الشارع المغاربي: انتهى لقاء جمع جون إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، وعبد القادر مساهل، وزير خارجية الجزائر، في أجواء متوترة، إذ لم يتردد الجانب الفرنسي، ساعات قليلة قبيل استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاسبوع الفارط الملك محمد السادس، من توجيه تحذير شديد اللهجة للجزائر من مغبة التسبب في تهديد استقرار الوضع في المنطقة واشعال حرب جديدة، خاصة أن اللقاء تم في أجواء مطبوعة بخرق جبهة البوليساريو وقف إطلاق النار ودخولها المنطقة العازلة.
ونقلت صحيفة«الصباح» المغربية عن مصدر دبلوماسي مطّلع أن الجزائر أعلنت حالة استنفار قصوى بعد عودة مساهل وحضوره اجتماعا طارئا مع كبار الجنرالات، أطلعهم فيه على الرسائل الفرنسية الداعمة لتدخل عسكري مغربي في المنطقة العازلة، في إشارة إلى تحذير صريح صادر عن وزير الخارجية الفرنسي لنظيره الجزائري قال فيه إنه “إذا لم تبعد جبهة البوليساريو عناصرها المدنية والعسكرية عن الشريط العازل المحدد بمقتضى اتفاقية وقف إطلاق النار، فإن للمغرب كامل الحق في الرد بشكل صارم”.
وحسب الصحيفة كشف المصدر المذكور أن مساهل أبلغ في باريس أن الفرنسيين مع استعمال الخيار العسكري وانهم موافقون على توجيه المغرب ضربات جوية خاطفة لمواقع البوليساريو في بير الحلو وتيفاريتي وكركارت وميجيك، وأن مساهل طلب من نظيره الفرنسي التدخل لمنع المغرب من استعمال الخيار المسلح، وان مسعاه قوبل بالرفض، بذريعة أن المنطقة لا تتحمل استهتار ميليشيات مسلحة تضع جنوب المتوسط بأكمله فوق برميل بارود.
وكتبت «الصباح» : أحدث الموقف الفرنسي ارتباكا في الجيش الجزائري، إذ شهدت الساعات الأولى من إعلان حالة الاستنفار، الاربعاء الماضي 11 افريل، تحطم طائرة نقل عسكرية جزائرية على متنها عشرات الجنود، بعيد إقلاعها من قاعدة بوفاريك الجوية على مسافة حوالى ثلاثين كيلومترا إلى جنوب العاصمة الجزائر. ووصلت حصيلة الوفيات إلى 257 جنديا من بينهم 30 من عناصر “بوليساريو”، وهو ما يفند مزاعم مساهل بأن الجزائر ليست طرفا في نزاع الصحراء، إذ تضمنت قائمة الضحايا من الجبهة، دبلوماسيين اثنين وثلاثة نواب من الناحية العسكرية الثالثة ومسؤولا من الدرك الحربي، بالإضافة إلى مجندات من كتيبة النساء.
واضافت الصحيفة : «بدأت البوليساريو سباقا ضد الزمن لتجنب غضب في مجلس الأمن يعطي الضوء الأخضر للمغرب باستعمال سلاحه الجوي خارج مدى الجدار الأمني، إذ طار وفد من الجبهة بقيادة امحمد خداد، عضو ما يسمى الأمانة الوطنية والمنسق مع بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء “مينورسو”، يحمل تراجعا صريحا عن التهديد بالعودة إلى الحرب، ودعما غير مشروط لجهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لتطبيق بنود القرار رقم 2153 الرامي إلى إيجاد حل مقبول من قبل الطرفين».
تصعيد
وكانت حدة التوترات قد تصاعدت بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب «البوليساريو» التي تسعى إلى تحرير الصحراء الغربية مما تعتبره «احتلالًا مغربيًا» نتيجة قيام عناصر من الجبهة بالتحرك نحو منطقة الكركارات بإقليم الصحراء. فقد قامت وحدات تابعة للبوليساريو بمناورات عسكرية في منطقة «المحبس» الواقعة في محافظة (آسا الزاك) الخاضعة للمغرب، كما حفرت خندقًا وبنت ساترًا رمليًا، وهو ما اعتبرته المغرب اعلان حرب.
وتؤكد المغرب أن الجبهة أخطرت عددًا من سكان مخيم «الداخلة» المتواجدين في منطقة تيندوف الجزائرية (التجمع الرئيسي للاجئين الصحراويين) بالاستعداد للرحيل من المخيمات قرب الجدار الأمني الذي شيده المغرب سنوات الثمانينيات، والتي تعتبر منطقة منزوعة السلاح بمقتضى قرار أممي لوقف إطلاق النار في السادس من نوفمبر 2011.
ويخشى المغرب أن ينتهي المطاف بهذه التحركات بإقامة الجبهة «رئاسة جمهوريتها» في هذه المناطق، ويؤكد تقرير لصحيفة «البايس» الإسبانية أنه خلال السنة الماضية كانت هناك «تحركات غير مسبوقة، سواء من قبل المغرب أو جبهة البوليساريو، في المنطقة العازلة، على الحدود مع موريتانيا، وخلال هذه التوترات، كانت المسافة الفاصلة بين جيش المغرب ومسلحي البوليسارسو لا تتجاوز 100 متر».
ويرى المحللون أن إثارة هذه الأزمة متعمد في هذا التوقيت،حيث يستعد الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريز» لتقديم تقريره السنوي لمجلس الأمن، حول الأوضاع في الصحراء الغربية، وان المغرب ينتهز هذا الموعد لشن هجوم دبلوماسي مضاد للاستفزازات العسكرية للجبهة، لإظهار الجبهة على أنها شريك غير جدير بالثقة، وغير جاد في التوصل إلى حل سياسي، وتسعى لفرض سياسة الأمر الواقع في الصحراء الغربية. كما يعتبر المغاربة أن الجزائر «تقوم بافتعال الأحداث داخل الأقاليم الجنوبية كلما اقترب موعد إصدار تقرير مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، وذلك بغية الضغط على الأمم المتحدة لتضخيم فقرات التقرير التي تتعاطى مع الوضع».
ويلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار منذ عام 1991، وذلك حين انقسمت المنطقة فعليًا إلى جزئين أحدهما تحت سيطرة المغرب والآخر تحت سيطرة البوليساريو بينهما منطقة فاصلة، وتصاعد التوتر بين الطرفين العام الماضي بعد تجاوز القوات المغربية المنطقة الفاصلة إلى الكركارات قرب حدود موريتانيا، ورد قوات البوليساريو بإرسال قوات إلى المنطقة.
وعلى الميدان، تحرك المغرب خلال الأيام القليلة الماضية وعزّز حضوره العسكري في المناطق الجنوبية بالصحراء، بعدما تحركت شاحناته العسكرية نحو مدينة العيون الجنوبية، وآلياته تجاه المناطق العازلة من أجل وضع حد لاستفزازات جبهة البوليساريو الأخيرة مثلما يقول المغاربة.
وكان موقع «ميدل إيست آي»، قد أكد أن المغرب أعلمت الجزائر عن طريق سفير أوروبي معتمد بها، بقرارها التدخل عسكريًا إذا لم تنسحب جبهة البوليساريو من المنطقة العازلة، ويدفع المغرب من خلال تهديده باللجوء إلى الحرب نحو إقناع مجلس الأمن بضرورة اتخاذ موقف حازم إزاء الجبهة لوضع حد بصفة نهائية لكل محاولاتها تغيير الوضع القائم.
جنرالات الجزائر.. هل يمسكون خيوط الصراع من بعيد؟
«الجزائر تتحمّل مسؤولية صارخة، فهي التي تمول، وهي التي تحتضن وتساند وتقدم دعمها الدبلوماسي للبوليساريو»، كان هذا ما قاله وزير الخارجية المغربي «ناصر بوريطة»، وتابع القول إثر أزمة بلاده الأخيرة مع جبهة البوليساريو: «المغرب طالب ويطالب دومًا بأن تشارك الجزائر في المسلسل السياسي، وأن تتحمل المسؤولية الكاملة في البحث عن الحل، فبإمكان الجزائر أن تلعب دورًا على قدر مسؤوليتها في نشأة وتطور هذا النزاع الإقليمي».
وكانت المغرب قد طلبت في التاسع من مارس الماضي من مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء «هورست كوهلر»، انضمام الجزائر إلى المفاوضات حول نزاع الصحراء، باعتبار أنها طرف في القضية، الأمر الذي دفع الجزائر لاتهام الرباط بأنها: «تسعى إلى التهرب من المفاوضات ومسار التسوية، لكون الجزائر ليست طرفًا أبدًا في القضية الصحراوية، وأنها طرف مراقب من بعيد لا غير، وأن الأمم المتحدة تعترف بطرفين اثنين في القضية؛ هما جبهة البوليساريو، والحكومة المغربية».
وفي الخامس من أفريل الحالي، التقى وزير الخارجية المغربي «ناصر بوريطة» بالأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريز»، ونقل له إصرار المغرب على الرد على استفزازات البوليساريو ما لم يتحمل مجلس الأمن والجزائر مسؤوليتهما عن توغلات الجبهة، وشدد الوزير على أن بلاده: «تعتبر أن خروقات البوليساريو تشكل تهديدًا لوقف إطلاق النار، وتنتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتقوض بشكل جدي العملية السياسية».
لكن المنظمة الدولية التي تتولى مسؤولية مراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين، شككت في صحة الاتهامات التي وجهها المغرب للجبهة ونفت وجود تحركات غير مشروعة للجبهة، وقال الناطق باسم الأمم المتحدة «ستيفان دوجاريك» إن : «بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) لم تلحظ أي تحرك لعناصر عسكرية في المنطقة الشمالية – الشرقية،… مينورسو تتابع مراقبة الوضع من كثب».
وكان ردّ رئيس الحكومة المغربي «سعد الدين العثماني» عقب نفي البعثة تحركات الجبهة : «الأمم المتحدة، لا تضبط كل التفاصيل التي تقع على الأرض في الصحراء، لدينا أدلة تؤكد تحركات البوليساريو في المنطقة العازلة»