الشارع المغاربي – التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬التونسي‭ ‬الدقيق‭ ‬تتهاطل: البنك‭ ‬الدولي‭ ‬يُحذّر‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬ظرفية

التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬التونسي‭ ‬الدقيق‭ ‬تتهاطل: البنك‭ ‬الدولي‭ ‬يُحذّر‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬ظرفية

قسم الأخبار

17 سبتمبر، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: لا يكاد يمر اسبوع تقريبا الا وصدر تقرير دولي حول الوضع الاقتصادي في تونس سواء عن هيئة مالية دائنة او مؤسسة متخصصة في التقييم الاقتصادي او وكالة تصنيف ائتماني. ورغم اهمية ما يرد في هذه التقارير من معطيات تتناقض في الغالب مع بيانات الجهات الرسمية فـإن اسئلة عديدة تطرح نفسها حول اسباب كثرتها عن بلد ذي اقتصاد محدود الحجم والمردود مثل تونس لا يتجاوز فيه الناتج المحلي 30 مليار دولار.

ان التدقيق في هذه التقارير يحيل الى ما تحمل في طياتها من ابعاد جيوستراتيجية عميقة تتخطى مجرد وصف المؤشرات الاقتصادية والمالية وتحليلها، للتركيز على حالة عدم الاستقرار المؤسساتي وضرورة انصهار البلاد في المنظومة الاقتصادية العالمية الجديدة علاوة على اعادة هيكلة السياسات العامة والمخططات التنموية وفق خارطات المبادلات التجارية والاستثمارية الجديدة في العالم.

في الابعاد الجيوستراتيجية للتقارير الدولية عن تونس

استنكر رئيس الجمهورية قيس سعيّد، يوم 9 اكتوبر 2021، تدخل أطراف أجنبية في الشأن الداخلي لتونس قائلا “يوم أمس يتحدثون عن الترقيم”، كما وصف بعض وكالات التصنيف الدولية ساخرا بـ “أمّك صنافة”، مردفا بالدارجة التونسية “ماو لاباس يِصّنفو فينا؟”.

وقلل سعيّد من شأن درجات التصنيف مضيفا “يخلُطو حتى للياء أو لأيّ رقم”.. معتبرا أنّ “التصنيف وكأنه وعيد مقابل الرضوخ”. وشدد الرئيس بالقول على “اننا نشهد مرحلة جديدة في تاريخ تونس تكون فيها السيادة للشعب”، مضيفا أنّ “سيادة الدولة ليست في مزاد أسواق أسهم تتقاذفها ويقال إنها “مانحة”.

ولكن تفاعل وكالات التصنيف مع سخط الرئيس كان سريعا، حيث تواترت تقارير تخفيضها ترقيم تونس السيادي الى اقصى درجات التعثر المالي (س س س مع افاق منعدمة) لتتبعها تقييمات سلبية غير مسبوقة لجهات مالية دائنة عديدة اذ استثنى صندوق النقد تونس في تقريره الاخير حول افاق الاقتصاد العالمي من توقعاته للنمو مع مجموعة من البلدان المنهارة (أفغانستان، ولبنان، وسوريا، وتركمانستان )، واوضحت مؤسسة بلومبررغ وهي المرجع المالي لـ “وول ستريت” في تصنيفها للخمسة وعشرون دولة الاشد عرضة للتعثر تمركز تونس في المرتبة الثالثة دوليا والاولى عربيا، على هذا المستوى.   

وتُجمع كذلك جل التقارير الدولية على ان تونس لم توفق في تركيز مناخ ملائم لبعث المشاريع وعلى ان ذلك يعيق انفتاحها على ساحات المال والاعمال في المنطقة والعالم اضافة الى كثرة قيود المبادرة الاقتصادية فيها بما يحول دون الانجاز الامثل للتعاملات الاستثمارية والتجارية وهو ما ابرزته المذكرة الاخيرة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وتفسر الهيئات المالية هذه العوائق الهيكلية بمناخ عدم اليقين في البلاد تبعا لغياب الاستقرار السياسي وضعف التخطيط الاستراتيجي اللازم لتنفيذ الاصلاحات الهيكيلة للاقتصاد علاوة على محدودية شفافية المعلومة المالية التي تقدمها السلط التونسية.  

مخاطر جيوستراتيجية خفية

تواجه تونس في ظل التغيرات الجيوستراتيجية الدولية التي تعمقت بعد جائحة كورونا واندلاع الحرب في اوكرانيا مخاطر خفية مختلفة يمكن تفكيك بعض خباياها عبر التدقيق في توصيات التقارير الدولية وذلك من خلال ايجاز أهمها ومن بينها المخاطر الناجمة عن المواقف من الملفات الاقليمية الكبرى مثل ملفي سوريا وليبيا والمخاطر المتأتية من تكريس خيارات العلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية غير المتكافئة وغير المدروسة من حيث عواقبها على الميزان التجاري وميزان المدفوعات، كاتفاقيّات الشراكة مع تركيا ومع الاتحاد الأوروبي التي ترتب عنها فقدان تونس موارد جبائية وديوانية ضخمة .

كما ترتبط المخاطر الجيوستراتيجية بمواصلة تكريس خيارات التداين الخارجي المفرط والخضوع للشروط المجحفة لمؤسسات النقد العالميّة والقاضية بإدخال اصلاحات هيكليّة تقشفيّة ومن بينها التدابير الجبائية غير المسبوقة التي تم اتخاذها في ميزانيات 2016 و2021.

وتُحدق بتونس مخاطر اخرى عديدة تهم سياسات استغلال وإدارة الثروات الطبيعية والتفويت في قطاعات استراتيجية من الاقتصاد الوطني في سياقات تتسم بتفشي الفساد واستفحال الجرائم الاقتصادية ذات الصلة بالاقتصاد الموازي الذي اتسع الى درجة استحواذه على حوالي نصف المعاملات الاقتصادية اضافة الى تنامي مخاطر التهريب وجرائم تبييض الأموال والتهرب الضريبي وتعاطي بعض الأجانب بحجة الاستثمار لأنشطة محرمة خاصة في بعض القطاعات الخدميّة.

تقييم جديد للبنك الدولي

قال البنك الدولي في أحدث نشرية أصدرها الاسبوع الفارط تقرير “المرصد الاقتصادي لتونس” ان بطء وتيرة تعافي الاقتصاد من جائحة كورونا والتأخير في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية بما في ذلك إصلاح منظومة الدعم، سيؤديان على الأرجح إلى ضغوط إضافية على المالية العمومية للبلاد وزيادة عجز الميزانية والميزان التجاري.

ويسلط الفصل الأول من التقرير الضوء على كيفية تأثير الحرب في أوكرانيا وارتفاع الأسعار العالميّة للسلع الأساسيّة والمواد المصنّعة على الاقتصاد التونسي وتفاقم مواطن ضعفه خلال الأشهر الأولى من عام 2022 فيما يتناول الفصل الثاني منظومة دعم المواد الغذائية، وهي أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع عجز كلٍ من الميزان التجاري والميزانية.

وبين التقرير أنه رغم أن منظومة الدعم حافظت على استقرار الأسعار للمستهلكين، فإنها سلطت ضغوطاً كبيرة على المالية العمومية للدولة، وأضرّت بالفلاحين وبمصنعي المواد الغذائية، وأدت إلى الإفراط في الاستهلاك، مع حدوث تسربات خارج هذه المنظومة وتبذير كبير. ويؤكد التقرير أن استبدال دعم أسعار المواد الغذائية بتحويلات نقدية تعويضية للأسر الأكثر احتياجاً سيجعل هذه المنظومة أكثر فاعليّة، ويخفض اعباء المالية العمومية وتكاليف الاستيراد، ويعزز الأمن الغذائي في مواجهة الصدمات المستقبلية.

ولكن الاشكال الكبير الذي يطرحه تقييم المؤسسة الدولية يتمثل في ان القيام بـ “اصلاحات” سواء لمنظومة الدعم او لغيرها من المنظومات الاقتصادية الحيوية كمنظومات المؤسسات العمومية والجباية والاستثمار مقابل الحصول على تمويلات مشروطة من هيئات “بروتن وودز” لا يحل إشكالات الاقتصاد التونسي بقدر ما يفاقمها اذ ان هذه التمويلات تصرف في سد عجز الميزانية بما يعمقه نظرا لغياب اي طابع مستدام لها وعدم توجيهها نحو خلق قيمة مضافة اقتصادية واجتماعية حقيقية. 

وبالتأكيد فان المقرض كالمقترض على علم بخلل المعادلة وبتسبب التمويل الموجه للإنفاق العمومي دون قيمة مضافة في تكريس دوامة العجز والتداين، ولكن البحث عن مكاسب سياسية ظرفية والحرص على تأجيل الانهيار لضمان هذه المكاسب يشكل دافعا قويا للاستمرار في الانخراط في توازنات استراتيجية يتجاوز زخمها الجميع.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 سبتمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING