الشارع المغاربي – ما الذي يمنع الوطنيّ من لقاء الوطنيّ من أجل الوطن!؟ / بقلم حمادي بن جاء بالله

ما الذي يمنع الوطنيّ من لقاء الوطنيّ من أجل الوطن!؟ / بقلم حمادي بن جاء بالله

قسم الأخبار

6 ديسمبر، 2020

الشارع المغاربي: لولا ثلاث هن من صوارف اليأس وبواعث الأمل  لكان شتاء التونسيين صقيعا : الأولى اجتماعية اتخذها الاتحاد العام التونسي للشغل وتحاور فيها الأخ نور الدين الطبوبي  الأسبوع الماضي مع  السيد رئيس الجمهورية، والثانية قضائية تضمنها تقرير محكمة المحاسبات لستة 2019، والثالثة سياسية بادرت بها الأخت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر بتنظيم «اعتصام الغضب» صونا لمدرسة الجمهورية من عبث الإسلام السياسي، و أئمّة الفتنة.

I

كثير هم التونسيون الذين هزتهم –تفاعلا وتفاؤلا –بادرة الاتحاد العام التونسي للشغل القاضية بالعود مجددا إلى تقاليد الحوار الاجتماعي في مجرى الجمع المتين بين الدور النقابي الثابت،  والرسالة الوطنية  الراسخة. فتلك تقاليد تربى عليها التونسيون منذ أيام الكفاح ضد الاستعمار الخارجي وبناء الدولة الوطنية الناشئة. والحق أن الاستعمار -عامة- وضع تحاول فيه قوى ماكرة، تراوح بين التخفي والظهور، لشل إرادة شعب ما.

ولما كانت أوضاعنا الوطنية أقرب ما تكون – في جميع الجهات والقطاعات  –إلى العطالة الشاملة، كانت بادرة الاتحاد  علامة ساطعة على تأكد وجود همة لإنقاذ  الأمة. انها موعد متجدد مع التاريخ. ولا ريب في أن ما يضفي على تلكم البادرة الأهمية القصوى، أنها اليوم  من ضرورات الواجب الوطني، بعد أن حصحص الحق، وبان لكل ذي بصيرة وحتى للأعشى، فشل جميع  الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد منذ 2011 حتى اليوم، في الارتقاء  بالدولة الوطنية إلى مصاف الدولة الوطنية الديمقراطية ،والحفاظ على استقلال البلاد وعلى سيادتها وصون كرامة مواطنيها. فمما يدمي العين حقا ان تونس التي كانت أمس مطمورة روما أصبحت اليوم مزبلتها ومصب قموح أوروبا الفاسدة، وكان أبناؤها ينعمون باحترام الجميع، أصبحوا منبوذين  في الآفاق، يطردون منها بحق وبغير حق، ولا ناصر لهم ولا ملاذ. ولن يسامحنا التاريخ على أننا استرعينا الذئاب، فإذا بنا –في ظرف عشر سنوات – نسوّق للعالم أوفر قسط من الإرهابيين، وإذا جحفل بائس من أبناء شعبنا «بين النفايات مرتعه».

لذلك كان اليوم من الضروري العاجل الانتصار لبادرة الاتحاد وإعانته –كل من موقعه- على انجازها على النحو الذي يمليه الواجب، مطلق الواجب. واذا سمح لي  بإبداء بعض  الرأي في هذا الشأن الجلل، اقترحت  أن يكون الانجاز المنشود  بتوسط إنشاء تحالف اجتماعي واسع ، يقوده اتحاد حشاد بتعاون وثيق خاصة مع  الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية، ومنظمة النساء الديمقراطيات  والمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئات المهنية الكبرى مثل هيئات القضاة والمحاماة والفنون والطب والصيدلة والهندسة… ويحسن -في تقديري- بقيادة هذه البادرة ترك المجال مفتوحا لكل ارادة وطنية صادقة أنست في نفسها القدرة على المساهمة  في هذا المجهود التحريري، وان تصغي –بالطريقة التي تراها صالحة –  الى ما يمكن ان يصدر عن الكتل الوطنية   -وهي الاغلبية الصادقة – بمجلس الشعب من رؤى ومقترحات.

ويذهب بي الرأي في هذا السياق إلى أن ما يسمى في الأعراف البرلمانية «الأغلبية» لا يكتسي في الفكر السياسي الحق معنى إلا إذا وعت تلك «الأغلبية الحاكمة» بعض البديهيات العقلية الصرفة، أولها أن حق الانسان -بفضل  إنسانيته- مسبق على   حق الأغلبية بفضل ما حصلت عليه من أصوات انتخابية، ويعني ذلك انه ليس للمعطى السياسي في تبدله ونسبيته،  إلاّ أن  يركع أمام القيمة الأخلاقية في كونيتها واطلاقها، وثانيها انه مهما كانت أهمية الأغلبية عددا وعدة فليس لها الا ان تركع امام الحقوق المكتسبة بدماء الشهداء وتضحيات الأجيال. هما حدان، أخلاقي وسياسي، بهما تكتسب  الشرعية الانتخابية معنى حتى لا تكون «تفويضا» لا حدّ له او «بيعة» مقدسة، أو «صكا على بياض».

غير أن ما يؤسف له  وما ينبغي التحارس منه -في ذات الوقت – أن الحاكمين منذ عشر سنوات، جهلوا البديهية الأولى في مكر، وتحدوا  الثانية في عنجهية : أما  الاولى فقذ أنكرتها الترويكا عامة والإسلام السياسي خاصة يوم  التراجع –برقاعة تندى لها جباه الكرام- في وعد أخلاقي باستدامة حكم «التأسيسي» ثلاث سنوات بدل وعد  بسنة واحدة، بتعلة أن البرلمان ‘’سيد نفسه’’ وان «الوعد» ليس الا مجرد قيمة أخلاقية. وأما بديهية احترام  الحق المكتسب فقد طعنت يوم توعد الإسلام السياسي التونسيين بتطبيق «حد الحرابة» عليهم بسبب الدفاع عن وطنهم، بعدما بشر الفائزون في انتخابات 2011 بعودة الخلافة السادسة بدل الالتزام  بالحفاظ على النظام الجمهوري .ولولا يقظة الشعب التونسي امس لذهبت تونس أدراج الرياح. ولا ريب اليوم ان تونس مهددة بالضياع ولا نجاة لها الا بابنائها البررة الذين يتنادون اليوم الى تحالف اجتماعي مصيري.

*II*

ويقيني أن  في ما طالعنا به تقرير محكمة المحاسبات  لسنة 2019 من معطيات رسمية، ما يضفي معنى دقيقا وموضوعيا ،على ما كنا نعرف على جهة التوجس والارتياب .والحق انه لم يعد أحد في حاجة الى محاجة لبيان أن جانبا لا بأس به من السلطة التشريعية ، في طليعته  الاسلام السياسي والذين ورطوا انفسهم في التعامل معه، قد زلزلت –قانونيا وشرعيا وسياسيا معا -أركان وجودهم تحت قبة البرلمان .ولئن وجب تخصيص الإسلام السياسي بالذكر فلأنّ من أهله  -قبل غيرهم –من قال في فساده الاصلاني المكين  -ما  لم يقله مالك في الخمر .

وعلى قدر تفاؤلنا خيرا بصدور تلك الأحكام ’كان علينا أن نخشى  انحطاط  الوقائع الجلية الى  شبهات و شكوك ’ فينحط  -تبعا لذلك – الفعل الواجب فيها  الى تسويف وتنسيب وامكان  ، حتى  التلاشي والنسيان.وما ذلك المصير بغريب  في مجرى سنة الإفلات من العقاب التي  أجراها الحاكمون منذ عشر سنوات.ويخيّل الي» ان السلطتين  القضائية و التنفيذية  معا هما اليوم أمام اختبار مصيري ،هو اختبار الكرامة وعزة النفس .ولما كان الحس السليم وحده كاف ليرينا أنه  لا خير في حق لا نفاذ له ، كان على الجميع  ’وعلى سيادة رئيس الجمهورية خاصة ان يأخذوا  كتاب محكمة المحاسبات   بقوة وإصرار نزولا عند الواجب ولا شيء غير الواجب.ورئس الجمهورية مدعو قبل سواه الى ان يحفظ    لتونس حقها عليه  دستوريا وأخلاقيا وسياسيا ، عساه يتم ما اكتسبه من مشروعية انتخابية   بمشروعية الانجاز ،بدءا بأن يقصي من مشروع التحالف الاجتماعي المحكوم عليهم من أجل جرائم تلقي تمويلات مجهولة المصدر او التعاقد مع جهات دعائية بهدف الضغط في الحملات الانتخابية الرئاسية والتشريعية   .ومهما يكن من أمر فان الواجب يقضي  -في تقدري – بتحصين بادرة اتحاد شهيد الوطن فرحات حشاد ’،من فساد العابثين بمصلحة الوطن  .

**III** 

والحق أن التصدي للعابثين بمصلحة الوطن واجب جميع الوطنيين بما في ذلك الاحزاب السياسية التي لا ولاء لها الا لتونس ولتونس وحدها , .وهي على ضعفها كثيرة .والحق أني سعدت منذ عهد غير بعيد  بحضور اجتماع مجموعة من   الوطنيين  اليساريين  في مقر حزب ‹›تونس الى الامام  ‘’ بفضل دعوة كريمة من أخوة كرام ’كما سعدت بعد ذلك بحضور اجتماع مماثل ضم مجموعة  من الاحزاب الوطنية  انعقد بمقر حزب الامل بفضل دعوة كريمة  من الأخت سلمى أللومي. ولمست في كلا المناسبتين  تنامي الوعي عند الجميع بضرورة النقد الذاتي لتجاوز عوائق  الاجتماع على ما فيه خير الوطن .وقد لمست الإرادة نفسها عند الأخت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر عند حضوري – تلقائيا  – افتتاح ‹›اعتصام الغضب ‹› أمام  مبنى  أتباع ما يسمى « بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» بتونس  .وما كنت لأنتظر دعوة لمساندة هذه  البادرة كان من اتخذها من كان.وكم كان بودي- والحق يقال –  أن يبادر بها  اليسار  التونسي –منظمات فكرية أو أحزابا سياسية- باعتباره المؤتمن التاريخي على رفع راية الأنوار في هذه الديار .وليس لما يلقى اليسار من مصاعب التشتت راهنا  ما يجعله يتخلى عن واجب مقاومة الظلمات الزاحفة على العقل التونسي  اليوم أكثر من أي وقت مضى .لذلك آلمني حقا أن يفوّت  اليسار بجميع أطيافه  على نفسه هذا الموعد مع التاريخ .والامل معقود –مع ذلك  على أن يتدارك أمره  ،فليس اليوم من خطر يهدد وجودنا الوطني برمته قدر ما يهدده الاسلام السياسي العالمي وقد استغلظ واستشرس بفعل البيترودولار وبسبب ماشهدته مؤسسات الدولة التونسية من تخريب ’خاصة زمن  حكومة الترويكا .

 وليس ثمة ما يدعو الى السكوت عن  مواقف وزارات  التعليم العالي والتربية والثقافة والشؤون الدينية  والجامعة التونسية عامة وجامعة الزيتونة خاصة من هذه المسألة المصيرية .فلقد درست بجامعة الزيتونة سنوات طويلة   وتخرج على يدي أئمة ووعاظ ومربون ’كما قضيت حوالي عشر سنوات بالمجلس التنفيذي للمنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم بالرباط وترأسته ’فعرفت الكثير عن كفاءات جلّ جامعات العالم الاسلامي ،ونظمها التربوية.ويقيني ان جامعة الزيتونة كانت يومها  من أفضل الجامعات الاسلامية ’ان  لم تكن أفضلها على الإطلاق .لذلك كان الواجب  يدعو  وطنيا وعلميا وتربويا وثقافيا الى التصدي لهجمة أئمة  الفتنة  ودعاة  قتل إخواننا في ليبيا وسوريا والعراق … ونشر ثقافة  الحقد والتطرف  باسم إسلام سياسي توهموه على قدر خططهم  في التمكن من رقاب الناس’   ولا علاقة له  –الا على جهة التلبيس والمخاتلة – بالإسلام المحمدي  .تلك مخاطرجمّة  تهدد مدرسة الجمهورية أولا ليسهل الاستيلاء على تونس كلها لاحقا .  وعلى قدر تكاثر المخاطر وجب أن تتعاظم إرادة المقاومة  .فما الذي يمنع  الوطني من لقاء الوطني من اجل الوطن ؟ اليس من البر بالمصلحة العليا ،  ان نضع خلافاتنا بين قوسين حتى اذا حررنا تونس تصارحنا وتصالحنا ؟

وقد سعدت حقا بما أكدته السيدة رئيسة الحزب الدستوري –في خطاب افتتاح›› اعتصام الغضب››من عزم على مواصلة التشهير بتسلل الاسلام السياسي-بطرق ملتوية بما في ذلك التوافق المغشوش – الى الحياة الوطنية ’على قدر ما سعدت بإعلانها بصوت  قوي صريح عن استعدادها للتعاون مع جميع الوطنيين من اجل  تجاوز عوائق التعاون  بما يوجبه ذلك من نقد ذاتي  ، لا مهرب منه لاحد’  طلبا لأسباب وفاق  حقيقي بين وطنيين خلّص ،لايمين فيهم ولا يسار لأن ما يجمعهم أنه لا ولاء لهم إلا للوطن ’قد يخطئون  في حقه ولكنهم لايخونونه أبدا .وأي معنى للخلاف حين يتعلق الامر بالارتقاء بالدولة الوطنية الى مصاف الدولة الوطنية الديمقراطية ؟وأي معنى للانقسام حين تجري الإرادة الجماعية الى تحقيق حلم التونسيين في ‹›الشغل والحرية والكرامة الوطنية››؟


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING