الشارع المغاربي – عن الإعلام والسلطويّة وأحوال التونسيّين: رسالة إلى رئيس لا يُنصتُ إلّا لصداه!

عن الإعلام والسلطويّة وأحوال التونسيّين: رسالة إلى رئيس لا يُنصتُ إلّا لصداه!

قسم الأخبار

29 أبريل، 2022

الشارع المغاربي-معز زيّود:

السيّد رئيس الجمهوريّة

لا ريب في أنّك تُدرك أنّ دور وسائل الإعلام لا يقف عند الإخبار، وإنّما يكمن كذلك في تنوير الرأي العام وإحاطته بمختلف الآراء وبخلفيّات الأحداث والقضايا المطروحة. وهو ما يهدف في مجمله إلى تأمين حقّ المواطن في الإعلام. ولذا دعنا نُصارحك بأنّ من أوجب واجبات الصحافة المستقلّة اليوم أن تنقل الصورة الحقيقيّة للأوضاع الراهنة للبلاد التي ما انفكّت للأسف الشديد تسير من سيّء إلى أسوأ…

السيّد الرئيس

نُدرك أنّ هذه الرسالة المفتوحة قد لا تجد طريقها إلى رئاسة الجمهوريّة، ولا تُساورنا الشكوك أيضا في أنّ الإعلام على أهميّته لا يزال في آخر سُلّم أولويّاتكم. ومع ذلك قرّرنا التوجّه إليكم لا فقط تعبيرًا عن استقلاليّتنا عنكم وعن خصومكم السياسيّين، كما كنّا ولا نزال دائما، بل حرصًا أيضا على التمسّك بمكسب حريّة التعبير وحريّة الصحافة الذي حقّقته الثورة التونسيّة. ومن ثمّة لسنا على استعداد للتفريط في هذا المكسب النفيس بصرف النظر عن وجود مؤشّرات حقيقيّة تُنبئ بما يحيق هذا القطاع الحيويّ من تهديدات ومخاطر، على غرار إيقاف بعض الصحفيّين ومحاولات تدجين المرفق العمومي للإعلام وتحويله إلى مجرّد بوق دعاية…

السيّد الرئيس

ربّما لا تذكرون أنّ حركة النهضة كانت وراء ترويج شعار تطهير «إعلام العار» خلال اعتصام مفتعل شنّهُ أنصارها أمام مبنى التلفزة التونسيّة في مثل هذه الفترة من عام 2012. ولا نخال الصحفيّين التونسيّين سينسون بسرعة استخدامكم منذ أسابيع عبارةً تعكس نظرةً إلى الإعلام أقلّ ما يمكن أن يُقال عنها إنّها قاصرة. فقد ذهبتهم في تصريحكم بمناسبة زيارة مفترق بن دحّة بالعاصمة إلى أنّه: «عكس ما تُروّج له وسائل الإعلام، هناك فرحة من قبل المواطنين في عمليّة قطع الماء لأنّهم يعرفون أنّ الأمر يتعلّق بمصلحتهم»، وكأنّ للإعلام دأبًا مضادّا تمامًا لخدمة المصلحة العامّة. سُقنا هذين المثالين تأكيدًا على أنّ استعداء وسائل الإعلام والتحريض ضدّها وشيطنتها لن يؤدّي في نهاية المطاف إلّا إلى نتائج عكسيّة يكون المسار الديمقراطي ومن ورائه الشعب هو الخاسر الأكبر من مثل تلك الممارسات، ولو أنّ مصطلح «التطهير» له دلالات عنصريّة معلومة في العلاقات الدوليّة، وأنتم أعلم بها.. وقد بلغنا من مصادر قريبة من قصر الرئاسة تأكيدكم عدم الحاجة للإعلام، بدعوى أنّه لم يسهم في وصولكم إلى رئاسة الجمهوريّة على خلاف سابقيك، فضلا عن أنّكم تتربّعون على استطلاعات الرأي رغم إغلاق أبواب القصر كليّا وبإحكام أمام وسائل الإعلام الوطنيّة. وهو ما يُفسّر مثلا إلزام الحكومة المتّبعة لخطاكم بإبقاء مؤسّستي التلفزة والإذاعة الوطنيّتين وكذلك وكالة تونس إفريقيا للانباء من دون رؤساء مديرين عامّين على امتداد أشهر، وكأنّكم تستمرؤون تأبيد حالة الفراغ غير الطبيعيّة على رأس تلك المؤسّسات الإعلاميّة الكبرى. ورغم كلّ ذلك لن نُغامر بوصفك عدوّا للإعلام والصحافة والصحفيّين، فليس من دورنا ترويج التوصيفات الجاهزة أو توزيع صكوك الغفران… وأنت الذي صرّحت سابقا بأنّك تحتفظ في أرشيف وثائقك بأعداد قديمة من جريدة «الصباح» و»الشعب» وحتّى «جون افريك» وربّما غيرها أيضا…

في المقابل من واجبنا تنبيهكم، أسوةً بما ينبغي أن يدركه سائر المواطنين، إلى أنّ هناك ارتباطا وثيقا بين وجود إعلام حرّ تعدّدي نزيه ونجاح أيّ مسار الديمقراطي في العالم. فلا مجال للحديث اليوم مطلقا عن أيّ ديمقراطيّة في غنى عن حريّة الإعلام…

السيّد الرئيس

نودّ تذكيركم أيضا بأنّ فترة الانفراج وحتّى الفرح التي استشعرها معظم التونسيّين، يوم 25 جويلية 2021، لم يطُل أمدها أكثر من بضعة أسابيع ولم تتعدّ في أقصى التقديرات نهاية العام الماضي. ثمّ ما انفكّت أحوال البلاد تنحو إلى مزيد من التأزّم على شتّى الأصعدة. فعلى الصعيد السياسي، لا يختلف اثنان في أنّ خطابكم السياسي غالبًا ما كان مشوبًا بشحنة من التهديد والوعيد، دون أن يقترن بأثر ملموس في محاسبة كبار الفاسدين و»المتاجرين بآلام الشعب التونسي»، وفق ما تردّدونه دائما.

نَفَيْتُم مرارًا وتكرارًا، وبأسلوب ممعن في التشنّج، التوصيفات الموجّهة إليكم بشأن نزوعكم إلى تجميع كلّ السلطات والصلاحيّات، مع أنّكم تدركون أنّه لم يسبق بعد الثورة أن هيمن رأس السلطة التنفيذيّة على صلاحيات شبه مطلقة في إدارة دواليب الدولة التونسيّة كالتي يحوزونها اليوم. كما أنّ حالة الاستثناء لم يعد لها معنى لأنّها باتت بكلّ بساطة مرتبطة بشخصكم ورهينة لقراركم دون سواكم. وإلّا فماذا تسمّون عمليّة تغييب أو إلغاء كلّ آليّات «المساءلة» للسلطة وإمكانيّة «الطعن» القانوني في قراراتها سوى نوع جديد من السلطويّة الطهوريّة، من باب أنّكم تحتكرون بمفردكم الطُهر و»نظافة اليد» في غابة مظلمة من الوحوش والمجرمين والفاسدين والأنذال؟!…

دعنا إذن نرسم بعض سمات الحراك السياسي الذي توغلتم في نسجه: فرض الإقامة الجبريّة على عدد من الشخصيّات ثمّ التراجع عنها ورفعها بلا مبرّرات قانونيّة مقنعة ودون إيداع ملفات يُعتدُّ بها قضائيّا… إهدارٌ ملفتٌ لفرص إنقاذ البلاد من الوضعيّة التي تردّت إليها جرّاء عشر سنوات من سياسة الغنيمة والتوافق السياسي المغشوش… تشميع مؤسّسات حيويّة رغم أمسّ الحاجة إليها وإحكام القبضة على مؤسّسات أخرى مستقلّة وكأنّها مجرّد مصالح إداريّة تابعة لقصر رئاسة الجمهوريّة… انفرادٌ مطلقٌ بالرأي والقرار يدركه القاصي والداني حتّى بات العديد من الفاعلين السياسيّين يُطالبون بحوار وطني يستثنيكم بما أنّكم لا تعترفون بغير جماعتكم المؤقّتة ولا تُنصتون إلّا لصدى صوتكم…

السيّد الرئيس

يستشعر خصومكم كمّا هائلا من القهر جرّاء عجزهم الفائق عن تعبئة الشارع خلال وقفاتهم الاحتجاجيّة في العاصمة أو في سائر مدن البلاد. ومازالت حالة التيه تُداورهم إلى درجة تعلّقهم بأيّة قشّة توهمهم باحتمال استعادة سطوتهم، على غرار «جبهة الخلاص الوطني» التي طرحها أحمد نجيب الشابي لإنقاذ نفسه من مغبّة النسيان. وبصرف النظر عن الثرثرة المتّصلة بزعمهم العمل على «حماية الديمقراطيّة» مع أنّهم أوّل من أوغل فيها طعنًا، فإنّ اتّهامهم لكم بـ»المغالبة» اعتمادا على المؤسّستين العسكريّة والأمنيّة لا يُعدّ توصيفًا مُجانبا كثيرا للواقع. فهو توصيف لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام أو حتّى اللئام…

في المقابل، أضحت معارك القصر بارزة للعيان اليوم بشكل غير مسبوق، حتّى أنّ أقرب المقرّبين منكم سابقا بات يزايد على خصومكم في وصف الفشل الذريع لمسار 25 جويلية، ومثال ذلك ما فصّلته مؤخرًا نادية عكاشة مديرة ديوانكم السابقة في تدوينتها الأخيرة من أنّه «تمّ الاستيلاء على هذه اللحظة وعلى هذا المسار من قبل  من لا شرف ولا دين ولا وطنيّة له ومن قبل زمرة من الفاشلين الذين لا يفقهون شيئا غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل». لن ننخرط طبعًا في متاهة الشقوق والفصائل والقوى المتناحرة، غير أنّها هذه المرّة محسوبة عليكم. ولا يخفى أنّ لكم باعا في لفظ من كانوا مقرّبين منكم إلى درجة رميهم بالانتهازيّة والوصوليّة، حتّى انطبق عليه وصف المفكّر الراحل محمد الطالبي للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بأنّه «يمتلك عبقريّة تحويل حلفائه إلى أعداء له»!.

السيّد الرئيس

لن نخوض في شأن إقراركم مراسيم لمقاومة الاحتكار، إذ لا يمكننا استشراف تداعياتها المستقبليّة على أرض الواقع ومدى نجاحها في الحدّ من سطوة لوبيّات التهريب والاحتكار. فالنتائج الملموسة هي وحدها التي ستحكم على حقيقة نجاعتها أو قصورها. ولا نأمل إلّا أن تأتي تلك الإجراءات أُكلها إيجابيّا على مستوى تعديل الأسعار وتوفير المواد الاستهلاكيّة المختلفة، دون أن تتسبّب في انكماش الاستثمار أو المسّ باستدامة الإنتاج خشية بعضهم من الوقوع فريسة للشطط في إجراءات الردع. ومع ذلك عليكم أن تسألوا عموم التونسيّين اليوم، وخاصّة الطبقات المتوسّطة والفقيرة، عن مدى معاناتهم جرّاء ارتفاع الأسعار وتراجع مقدرتهم الشرائيّة. إنّهم يُصارعون من أجل البقاء ومحاولة إيجاد حلول عاجلة لمشاكل حياتهم اليوميّة. صحيح أنّ معظم هؤلاء قد فقدوا جلّ ثقتهم في النخب السياسيّة، ويرفضون عودة برلمان سابقٍ شوّهَ إلى حدّ لا يُطاق العمل السياسي ومؤسّسات الدولة. وربّما يساندكم بعضهم اليوم لا حبّا فيكم وإنّما شعورًا بالقهر والفاقة على امتداد أعوامٍ عشرةٍ من حكم المنظومة السابقة. وهنا عليكم أن تحذروا من أنّ الاحتمال الوارد لانقلاب الأمور. فلا تغترّوا كثيرا بالحشود التي تناصركم اليوم لأنّ الصمود أمام حالة الاختناق الاجتماعيّة السائدة لا يمكن أن تستمرّ بلا نهاية في حال تأخّر الانفراج الاقتصادي المنشود كثيرا. وحينها قد تؤدّي إلى الارتداد عليكم وعلى أوضاع البلاد برمّتها. وإذا ما اختمرت حالة الاحتقان وتفاقمت أوضاع الحرمان وحلّت ساعة الجدّ والامتحان، لن تفيدكم الخطب الرنّانة وما يلفّها من وعيد وتهديد. لذا ننصحكم بأن تتبصّروا جيّدا مقولة الشاعر والكاتب التونسي الحرّ سليم دولة القائلة: «لا رئيس لي سوى رأسي». إنّها لا تُعبّر فقط عن هموم الإنسان بل كذلك عن ولع التونسيّين بالدفاع عن مصائرهم في وجه أيّ كان حين يمسّهم الضرّ…

السيّد الرئيس

من المفيد أن نُذكّركم أخيرًا، في ظلّ تواتر ضياع فرص الإنقاذ، بقاعدة أساسيّة تحكم البشريّة وليس بإمكانكم مثل غيركم التملّص منها مهما فعلتم، وهي القائلة «لو دامت لغيرك لما آلت إليك». فإنْ كان من المحتمل، في حال لم يطرأ تغيير كبير على الأوضاع العامّة في البلاد، أن يُجدّد التونسيّون انتخابكم لعهدة رئاسيّة ثانية خلال انتخابات رئاسيّة قد تنتظم عام 2024، فإنّ الشيخوخة لن تحميكم خلال الانتخابات التي ستليها. وحتّى إن تشبّثتم آنذاك بتلابيب الحكم، فإنّ مصيركم ومصير مشروعكم السياسي الغامض لن يختلف كثيرا عن التقلّبات التي رحلت بسابقيكم قبل الثورة وبعدها. تلك معادلة التاريخ الذي لا يرحم، فهل ستُنصت مستقبلا لأوجاع التونسيّين؟!.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 26 أفريل 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING