الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: أكد المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية في إطار مذكرة بحثية نشرها بتاريخ السبت 6 فيفري 2021 ان السياسة المتبعة من قبل الحكومة والرامية للترفيع في الضرائب والتقليص من النفقات لن تؤدي إلا إلى إبطاء العودة إلى النشاط الاقتصادي العادي وأنه على الدولة أن تتبنى سياسة التقشف من أجل سداد ديونها بسرعة، فقط عندما يكون النمو الاقتصادي والتشغيل مرنين بالشكل الكافي من أجل مواجهة الآثار السلبية على الاقتصاد. وأوصى، المعهد أيضا، بتعزيز الاقتصاد من خلال الاستثمار العمومي وتبسيط الإطار القانوني الذي يحكم سوق الشغل والتركيز على قطاع الفلاحة من خلال تنفيذ الإصلاح الزراعي.
كما بينت المذكرة أنه في وضعية حالة عدم اليقين حين تكون العائلات حذرة جدا في نفقاتها والمؤسسات لا تستثمر سيكون للحكومة دور رئيسي في مرحلة الانتعاش لا سيما من خلال تعزيز الاستثمار العمومي وضرورة النظر في تقليص نسبة المساهمات الاجتماعية التي يمكن أن تخفف العبء عن المؤسسات في ظل تراجع أنشطتها.
وعلى مستوى تقييمه لتأثير تخفيض المساهمات الاجتماعية عن المؤسسات بــ 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي أوضح المعهد أن هذا الإجراء يؤدي، بشكل أساسي، إلى انخفاض كلفة الأجور بنسبة 77ر0 بالمائة والزيادة في الاستثمار الجملي بنسبة 11ر0 بالمائة وفي الصادرات بنسبة 05ر0 بالمائة خلال السنة الأولى من هذا الإجراء. كما يؤدي هذا الإجراء، حسب تقدير مذكرة معهد القدرة التنافسية إلى انخفاض نسبة البطالة بـــ 1ر0 بالمائة، علاوة على توفير 4580 موطن شغل والترفيع في الاستهلاك العائلي بنسبة 38ر0 بالمائة.
ووفقًا للمعهد، فإن قانون الشغل التونسي يشكل قيدا من حيث التشغيل وأشكال عقود العمل وكذلك من حيث القدرة على التأقلم مع وضعية السوق مما يقتضي البحث عن المرونة على مستويين، هما توقيت العمل ونظامه وأشكال عقود العمل.
وأظهرت الأزمة الصحية في نفس سياق التحليل أن قطاع الفلاحة يعد الأكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات. ويحتل هذا القطاع مكانة مهمة في الاقتصاد الوطني، لما له من دور حاسم في ديناميكيات النمو ودوره الاجتماعي من خلال مساهمته في التشغيل (16 بالمائة من السكان الناشطين). لذلك حان الوقت لزيادة الاهتمام بهذا القطاع، من خلال تسهيل الوصول إلى القروض البنكية. كما أن الإصلاح الزراعي ضروري من أجل استغلال الأراضي المتاحة بشكل أكبر مع اتخاذ إجراءات لتسهيل وصول الفلاحين إلى الأسواق، عبر تعزيز المسالك القصيرة التي تحافظ على الصلة بين الفلاحين والمستهلكين. وهذا من شأنه، أيضا، أن يجعل من الممكن مقاومة عمليات المضاربة.
وذكر المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية أن معدل النمو في تونس اقتصر على 1.6 بالمائة بين 2011 و2019 مقابل 4.4 بالمائة بين سنتي 2000 و 2010 وان توقعات سنة 2020 استندت إلى انخفاض غير مسبوق يقدر بـ -7.3 بالمائة ليصل في عام 2021 الى 4 بالمائة. وحدد المعهد هدفا يتمثل في وضع تشخيص شامل قدر الإمكان للقدرة التنافسية للاقتصاد التونسي على مدى العقد الماضي، وذلك بالإشارة إلى مجموعة من المؤشرات التي تعكس جوانب متعددة من الاقتصاد.
وسجل المعهد ضمن هذا التمشي انخفاضًا كبيرًا في جهود الاستثمار خلال فترة ما بعد 2011 بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد تفاقم هذا الوضع مع وصول جائحة كوفيد -19 وتأثيرها على النشاط الاقتصادي محليًا وعالميًا. وتكشف توقعات سنتي 2020 و2021 تحقيق استثمارا بنسبة 13 بالمائة و14 بالمائة (مقابل 24.6 بالمائة في سنة 2010). أما بالنسبة الى الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد شهد انخفاضًا خلال فترة ما بعد الثورة ليصل إلى معدل متوسط قدره 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي (مقابل 4.2 بالمائة بين عامي 2000-2010). وينطبق الشيء نفسه على العجز الجاري، الذي ازداد سوءًا، بسبب زيادة العجز التجاري (من 7.5 بالمائة في 2011 إلى 13.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام) وعلى المدخرات الوطنية الإجمالية التي لم يتجاوز متوسط معدلها 10.8 بالمائة من الدخل المحلي الإجمالي (الدخل المحلي الإجمالي المتاح) خلال الفترة 2011-2020 (مقابل 21.5 بالمائة خلال العقد السابق).
وكان هذا الانخفاض بارزا بشكل خاص في عام 2020، عندما انخفض بأكثر من 50 بالمائة إلى 4.6 بالمائة والشيء ذاته بالنسبة لمعدل السيولة في سوق الأوراق المالية، والذي انخفض بشكل كبير منذ عام 2015 (حيث تراجع إلى 39 بالمائة في عام 2019، مقابل 57 بالمائة في عام 2014)، بسبب عدم ثقة المستثمرين في السوق والهيئات التي تنظمه، وعدم تنوع الأدوات المالية. وكشف المعهد أيضًا عن خسارة في حصته السوقية في الاتحاد الأوروبي، حيث انخفض مستواها من 0.62 بالمائة في عام 2010 إلى 0.55 بالمائة في المتوسط بين 2011 و2016، و0.51 بالمائة في عامي 2017 و2018. وبلغ معدل البطالة 16.2 بالمائة في المتوسط خلال فترة ما بعد الثورة (مقابل 13.5 بالمائة في المتوسط بين سنتي 2000 و2010).