الشارع المغاربي – إبراهيم بودربالة: المحاماة قطاع منكوب و5 ٪ من المحامين فقط في وضعية مالية مريحة !

إبراهيم بودربالة: المحاماة قطاع منكوب و5 ٪ من المحامين فقط في وضعية مالية مريحة !

قسم الأخبار

20 يوليو، 2021

الشارع المغاربي-حاوره محمد الجلالي: لم تسلم مهنة المحاماة، على غرار قطاعات أخرى، من آثار كارثية نتيجة جائحة كورونا، مما دفع بالهيئة الممثلة لهذا القطاع إلى إطلاق صيحة فزع بخصوص التراجع اللافت لمداخيل المحامين. عن هذا الموضوع وغيره من الملفات الأخرى الحارقة كان لنا لقاء مع عميد المحامين ابراهيم بودربالة.

في البداية، إلي أي مدى تأثر قطاع المحاماة بجائحة كورونا؟

مما لا شك فيه أن جائحة كورونا قد أثّرت سلبيا على ممارسة مهنة المحاماة وعلى عمل المحامين، نتيجة غلق المحاكم لعدة فترات متفاوتة وتع

طيل مرفق القضاء من قبل القضاة لمدة سبعة أسابيع، فضلا عما نعيشه اليوم من إغلاق للمحاكم. ونستطيع اليوم أن نعتبر قطاع المحاماة قطاعا منكوبا، وما على الحكومة سوى إيلاء الأمر العناية اللازمة والتدخل للتخفيف من هول المصيبة التي حلت بالقطاع؟

ما يعرف عن المحاماة أنها من المهن ذات العائدات المالية المجزية، ألهذه الدرجة كان وقع الجائحة كارثيا؟

هناك فكرة خاطئة على مهنة المحاماة لا بد من تصويبها. يظن البعض أن المحاماة تدر أموالا طائلة في حين يعاني غالبية المحامين، خاصة الزملاء المحامين حديثي الانتساب للمهنة لهم مداخيل ضعيفة جدا. لدينا حوالي 9 آلاف محام من بينهم قرابة 5 آلاف محام بتونس الكبرى، 5 بالمائة فقط من هؤلاء في وضعية مريحة، بينما يتوزع البقية بين وضعيات متوسطة وأخرى رديئة. بل إن طول مدة تفشي فيروس كورونا أثر حتى على المحامين الميسورين.

وهل بإمكان صندوق الحيطة والتقاعد كسند اجتماعي للمحامين التكفّل بمساعدة المتضررين من الجائحة؟

في البداية لا مناص من التذكير بأن عائدات هذا الصندوق المتأتية من مساهمات المحامين قد شهدت تراجعا لافتا. فقد شهدت مداخيله نقصا بحوالي 5 مليون دينار في 2020 مقارنة بسنة 2019، كما عرف نقصا بقرابة 4 مليون دينار بالنسبة للسداسية الأولى من السنة الحالية. وكنتيجة لذلك توقف الصندوق عن خلاص مصاريف علاج الزملاء المحامين منذ بداية سنة 2021.

هذا العجز المالي المتفاقم، يدفعنا للتفكير في طرق جديدة لتمويل هذا الصندوق، فضلا عن ضرورة إيجاد صيغ جديدة للتعاطي مع وضعيات العديد من الزملاء غير المباشرين والذين يستفيدون من التغطية الاجتماعية والصحية دون أن يساهموا مباشرة في تنمية موارده، اقصد هنا البحث عن آليات قانونية لحرمان غير المباشرين من خدمات الصندوق. هؤلاء الزملاء عادة ما يكونوا مسجلين في جدول المحاماة ولكنهم متفرّغون للعمل في بعض منظمات المجتمع المدني أو في أحزاب أو في مجلس النواب أو غير مباشرين لأسباب شخصية.

كيف تعاطت الهيئة مع النقص المشبوه في اعتمادات الصندوق بأكثر من مليوني دينار نتيجة التلاعب في النفقات؟

لا وجود لنقص في صندوق الحيطة والتقاعد، بل كل ما في الأمر أنه تمت إعادة تهيئة نادي سكرة، وهو الفضاء المخصص للمحامين، وذلك بانفاق حوالي خمسة ملايين دينار نصفها من الصندوق. في هذا السياق بادر مجلس هيئة المحامين بتكليف ثلاثة خبراء للتدقيق في حسابات الصندوق. ويبقى السؤال مطروحا بخصوص توفّق اختيارات المجلس السابق للهيئة في حجم الأموال التي تم إنفاقها.

يعني لا وجود لأية شبهات فساد مالي في هذا الشأن؟

هذا الأمر موكول للاختبارات الفنية، ولا يمكن لي الجزم بالإيجاب أو بالسلب لأنها من مشمولات الخبراء الذين تم تعيينهم من قبل المحكمة.

والى ماذا خلُصت هذه الاختبارات؟

هذه الاختبارات جاهزة وهي على ذمة كل الزملاء المحامين، يكفي فقط التقدّم بمطلب للحصول على نسخة منها، مع العلم أنه سيتم الإعلان عن فحواها خلال أشغال الجلسة العامة المقبلة.

وما هي تطورات القضايا المرفوعة بخصوص هذا الصندوق؟

هناك قضية مفتوحة في القطب المالي وهي تخص فترة سابقة بالإضافة إلى قضية أخرى ضد بنك سبق له أن تعاقد مع الهيئة لتوزيع الطوابع الجبائية، وقضية ثالثة عن الأموال التي تم إنفاقها في إعادة تهيئة نادي سكرة.

كيف تلقت هيئة المحامين إصرار الاتحاد العام التونسي للشغل على عقد مؤتمره الاستثنائي في سوسة التي تشهد حجرا صحيا شاملا رغم قرار النيابة العمومية بمنع أشغاله؟

هذا الظرف الاستثنائي فاجأ الجميع والقرار يعود للاتحاد وللسلطات الصحية والسلطات الإدارية.

لكن ألم يرتكب الاتحاد خطأ بتمسكه بعقد مؤتمر يضم المئات من المؤتمرين في مدينة منكوبة صحيا؟

هذه المسألة تهم قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطات الصحية والإدارية، وهي تتحمل مسؤوليتها في كل ما سينتج عن هذا الاجتماع من إصابات.

كيف تقيمون التعاطي الحكومي مع هذه الأزمة الصحية التي باتت تهدد الأمن القومي التونسي؟

مما لا شك إن هناك تأخيرا في التلاقيح. صحيح أن هذه الجائحة قد فاجأت العالم بأسره ولكن انعدام الاستقرار الحكومي واستمرار التقلّبات السياسية تسببا في عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب. أعتقد أنه من واجب هذه الحكومة بذل مجهودات مضاعفة لتفادي كل النقائص التي حصلت.

هل انتم راضون كهيئة عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لحماية مرفق العدالة من جائحة كورونا؟

اعتقد أن السلطات السياسية والسلطات الصحية لم تتخذ القرارات المناسبة والجريئة للحد من تأثر مرفق العدالة بالتفشي السريع لهذا الفيروس. فالمحاكم هي من المناطق الموبوءة جدا. يكفي أن تتنقل إلى كتابات المحاكم أو مصالح الأحكام أو إلى الخزينة لتعاين مدى جاهزية هذه الفضاءات لانتشار العدوى بسبب الاكتظاظ الكبير. وكنتيجة لذلك أصيب العديد من القضاة والمحامين والكتبة بالعدوى فأغلقت المحاكم. ما أطلبه من الحكومة هو الإسراع بتوفير التلاقيح اللازمة لكل المتدخلين في مرفق العدالة من قضاة ومحامين وكتبة محاكم وكتبة محامين، مع فرض إجراء الاستظهار بما يثبت الخضوع للتلقيح بالنسبة لباقي المواطنين قبل الدخول إلى المحاكم.

كيف تقبلتم كعمادة كانت طرفا رئيسيا في الحوار الوطني لسنة 2014، كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد حين قال «الحوار الوطني لم يكن حوارا ولم يكن وطنيا»؟

الرئيس تحدث عن الشيء ونقيضه. في مناسبة أولى قال إن هذا الحوار لا وطني ثم تراجع ليؤكد انه لم يقصد أنهم غير وطنيين، لذلك كان موقفه متأرجحا بين الإدانة وعدم الإدانة. وأعتقد إن هذه القطيعة التي نشهدها بين السلط المتحكمة في مقاليد الحكم قد أثرت بشكل كبير على المصلحة العليا للوطن وأثرت أيضا على السير العادي لدواليب الحكم. وما عليهم إلا إن يتعظوا ويبادروا بالاجتماع والبحث عن الحلول اللازمة سواء عن طريق الحوار الوطني أو أي سبيل آخر لإخراج البلاد مما هي فيه من تدهور على كل المجالات.

حسب رأيك ألا يعتبر ما يجري داخل مجلس نواب الشعب إعتداء على هيبة الدولة وتهديدا للسلم الأهلي، في ظل تكرر عمليات العنف المتبادل بين النواب؟

هناك مشكلا كبيرا في تونس وهو ارتفاع منسوب الحقد بين كل الأطراف، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى اتخاذ مواقف هزلية لأن محاولة تعطيل أعمال المجلس وعمليات الاعتداء بالعنف من شأنها ترويج صورة سلبية لدى المواطن عن النواب الذين انتخبهم لتمثيله وخدمته وتذليل الصعاب أمامه من خلال تشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة. ما يجري بالبرلمان هو من الخطورة بمكان، ما قد يعود بالوبال على كافة الأطراف سواء كانوا فاعلين سياسيين أو مواطنين.

يتهمكم البعض باعتماد سياسة الكيل بمكيالين في علاقة بالتضامن بين جسم المحاماة، وذلك من خلال إصدار بيان للتنديد بالعنف الذي تعرضت له النائبة عبير موسي والتزام الصمت إزاء جريمة حرق مكتب زميل لكم بمدينة الكاف؟

بالعكس لا وجود لسياسة الكيل بمكيالين، فقد كلّفنا رئيسة الفرع الجهوي بالكاف بمتابعة الموضوع

لم تصدروا أي بيان تضامني مع زميلكم؟

علينا انتظار نتيجة الأبحاث التي فتحتها النيابة العمومية، قبل إبداء أي موقف مما جرى في الكاف.

ألم تكن أمامكم فرصة لإدانة هذه الجريمة التي تعتبر اعتداء على قطاع المحاماة ككل؟

هناك جريمة وقعت ولابد من معرفة نتائجها، وهذه النتائج هي التي سنبني عليها موقفنا. وقد تعهّدت السيدة رئيسة الفرع الجهوي بالكاف بتقديم تقرير في الموضوع لمجلس الهيئة الوطنية للمحامين

ونحن نتحدث عما يجري بالكاف، لا يمكن التغاضي عن موضوع سحب الثقة من الرئيس الشرعي للفرع الجهوي للمحاماة بالكاف، والذي يعتبر سابقة تم اقترافها خارج الإطار القانوني المنظّم لمهنة المحاماة؟

يقاطعني قائلا: «أطلب منك شخصيا التنقل إلى الكاف والتقصّي في الموضوع مع الزملاء المحامين مباشرة.»

ما جرى في الكاف يعتبر انقلابا على رئيس شرعي للفرع، ما دامت القوانين المنظمة للمهنة لم تنص على إجراء سحب الثقة؟

هذه المسألة من مشمولات الجلسة العامة، ولا أبحثها في وسائل الإعلام. ووفق المرسوم المنظم لمهنة المحاماة لا يحق لي كعميد تثبيت أو سحب الثقة من أي طرف.

ولماذا لم تُعلموا الرئيس المنتخب الذي تم التخلي عنه بصعود رئيسة جديدة بفرع الكاف حتى يمارس حقه في الطعن؟

لا لسنا مطالبين بإعلامه، ثم إنه كان حاضرا في جلسة سحب الثقة التي تمت بمحكمة الاستئناف بالكاف.

يتأهّب للوقوف لمغادرة مكتبه قبل أن يستأنف جوابه: «يبدو أنه تم شحنك ضدي. وما عليك سوى التنقل إلى مدينة الكاف حتى لا تقتصر المعطيات التي استقيتها على جانب واحد.»

في تصريح سابق أكدتم على وقوفكم في صف رئيس الجمهورية في مكافحة الفساد، كما كان شعاركم خلال حملتكم الانتخابية في 2019 من أجل يقظة منقذة لمهنة المحاماة، فهل كانت عمادة المحامين يقظة في التصدي لبعض السماسرة في القطاع؟

مشكلة السمسرة في قطاعنا خُلقت عندما وُجدت مهنة المحاماة، والحد من هذه الظاهرة يبقى من مشمولات الفروع الجهوية للقطاع، وهي المؤهلة قانونا للتصدي للمحامين السماسرة.

وقد اجتهد كل فرع حسب رؤيته للمهنة، أما مجلس تأديب الهيئة الذي يجتمع مرة كل شهرين فقد سبق له أن أصدر قرارات تتراوح بين الإيقاف عن العمل والشطب من جدول المحاماة والمحو. مع تأكيدي على أن مهنتنا هي الوحيدة التي ينتصب فيها مجلس التأديب بصفة دورية للتصدي بصرامة لمسألتين أساسيتين وهما التلاعب بأموال الحرفاء واستجلاب الحرفاء بطرق غير شرعية. ولك أن تتصل بكاتب الهيئة المكلّف بالتأديب للحصول على قائمة في القرارات التي أصدرها مجلس التأديب خلال العهدة الحالية.

ولكن يعاب على هيئتكم عدم تنفيذ قرارات باتة بشأن شطب بعض المحامين أو منعهم عن ممارسة المهنة؟

تنفيذ هذه القرارات يعود بالنظر إلى الفروع الجهوية للهيئة، أما دور مجلس الهيئة فهو إصدار القرارات وإعلام الفروع التي تتولى تنفيذها بتسمية مصفّ لمكتب المحامي المعني بالقرار. وله أن يطعن في قرار تسمية المصفي أمام محكمة الاستئناف التي يعود لها النظر ترابيا بالنسبة للفرع الجهوي.

ما تعليقكم على الاتهامات الخطيرة التي وجهها لكم المحامي عمر المولهي، حين تحدّث عن ضلوعكم في التستّر على الفساد والسمسرة بالملفّات وتدليس الوثائق؟

الحديث عن هذا الملف سيكون في إطار الجلسة العامة للهيئة، لذلك أرفض الإدلاء بأي تفاصيل في الغرض.

ولكن من حق الرأي العام معرفة حقيقة هذه الاتهامات الخطيرة؟

أرفض الحديث في هذه المسائل لأني سأكون يوما ما على رأس مجلس التأديب بوصفي عميدا للمحامين، وإذا أدليت بٍرأيي في هكذا موضوع سأجد نفسي في وضعية تضارب للمصالح.

يلومكم البعض بسبب سعيكم لتصفية كل من يخالفكم الرأي من المحامين على غرار المحامي طارق العبيدي أو المحامي عمر المولهي أو المحامي سمير بن شعبان؟

يغادر مكتبه متخليا عما تبقى من هدوء: «يظهرلي فيك جيت معمّر من الكاف، علاش ما شفتش ملفات أخرى من باقي الفروع. “وْفىَ” اللقاء، وليس لدي ما أضيفه في مسائل هي من مشمولات هياكل المهنة لا وسائل الإعلام.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 19 جويلية 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING