الشارع المغاربي – موجودة الى اليوم: التاريخ المُرعب لـ"حدائق الحيوان البشريّة"

موجودة الى اليوم: التاريخ المُرعب لـ”حدائق الحيوان البشريّة”

قسم الأخبار

3 مايو، 2022

الشارع المغاربي: عندما اكتشف الأوروبيون حيوانات البراري والغابات في افريقيا واسيا وامريكا  أسّسوا حدائق كبيرة ليعرضوا على الناس ما رأوا في رحلاتهم قبل ان تتحول زيارة تلك الحدائق الى “بيزنس” مربح بل ويتطور الأمر الى رحلات سافاري لمتابعة حياة الحيوانات المفترسة عن كثب. لكن ما يجهله الكثيرون ان الاوروبيين اقاموا حدائق ممثالة للبشر أيضا ! فخِلال القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين عُرِضت أصناف من البشر، أحيانًا مأسورين في أقفاصٍ كبيرة، وأتى الزوّار الأوروبيّون من كل حدبٍ وصوب لرؤية هذه «الأصناف الجديدة» من السلالات البشرية، والتي غالبًا ما كانت سلالات أفريقية وآسيوية؛ وسميت هذه الحدائق: «حدائق الحيوان البشرية»، وكان لها جمهور ضخم في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم اختفاء «حدائق الحيوان البشرية» منذ النصف الثاني من القرن العشرين؛ شهد عام 2012 نشر حقائق مفزعة تشير إلى نشأة نوع جديد من الممارسات العنصرية ضد الأعراق والسلالات البشرية الأفريقية والآسيوية، وذلك عن طريق انتشار ما أطلق عليه مُصطلح «سفاري البشر»، والذي تمت الإشارة إليه على أنه استبدال لفكرة حدائق الحيوان البشرية في القرن الفائت.

عنصرية القرن الحادي والعشرين

تشير التقارير الخاصة بمنظمة  «Survival international» إلى أن أحد سكان قبيلة «جاراوا» المنعزلة فقد ذراعه نتيجة تعامل السواح مع افراد قبيلته بعنصرية مؤكدا انهم القَوْا الطعام عليه من سيارة متحركة. ورغم اصدار المحكمة الهندية أمرًا قضائيًا بغلق الطريق المؤدي إلى الجزيرة عام 2002، فقد ظل الطريق مفتوحًا أمام السياح.

كانت جزر أندامان الهندية هي التي فجرت مفاجأة عام 2012 عن وجود نوع من السفاري البشرية حيث يدفع مئات السياح مقابلًا ماديًا للذهاب إلى قبيلة «جاراوا» المنعزلة؛ لمشاهدة نمط حياة سكانها. ويقول عن ذلك أحد السواح: «كانت الرحلة وسط المحمية القبلية أشبه برحلات السفاري وسط الغابات الكثيفة الممطرة، والحيوانات البرية»، إلا أنها كانت لمشاهدة سكان القبيلة.

ورغم انتهاء عصر “حدائق الحيوان البشرية” باعتبارها نوعًا مقيتًا من العنصرية والاتجار بالبشر، ونقطة سوداء في تاريخ أوروبا ودول الغرب تشير بعض التقارير إلى أن عصر الحدائق البشرية لم ينته حقًا والى انه يتم تصنيف بعض رحلات السفاري الحالية الى المدن الأفريقية والآسيوية والهوس بزيارة القبائل المنعزلة والبدائية على انها استعراض لحياة البشر تمامًا مثل حدائق الحيوان البشرية التي انتشرت في القرنين العشرين والتاسع عشر. وتؤكد التقارير ان بعض الحكومات تسمح للزوار من السواح بمراقبة الحياة اليومية للقبائل وحضور مظاهر الاحتفالات وغيرها من الطقوس للترفيه عن السواح. وفي عام 2018 نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية فيديو يكشف تورّط الحكومة الهندية في مجال «سفاري البشر».

وتضمن الفيديو استعراضا لبعض فتيات القبيلة وهن يرقصن نصف عاريات من الخصر إلى أعلى أمام الكاميراوات مقابل الحصول على بعض الطعام. وأشارت التقارير إلى أن هناك أكثر من ثلث مليون شخص يزور الجزيرة سنويًا لالتقاط صور وافلام عن حياة وعادات سكانها أو أخذ صور بجانب سلالة بدائية من البشر، والى ان ذلك أدى إلى إدانة الحكومة الهندية التي تخصص حافلة سياحية يومية عبر المحمية الطبيعية وتقدم للسواح فرصة رؤية السكان الأصليين في بيئتهم الطبيعية.

والخطر الكامن حقًا ليس فقط في الممارسات العنصرية التي تتعرض لها القبيلة المنعزلة، بل في التهديد بانقراضها وذلك لضعف مناعة السكان الأصليين، الذين ينفتحون الآن على الغرباء والأمراض الشائعة التي لم يعهدوها من قبل.

تذوّق نساء افريقيا !

في أقصى جزء من غابات فينسين بباريس، هناك بقايا ما كان يومًا معرضًا عامًا للترويج للاستعمار الفرنسي، منذ ما يقرب من 100 عام، والتي يُطلق عليها اليوم ما عُرف باسم «حديقة حيوانات بشرية» تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث امتلكت فرنسا أراضي زراعية مخصصة لزراعة النباتات في إمبراطوريتها الشاسعة والتي امتدت إلى المغرب العربي والسودان والكونغو ومدغشقر والهند الصينية. وفي أواخر القرن التاسع عشر أصبحت حدائق الحيوان البشرية جزءًا من دخل فرنسا الاستعماري؛ إذ استضافت في العاصمة باريس قُرى كاملة، وقامت ببناء منشآت مشابهة لتلك التي في المستعمرات لعرض الحياة كما كانت هناك، ومن ثم تأتي الجماهير لتشاهد بنفسها أطيافًا مختلفة من البشر وكيف يعيشون، دون الحاجة للسفر إلى الخارج.

وقبل ذلك وتحديدا في عام 1907 قام الفرنسيون ببناء ست قرى داخل حديقة سميت «حديقة الزراعة الاستوائية» (Jardin d’Agronomie Tropicale)، والتي مثّلت أجزاءًا من الإمبراطورية الفرنسية الاستعمارية في ذلك الوقت، وبُنِيت القرى بنفس الشكل الذي كانت عليه في بلدانها الأصلية، وجُلب بشر من بلدانهم البعيدة لتقليد الحياة كما عاشوها، بما في ذلك الهندسة المعمارية والزراعة. كانت كل قرية مأهولة بالسكان الأصليين من مناطق مختلفة بالإمبراطورية الفرنسية، يرتدون ملابسهم الأصلية من بلدتهم الأم وهو ما أدّى إلى تدفّق الجمهور بلا توقف على تلك القرى. إلا ان السلطات الفرنسية لم تقم بحمايتهم من ظروف المعيشة الرهيبة، ولا من الأمراض الخارجية، كما قتل البرد العشرات منهم، وكان يتمّ دفنهم في الحدائق ذاتها.

كانت البداية عام 1906، حين قامت الدولة الفرنسية ببناءٍ نموذج مقلد لقرية في الكونغو، بمدينة مرسيليا الفرنسية، كجزءٍ من معرض استعماري، وجُلب الأسرى من الكونغو للعمل في هذا البناء، وفي عام 1907 وبعد أن افتُتحت الحديقة الاستوائية، استُضيفت قرى كاملة من مختلف العالم، وكان من المفترض أن يعود العمّال إلى وطنهم سالمين بعد أن تنقضي مدّة قدرها أربعة شهور، إلا أن المصادر لم تستطع أن تعرف إن كانوا قد عادوا فعلًا إلى أوطانهم أم لا إذ انه جرى تضليل بعضهم من طرف وكلائهم، للانضمام إلى فرق تشبه السيرك في جولاتٍ دولية من مرسيليا إلى نيويورك فيما لقي البعض الآخر حتفه نتيجة لأمراضٍ لم تكن معروفة لديهم مثل السُل والحصبة والجدري. 

اليوم تعتبر هذه الحدائق جزءًا من التاريخ الذي تود فرنسا نسيانه، ورغم أنّها أهملت فإن جدران المباني المتعفّنة والدهن الأحمر الباهت والرواق المستوحى من الطراز الآسيوي مازالت قائمة، وجرى فتحها للجمهور عام 2006، كأطلال زمنٍ فائت. وتشير التقديرات إلى أنه بين عامي 1870 وثلاثينات القرن الماضي، زار أكثر من مليار ونصف شخص مختلف المعارض البشرية حول العالم. ورغم ادعاء فرنسا دفع رواتب البشر الذين تقول انها استوردتهم لاداء ادوار معينة فقد ثبت ان هؤلاء الأسرى تعرضوا للقمع والاستغلال والتمييز وانهم لم يكونوا يومًا ضيوفًا، بل وجوهًا مجهولة وغريبة ككائناتٍ فضائية على الجانب الآخر من السياج.

وخلال القرن العشرين غادر أكثر من 35 ألف شخص أوطانهم، كانوا بين رجالٍ ونساءٍ وأطفال ليشاركوا في تلك المظاهر الغريبة التي عقدت في المدن الكبرى لأوروبا الإمبريالية مثل لندن وباريس وبرلين. عائلات كاملة تم سحبها من بلدانها الأصلية ووضعها في أشباه قرى، ثم حث افرادها على تقديم برنامج تمثيلي للمشاهدين، يُظهر قوّة الغرب على مستعمراته، وكان الرجال الأوروبيين يتذوقون النساء الأفريقيات العرايا – على حد تعبيرهم – ويستمتعون بإعادة تمثيل الحياة البدائية داخل أوروبا المتقدمة.

في أمريكا أيضا

لم تقتصر حدائق الحيوان البشرية على المدن الأوروبية، بل تورّطت أمريكا الشمالية في هذه الممارسات العنصريّة، فأنشأت حديقة خاصة بها عام 1904 بولاية ميسوري، أطلق عليها اسم «معرض سانت لويس العالمي»، وذلك تماشيًا مع المعارض – الحدائق – البشرية الأخرى في العالم، واحتفالًا بشراء الولايات المتحدة اقليم لويزيانا من الحكومة الفرنسية مقابل مليون فرنك، وهو ما وصفه البعض بأفضل صفقة بيع في التاريخ الأمريكي. ولم يكن هذا المعرض محصورًا فقط على العروض الترفيهية، بل اتخذوه فرصة للترويج لمنتجاتهم الصناعية، ولإثبات تصدر الولايات المتحدة ترتيب الدول الصناعية.

حضر هذا المعرض العالمي أكثر من 20 مليون شخص، جاؤوا إلى سانت لويس لرؤية الكهرباء للمرة الأولى، وللاستماع إلى أول هاتف عقب صنعه، وخصوصا لرؤية 3 آلاف فرد «متوحش» من قبائل أفريقية وآسيوية، إضافةً إلى بعض سكّان الأمريكتين الأصليين.

في الحقيقة يصعب ضبط الأعداد الدقيقة للبشر الذين جرى جلبهم من مُدُنهم الأصلية؛ وذلك نظرًا لسوء حفظ السجلات والعدد الهائل للكيانات الإستعمارية المعنية بالأمر. إلا أنّ الأعداد لم تكن قليلة، ففي مذكراته ذكر «كارل هاغنبيك» عام 1908، وهو وكيل بشري – تاجر متخصص في توريد هذا النوع من السلالات البشرية – أنه من خلال عمله استطاع أن يجلب وحده ما يزيد عن 900 شخص من السكان الأصليين إلى الولايات المتحدة.

وفي معرض سانت لويس، واجه السكان الأصليون عدّة تحديات؛ كان أهمها أنهم مجبرون على ارتداء الحد الأدنى من الملابس، وهي ملابس تقليدية مخصّصة لدرجات الحرارة الاستوائية، في طقس المدينة البارد المتجمد في ديسمبر. كما كان الأسرى من الفلبينيين مجبرون على تأدية بعض الطقوس الخاصة بأكل لحوم الكلاب، وذلك من أجل إبهار الجمهور، وأدّى نقص مياه الشرب والظروف الصحية المروعة إلى انتشار مرض «الدوسنتاريا» المعدي بين المؤديين – وهو مرض يصيب الأمعاء نتيجة للطعام أو الشراب الملوث – وتوفي على أثره اثنان من الفلبينيين، مازال هيكلاهما الى حد الان في معهد سميثسونيان بولاية واشنطن. كما تفشت الأمراض في عددٍ كبير من أطفال قبيلة بيما الهندية؛ مما استدعى الحكومة الأمريكية إلى شحنهم للعودة إلى موطنهم الأصلي في مراحل المرض الأولى.

 في ذلك الوقت انتشرت مهنة جديدة في الولايات المتحدة والمدن الأوروبية، وهي «وكلاء الندرة البشرية»، وهم مجموعة من التجار الذين أرادوا تحقيق ربح سريع، وكانت مهمتهم جلب عيّنات نادرة من البشر، سواء للحدائق البشرية أو لعروض السيرك. إلا أن المثير للدهشة حقًا، أن بعض هؤلاء الوكلاء كانوا قد بدأوا عملهم كرجال دين مُبشرين في المدن البعيدة، والبعض الآخر كان من علماء الأنثروبولوجيا الذين حتمت عليهم دراساتهم التواجد في مناطقٍ نائية والاختلاط بالقبائل المنعزلة والبدائية. أما البقية فكانوا رجال أعمال يسعوا لتغذية هذا النوع الشعبي من الترفيه، إلا أن تجارتهم الأساسية كانت البشر.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING