الشارع المغاربي – غموض يكتنف مرسوم المالية 2022 والسلطات تواصل التكتم‎‎ على ميزانية العام القادم

غموض يكتنف مرسوم المالية 2022 والسلطات تواصل التكتم‎‎ على ميزانية العام القادم

قسم الأخبار

4 ديسمبر، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: نُشر مؤخرا في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية قانون المالية التكميلي او التعديلي 2022، في سياق الممارسات الترقيعية التي رسختها حكومات الترويكا لعدم كفاءتها في انجاز ميزانيات دقيقة، وذلك بٍعجز يُناهز 10 مليارات دينار في غياب اية توضيحات حول مصادر تمويله وفرضياته وفوارق بُنوده مقارنة بالقانون الاصلي.

غير أن الُمثير للانتباه يتمثل في مواصلة الحكومة حجب وثيقة ميزانية العام القادم وتكتمها عليها رغم اقرار الدستور الجديد والقانون الاساسي للميزانية الانتهاء من اعدادها في العاشر من اكتوبر من كل عام وذلك في سياق تتوالى فيه قرارات الترفيع في اسعار المواد الاساسية ولا سيما منها المحروقات والكهرباء اضافة للتصريحات الرسمية حول اعتماد عدد كبير من الضرائب الجديدة الى حد اعتبارها من قبل مؤسسات مالية دولية، في تقارير جديدة لها حول تونس، عائقا اساسيا للنمو والتشغيل في الفترة القادمة.

تقدير خاطئ لعجز ميزانية سنة 2022

اقر قانون المالية التكميلي لعام 2022 مداخيل ميزانية الدولة في حدود 38.6 مليار دينار مقابل 41.1 مليار دينار مرسمة بالقانون الاصلي في حين قُدرت النفقات بـ 47.2 مليار دينار مقارنة بنحو 50.9 حسب التقديرات الاولية ليرتفع بذلك عجز ميزانية الدولة من حوالي 1.2 مليار دينار الى 9.8 مليارات دينار. وفي سابقة من نوعها، لم يتم الافصاح عن أبرز ركائز قانون المالية التكميلي وهي نسبة النمو المعدلة والحاجات التمويلية المفصلة، داخليا وخارجيا، ونسبة العجز في الناتج المحلي الاجمالي واسعار اهم المواد الاولية الموردة واهمها برميل خام برنت.

وتتضارب الارقام المقدمة في ما يتعلق بالرصيد الاولي للميزانية، بشكل واضح، مع معطيات توسع نفقات الميزانية لهذه السنة خصوصا على مستوى الدعم حيث ناهزت فاتورة واردات المواد الغذائية الاساسية والطاقية حوالي 18.5 مليار دينار موفى سبتمبر الفارط في حين ان الميزانية المرصودة على هذا المستوى للعام الحالي بأكمله لا تتجاوز 7.3 مليارات دينار، وفق وزارة المالية.

من جانب اخر، تشير نفس المعطيات الى ان مداخيل الميزانية ازدادت بقيمة 2.5 مليار دينار وهو ما يرجع بالأساس الى تأثير الصلح الجبائي. كما يتضح من خلال البيانات الرسمية عدم ادراج اعتمادات دعم المؤسسات العمومية وبذلك فان العجز الفعلي لميزانية العام الحالي لا يقل عن 20 مليار دينار في ظل غموض تام حول تمويله قبل شهر من ختم السنة المالية علما ان قيمة القسط الاول من قرض صندوق النقد الدولي المرصود لتغطية عجز الميزانية والذي اعلنت وزارة المالية عن امكانية صرفه في النصف الثاني من شهر ديسمبر القادم لا تتجاوز 250 مليون دولار اي ما يعادل 800 مليون دينار. وينسحب الامر كذلك على القرض الفرنسي الاخير لتونس والمقدر بنحو 200 مليون اورو والمشروط صرفه بالحصول على القسط الاول من قرض صندوق النقد.  

ميزانية 2023: ضغط جبائي استثنائي

أكدت مؤخرا وزارة المالية ان نسخة مشروع قانون الماليّة لسنة 2023 التي يتم تداولها من قبل بعض الصفحات والمواقع الالكترونية “غير رسميّة وغير نهائية”. وبرّرت ضمنيا، في بلاغ رسمي، تكتمها على المشروع ومخالفتها مقتضيات القانون الاساسي للميزانية في ما يتصل بآجال اعداد القانون ونشره بأنّ المصالح الفنيّة للوزارة “لازالت تشتغل على مشروع القانون” وبأنّها “بصدد عقد لقاءات مع المنظمات والهيئات الوطنيّة وعرض أهمّ ملامح مشروع القانون عليها والتشاور معها والاستماع إلى اقتراحاتها”.

ولكن الارجح ان التأخير يعود الى المشاورات مع صندوق النقد حول مشروع قانون المالية وتواصل التدقيق فيه من قبل المؤسسة الدائنة للتأكد من تضمنه املاءاتها وشروطها بالكامل.

وتتكون وثيقة نسخة مشروع قانون الماليّة لسنة 2023 التي اشارت اليها الوزارة من عشر صفحات تتضمن 42 اجراء. وتتعلق الاقتراحات بعدة محاور مثل الفلاحة والضرائب والتهريب والتونسيين المقيمين بالخارج. وتطرقت الوثيقة إلى أحد أكثر القطاعات إثارة للجدل في الآونة الأخيرة حيث خصصت قسما لمسألة دعم صغار الفلاحين في إطار السعي للاكتفاء الغذائي من خلال تكفل الدولة بهوامش فوائد القروض البنكية التي يحصلون عليها وذلك في حدود 3 بالمائة. ويعتبر الاجراء جد منقوص لعدة اسباب اهمها ان 7 بالمائة فقط من الفلاحين يلجؤون للاقتراض البنكي وان الاكتفاء الغذائي سيما على مستوى الزراعات الكبرى لا يمكن ان يتحقق بالاعتماد على منتوج مستغلات صغار الفلاحين التي لا تتجاوز مساحاتها في المعدل 6 هكتارات للفلاح. 

وتضمنت الاجراءات الجبائية احداث ضرائب جديدة اهمها ضريبة على الثروة بحجة العمل على تحقيق العدالة الجبائية وحسن توزيع الثروة في البلاد رغم شبه استحالة تطبيق هذا الاجراء لأسباب لوجستية تتعلق بغياب جرد للممتلكات على مستوى قواعد بيانات الادارة العامة للأداءات فضلا عن خرقها مبدأ عدم الازدواج الضريبي.

كما سيشمل المشروع ترفيعا جديدا في الضريبة على الشركات بتوسيع قاعدة المؤسسات الخاضعة الى نسبة الضريبة على الارباح التي تساوي 35 بالمائة علاوة على ادماج عدد من الانشطة الخاضعة للنظام التقديري ضمن جباية النظام الحقيقي ومراجعة معاليم التسجيل والطوابع الجبائية وفرض ضريبة مسبقة على باعة الخمور بالجملة.

كما تتضمن الاجراءات اقرار إلغاء مبدأ السر المهني في إطار التبادل الدولي للمعلومات، والالتزام بتسجيل التوكيلات. وسيتم حسب المشروع فرض غرامة بـ 20 بالمائة عن كل الدفوعات النقدية المتداولة التي تفوق خمسة آلاف دينار لتحل هذه الغرامة الجديدة محل عدم قابلية الخصم من الرسوم وضريبة القيمة المضافة.

في المقابل، تتجه الحكومة في المشروع المفترض لقانون المالية الى امكانية مراجعة الضريبة على الدخل على الاجراء والموظفين. وتقترح الحكومة ايضا اقرار زيادة في المساهمات الاجتماعية للشركات من 2 الى 3 بالمائة من أجل التقليص في العجز المالي للصناديق الاجتماعية واعتماد نسبتين للأداء على القيمة المضافة هما 13 و19 بالمائة.  وتجدر الإشارة إلى أن الوثيقة المسربة لمشروع قانون المالية للعام القادم لم تتضمن بيانات عن توازن الميزانية وعجزها والسعر المقدر لبرميل النفط.

تُبيّن مجمل المعطيات المتعلقة بتوجه الحكومة مستقبلا في مادة الميزانية والجباية انها بدأت في تكريس ممارسات جديدة باعتمادها الصمت والتكتم على فحوى ميزانية البلاد وفتح الباب امام المضاربات والمزايدات وذلك على غرار العديد من الوضعيات خصوصا في المجال المالي مما يرتقي الى مستوى تبني “استراتيجية” جديدة ممنهجة في التعامل مع الراي العام والمراقبين قوامها حجب المعلومة وعدم تمكين المواطن من النفاذ اليها.

وفي جميع الحالات، يبقى هامش تحرّك حكومة بودن محدودا بحكم التحديات الاقتصادية على الصعيدين الدولي والداخلي اضافة الى عدم كفاءتها في تبني رؤية متماسكة لإدماج الاقتصاد غير المهيكل ومكافحة التهرب الضريبي وانجاز اصلاح جذري لمنظومة الجباية. كما ان التعديلات التي يشترطها صندوق النقد وغيره من المؤسسات المالية الدولية تضع الحكومة امام معادلة اجتماعية صعبة بحكم التزايد المؤكد لنفقات الدولة التي قد تمر من 57.2 مليار دينار في 2022 الى زهاء 62 مليار دينار في 2023 علما أن صندوق النقد الدولي نفسه أقر في أحد تقاريره بأن وضعية الاقتصاد التونسي والمالية العمومية غير قادرة على تغطية كل ديون الدولة خصوصا ان حجم ديون تونس المطالبة بتسديدها العام المقبل تقدر بنحو 25 مليار دينار بين السوقين الداخلية والخارجية.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 29 نوفمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING