على القضاء لمعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها في حق البلاد والعباد. ولكن بعد سنة 2011 وبعد أن استلمت الحركة الحكم واجهت القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي لم تجد لها حلا فبان فشلها الذي تأكد بمرور السنوات لأنها مبرمجة بالأساس للمواجهة وليس للبناء، وللتحطيم وليس للتشييد، ولافتعال الخصومات وليس للتوافق مع الآخرين لحل المشاكل والنهوض بالأمة.

جملة هذه الأسباب بجانب الفشل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي تُرجح فرضية أن حركة النهضة لن تبقى على حالها الذي عرفناه سابقا. وعلامات التشظي أصبحت ظاهرة وبارزة من خلال التصريحات والبيانات المتضاربة التي ستتصاعد كلما تراخت قبضة الحركة على الإدارات والدولة وكلما كان ضغط المجتمع المدني عليها قويا وكلما باشرت الدولة فتح ملفات الفساد. كما يبدو واضحا وغير قابل للتردد أن النهضة وإن بقيت ككيان سياسي، لن تعود مجددا للحكم بسبب تبخّر من يرغب في الانتحار السياسي عن طريق التحالف معها.

ومن الجدير بالملاحظة أنه لن يكون لغياب حركة النهضة تأثير على التعبيرات الدينية الأخرى لأن الخلافات بينها عَقدية وليست سياسية والخلاف العقدي لا حلّ له إلا بإذعان أحدهما إلى الآخر وهو أمر مستبعد. وإن وجدنا شيئا من التقارب بينها عن طريق إصدار البيانات أو غيرها فرَدًّا على خصم مشترك مثل الدولة أو بعض القوى السياسية وليس دفاعا عنها. فقد علّمَنا التاريخ أن الخصومة بين أبناء الدين الواحد هي أشدّ أنواع الخصومات حيث تستباح الدماء والأعراض. ولدينا في تاريخ الفرق الإسلامية ما يؤكد هذا المعنى الذي ما زلنا نراه حاضرا حيث يكفّر السنّة الشيعة وتكفّر الوهابية التصوّف وفرقه وبما أن الفضاء الديني التونسي متنوع فيه الإسلام الرسمي والحزبي والطرُقي فإن التقاء هذه التشكيلات الدينية ممتنع امتناعا مطلقا وسوف يبقى الحال على ما هو عليه مع إضافة واحدة هي إنكفاء النهضة على ذاتها وضعف تأثيرها مستقبلا وهو ما يعني أن على قوى المجتمع المدني أن تعدّ نفسها للمعركة الثقافية والتربوية لأنها وحدها كفيلة بإخراج الوطن من البؤرة التي هو فيها.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي بتاريخ الثلاثاء 7 سبتمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING