الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: صرّح وزير السياحة والصناعات التقليدية الحبيب عمار صباح اليوم الأربعاء 2 ديسمبر 2020 خلال مداخلته بقصر باردو في سياق مناقشة مشروع ميزانية الوزارة لسنة 2021 أن القطاع السياحي يعد محركا هاما للاقتصاد وانه يوفر حوالي 400 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر أي أن حوالي مليوني تونسي يرتبطون به بشكل مباشر وغير مباشر.
وأبرز الوزير أن تنمية القطاع السياحي ليست بمعزل عن نمو بقية القطاعات الاخرى مشيرا الى انه يشهد شللا تاما وان عدد الوافدين تراجع بنسبة 78% وان العائدات انخفضت بنسبة 61.7% وان الليالي المقضاة على مستوى النزل تراجعت بنسبة 80.5 %.
قطاع يشرف على نهاية مأساوية
بين وزير السياحة في مداخلته أن معطيات القطاع جد دقيقة لافتا الى أن الأشهر الثلاث لموسم الذروة التي عادة ما تسجل 50 أو 60% من رقم معاملات القطاع وهي الفترة التي شهدت فتح الحدود عرفت على العكس تراجعا في العائدات بنسبة 71% وفي عدد الليالي بنسبة 82% و الى ان عدد غير المقيمين اي الاوربيين تراجع بنسبة 93% مبرزا ان عدد التونسيين المقيمين بالخارج تراجع بنحو 57 % وان ذلك يتطلب إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ركائز القطاع، وفق تقديره.
وأشار الوزير إلى أن الدولة سعت رغم محدودية الحلول المتاحة الى مساندة القطاع مذكرا في هذا الصدد بمختلف القرارات التي تم اقرارها في المجلس الوزاري المضيق يوم 6 نوفمبر 2020 لمساعدة القطاع السياحي رغم نفي أهل القطاع لأي دعم حكومي سيما في الجانب المالي. وعبر الحبيب عمار عن امله في تحسن الاوضاع بحلول شهر جوان المقبل وإيجاد لقاح لكوفيد -19.
وتعمل الوزارة، حسب عمار على المدى القريب على تأهيل قطاع السياحة الشاطئية ووضع مقومات جدية للسياحة الداخلية، عبر تعزيز كل أنماط الإيواء التي تتماشى والقدرة الشرائية للمواطن وسلوكه وقدراته (الحجز، الاسعار، …) وإيجاد وكالات أسفار مختصة في السياحة الداخلية قادرة على ان تسوق لفائدة التونسي بأسعار مناسبة ملاحظا أنها نفس المقومات التي تنطبق على السياحتين الجزائرية والليبية.
وتم التحذير في ذات السياق خلال جلسة مناقشة ميزانية الوزارة من المخاطر المترتبة عن مديونية القطاع السياحي الذي تأثر بشكل لافت بأزمة كوفيد -19 الى جانب الصعوبات الهيكلية التي يعيش على وقعها القطاع من قبل سيما انه من الضروري العمل على تطوير القطاع في تونس خصوصا على مستوى وضع تصورات ورؤى واستراتيجيات جديدة كفيلة بالتقليص من الهزات التي يتعرض لها بين الحين والاخر سواء كانت داخلية او خارجية وتطوير تنافسيته مقارنة بوجهات سياحية قريبة.
كما تم التشديد على ضرورة الحفاظ على مواطن الشغل وتجنيب القطاع مخاطر الإفلاس في ظل حجم محدود لميزانية وزارة السياحة بما لا يتيح إنقاذه ووضع استراتيجيات مجددة لتسويق المنتوج السياحي ومنتوجات الصناعات التقليدية واستغلال ما تتيح التكنولوجيا من مجالات واسعة كفيلة بتوفير مواطن شغل للعديد من الشباب المبدع والمجدد.
وطالبت النائبة عبير موسى بتوضيح مآل عائدات السياحية وضرورة مناقشة الوضع السياحي على امتداد السنوات العشر الماضية خاصة في ظل التقلبات التي مر بها. كما لاحظت أن السياحة لا تزال تعاني من أزمة كوفيد -19 وان الحكومة لم تنفذ الإجراءات التي اتخذت خلال فترة الحجر الصحي مشيرة الى سنة 2020 تعد “سنة بيضاء” في القطاع السياحي والى أن الميزانية المقدمة لن تحقق الأهداف المبرمجة.
ميزانية لا تكفي لإنجاز نزل من صنف 3 نجوم
بلغت قيمة ميزانية وزارة السياحة والصناعات التقليدية لسنة 2021 المعروضة للنقاش 161 مليون دينار وهو مبلغ لا يمكّن حتى من انجاز نزل من صنف ثلاثة نجوم علما ان هذه الميزانية تتكون كغيرها من ميزانيات الوزارات بالأساس من الأجور ومصاريف التسيير الإداري على غرار صيانة اسطول سيارات المديرين والمديرين العامين ونفقات الكهرباء وغيرها من المستلزمات الإدارية.
ورغم الكارثة التي حلت بالقطاع فان الميزانية لم تسجل سوى زيادة بنحو 1.59% مقارنة بسنة 2020 مما يشكل اهمالا تاما للقطاع وغياب أية إرادة لإنقاذه وذلك عكس تصريحات الوزير الحبيب عمار بل ان عددا من العاملين في القطاع يعبرون باستمرار عن وجود نوايا لتفليس السياحة التونسية واحالة الوحدات الفندقية على شركة التصرف في الأصول وهو مشروع غامض أطلقه الياس الفخفاخ عند توليه وزارة السياحة زمن حكم “الترويكا” نهاية 2012.
وستوجه وزارة السياحة للتأجير سنة 2021 اعتمادات بقيمة 68 مليون دينار أي بزيادة بنسبة 8 % واخرى للتسيير بنحو 17 مليون دينار، اي بتطور قدره 44% في حين ستوجه 74 مليون دينار للتدخلات و0.4 مليون دينار للاستثمار.
وتم رصد اعتمادات في حدود 474 مليون دينار تتوزع أهمها بين الديوان الوطني للسياحة (48 مليون دينار) والديوان الوطني للصناعات التقليدية (7 ملايين دينار) وصندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي (8 ملايين دينار ) وصندوق حماية المناطق السياحية (10 ملايين دينار) وهي ارقام هزيلة لا تكفي لاية حملة ترويجية حتى لو تعلق الأمر بالسياحة الداخلية فقط.
مديونية هائلة وإجراءات قاصرة
أفاد وزير السياحة يوم 16 نوفمبر 2020، أن قطاع السياحة والصناعات التقليدية في البلاد يعيش ازمة كبرى وأن الحكومة أقرت مجموعة من الإجراءات لإنقاذ القطاع من الاندثار.
وتتعلق الإجراءات، حسب الوزير، بجدولة الديون الخاصة بمساهمات الضمان الاجتماعي للمنشآت السياحية، وإعفائها من غرامات التأخير، شريطة المحافظة على الوظائف واستمرار صرف الأجور مبرزا أنه جرى كذلك إقرار تمكين العمال المحالين على البطالة الفنية والأدلاء السياحيين من منحة شهرية قدرها 200 دينار. واكد الحبيب عمار أنه تقرر الى جانب ما سبق من إجراءات تعليق التتبع والتنفيذ في حق كل مؤسسة سياحية تتولى احترام رزنامة جدولة ديونها، وإعفاء وكالات الاسفار من المساهمة في صندوق تنمية القدرة التنافسية في قطاع السياحة.
ووفقا للوزير، فقد تقرر أيضا تمديد آلية دعم النفقات الجارية بمبلغ 10 ملايين دينار لفائدة حرفيي الصناعات التقليدية حتى عام 2021. كما جرى التشديد على ان الحكومة أقرت برنامجا لتحفيز السياحة الداخلية حتى نهاية القادم، بتمويل من صندوق تنمية القدرة التنافسية في قطاع السياحة.
غير ان اختزال مسألة وجود القطاع السياحي الذي هو في حالة موت سريري بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا، يمثل مغالطة كبرى اذ يعاني القطاع منذ مدة طويلة من غياب اي تطوير في الخدمات السياحة وعدم تفعيل أية إجراءات لإنقاذه عند الصعوبات الى جانب المعوقات الإدارية خاصة تلك التي تحول دون الاستثمار المجدد.
ووفق العديد من التقارير فإن عدداً كبيراً من الفنادق يواجه مصاعب تسديد مستحقات مالية للمؤسسات المالية والمزودين والأجراء وكافة المتعاملين سيما في الأعوام الأخيرة وهي تصل في بعض الحالات الى مستويات جد قياسية مقارنة بقيمة الأموال الذاتية ساهمت في تفاقمها مشاكل الإغلاق المفاجئ لبعض المنشآت وعدم الاستقرار ثم تنامي الهجمات الارهابية وخصوصا تلك التي استهدفت سياحا في عام 2015 إضافة الى مواجهة بعض الفنادق مشاكل إدارية والتطور العشوائي للسياحة منذ التسعينات.
وتؤكد التقارير أن أزمة كورونا عمقت الوضعية المتردية أصلا وأنها دفعت بالقطاع في دوّامة جديدة.
يذكر ان الجامعة التونسية للفنادق كانت قد أعلنت مؤخرا ان وضع السياحة سئ للغاية أو هو في حكم الكارثي سيما أن 60% من الفنادق لم تفتح أبوابها هذا العام الى جانب وجود مخاوف من ألا تفتح مستقبلا لعدة أسباب تشغيلية ومالية.
أما في ما يتعلق بخلق مواطن الشغل المباشرة، فالركود واضح: فقد خلق القطاع 4.600 موطن شغل مباشر جديد فقط من 2005 الى 2015، مقابل 29.300 من 1994 الى 2004. كما أصبح القطاع مثقلًا بالديون، خاصةً تحت تأثير القروض غير المضمونة الممنوحة خلال نظام بن علي. وبصرف النظر عن المكاسب السياحية، ظهرت آفات أخرى ساهمت في تدهور القطاع وأهمها عدم تسديد جزء كبير من هذا الدين حتى الآن، وما زالت قيمة الديون المعدومة باهظة. وحسب التقرير السنوي للبنك المركزي لسنة 2018، تبلغ ديون القطاع 4.3 مليارات دينار منها 54.2% ديون معدومة.