الشارع المغاربي – من المفارقات المعجزات التونسية: قطاع خارجي منهار واحتياطي عملة قياسي !!

من المفارقات المعجزات التونسية: قطاع خارجي منهار واحتياطي عملة قياسي !!

قسم الأخبار

24 ديسمبر، 2020

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: بإجماع الخبراء تقريبا وجل المهتمين بالشأن الاقتصادي الوطني، تشهد حسابات المالية العمومية والمؤشرات النقدية هذه الفترة اقصى درجات التوظيف والمغالطات سيما على مستوى مناهج تحديدها وتقديمها للراي العام وتحليل المذكرات والتقارير الرسمية لها على اساس انها في حدود المعايير المعتمدة، وطنيا ودوليا.

ولعل ابرز هذه المؤشرات هو مستوى احتياطي النقد الاجنبي الذي بلغ ما يغطي اكثر من خمسة اشهر من الواردات رغم اقرار البنك المركزي الذي يقوم باحتساب هذا المؤشر بان القطاع الخارجي الوطني منهار مما يجعل فهم هذه الوضعية المريبة امرا معقدا ومثيرا للكثير من التساؤلات حول «منهجية» التصرف في العديد من محاور السياستين المالية والنقدية في البلاد في ظل انهيار وشيك وعام لأوضاعها، الاقتصادية والاجتماعية.

مكونات احتياطي النقد الأجنبي

يتكون احتياطي النقد الأجنبي من الودائع والسندات من العملات الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي للحفاظ على قيمة العملة المحلية ودفع الديون المستحقة على الدولة والمساهمة في تمويل الاستثمار العمومي المرتبط بصفقات انجاز البنى التحتية واقتناء المعدات الكبرى والتجهيزات لفائدة مختلف الهياكل الحكومية.

ويُحتفظ بهذه الأصولاو الموجودات في البنك المركزي بمختلف احتياطي العملات، ومعظمها بالعملة الأوروبية الموحدة (الاورو) وبالدولار الأمريكي واليان اليابانيوالجنيه الإسترليني باعتبارها أبرز عملات المبادلات التجارية والمالية والاقتراض في العالم.ويتكون الاحتياطي النقدي مما يحوزه البنك المركزي من عملات أجنبية يضاف اليه ما يملك من رصيد ذهبي، ووحدات حقوق السحب الخاصة، فضلا عن صافي الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي.

وتستخدم هذه الأصول، في جانب آخر، لتلبية الحاجة لتمويل ميزان المدفوعات أو التدخل في أسواق الصرف للتأثير على سعر صرف العملة، أو غير ذلك من الأغراض ذات الصلة.وتسعى معظم بلدان العالم -خاصة النامية منها- إلى مراكمة مخزونات مهمة من النقد الأجنبي بهدف تحقيق جملة من الأهداف، اهمها:

• القدرة على التأثير في أسعار الصرف وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة.

• تعزيز ثقة الدائنين والمستثمرين الأجانب في الاقتصاد الوطني وفي قدرة الاقتصاد على الايفاء بالالتزامات المالية الخارجية.

• القدرة على مواجهة الصدمات المتصلة بالتدفقات المالية في العالم بالنسبة للاقتصاد وامتصاص آثارها.

• تجنب التداين من الخارج في حال وجود نفقات غير متوقعة تستلزم خلاصها مقابل عملات أجنبية.

ويمكن لكمية احتياطي النقد الأجنبي أن تتغير عندما يطبق البنك المركزي سياسة نقدية ما، وقد يواجه البنك المركزي سيما لدى تطبيق سياسة سعر الصرف الثابت وهو الحال في تونس منذ سنة 2016وضعا معينا، حيث يدفع العرض والطلب قيمة العملة لتهبط أو ترتفع وفقا لزيادة أو نقصان الطلب عليها بما من شأنه أن يرفع من قيمتها أو ينقصها.

وتعزز حيازة احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي ثقة الدائنين والمؤسسات المالية الدولية، وتشجع وكالات التصنيف الائتماني على إصدار تصنيفات ائتمانية جيدة، وذلك لأن احتياطي النقد الأجنبي يبقى مقياسا مهما يمكن أن يعكس مستوى الجدارة الائتمانية للاقتصاد وقدرته على سداد ديونه الخارجية.

كما تلعب احتياطيات النقد الأجنبي دورا مهما في مواجهة الصدمات الخارجية والأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تعصف بالبلدان جراء حدوثتدفقات مالية بصفةمكثفة ومفاجئة، حيث يؤدي ذلك إلى تقلب أسعار الصرف، مما تنتج عنه آثار اقتصادية ضارة، أبرزها فقدان التنافسية وتراجع النمو والتضخم الجامح للأسعار سواء عند الاستهلاك او الانتاج.

مفارقات التصرف في احتياطي النقد في تونس

وفقا للمؤشرات النقدية والمالية اليومية المنشورة من قبل البنك المركزي التونسي، بلغت قيمة احتياطي النقد الأجنبي يوم الأربعاء 9 ديسمبر 2020، 22.7 مليار دينار مسجلة بذلك ارتفاعا نسبته 21.5% مقارنة بنفس اليوم من السنة السابقة وهو ما يمكن من تغطية 158 يوم توريد بما يشكّل اعلى مستوى، على هذا الصعيد، منذ سنة 2010.

ولكن تطور قيمة احتياطي النقد وما يوفّر ذلك من تغطية للتوريد لا يفسر باي حال من الأحوال بتحقيق نجاح على مستوى السياسة النقدية، مثل ما يروّج لذلك البنك المركزي التونسي، بل هو ناتج بالأساس عن انكماش غير مسبوق للواردات.

وشهد التوريد في هذا الإطار، نهاية أكتوبر 2020 وبحساب الأسعار القارة تراجعا قياسيانسبته 12% مقابل شبه استقرار للتصدير (+1.6%) وذلك بالرجوع لمستواه في نفس الشهر من سنة2019 . كما سجلت أسعار المنتجات التي شملتها المبادلات التجارية انخفاضا بنسبة 5.2%على مستوى الواردات.

في جانب آخر، يرجع تطور احتياطي النقد الأجنبي الى الانحسار الملحوظ للنتيجة الجارية للقطاع الخارجي ككل بنسبة عالية ناهزت 5.8%تبعا لسقوط المكونات الرئيسية لهذا القطاع وهي الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تراجع، في ما يخص النوايا المصرّح بها، بنسبة 26.4%آواخر سبتمبر الفارط وذلك الى جانب السياحة التي انخفضت إيراداتها بـ 62%موفي شهر نوفمبر المنقضىوالتصدير خصوصا في ما يتعلق بالعديد من المنتوجات الاستراتيجيةعلى غرار منتوجات الصناعات الاستخراجية (فسفاط ونفط) وزيت الزيتون والتمور.

وفي جميع الحالات، فان الارتفاع الكبير لاحتياطي النقد وتسجيله أرقاما قياسية لم تعرفها البلاد منذ عقد من الزمن يرجع بالأساس إلى انحدار مصاريف الدولة بالعملة الخارجية بشكل خاص في ما يتعلق بصفقات البنية التحتية مع المزودين الأجانب وذلك فضلا عن اقتناء التجهيزات والمعدات الحساسة لمشاريع الدولة من الخارج.

ولتأكيد هذا المعطى فان مذكرة وزارة المالية حول نتائج تنفيذ ميزانية الدولة تبرز أن مدفوعات مصاريف التجهيز والتنمية للعام الحالي، داخليا وخارجيا، هي الأضعف منذ 2011 اذ لم تتجاوز 2800 مليون دينار وهو ما يعادل 840 مليون أورو، فحسب بما لا يكفي لانجازمشروع واحد من مشاريع البنية التحتية كطريق سيارة بين ولايتين.

ويُشار، في ذات السياق، الى أن 80% من تدفقات الأموال الخارجية في شكل مساعدات للاقتصاد الوطني(قروض وهبات) لهذه السنة، يتم خزنها قبل صرفها تدريجيا وفي جزء منها في بندي التأجير العمومي وتغطية النفقات الاعتيادية والجارية للإدارة. وقد انجر عن هذا الشكل من التصرف حدوث انخرام تام للتناغم بين المنظومة المالية والمنظومة الاقتصادية الإنتاجية بعد ان قطع البنك المركزي قنوات التواصل بينهما بحجة استقلاليته.وتتمثل هذه القنوات في استقرار سعر صرف الدينار وتوازن السيولة والمحافظة على نسب فوائد بنكية قريبة من مستوى تطور مؤشر الاسعار عند الاستهلاك وهو المعروف بقياس التضخم.

و حرص محافظ البنك المركزي مروان العباسي منذ توليه منصب إدارة مؤسسة الإصدار على ابراز ما يعرف الدينار من ثبات او بالأحرى تثبيت اصطناعي لقيمته وهو الذي بدا في التراجع منذ اشهر سيما مقابل الأورو (-3.96%خلال ديسمبر 2020) و»تثمين» الجهود المبذولة لمجابهة التضخم (4.9%) رغم ان هذه النسبة بعيدة بشكل واضح عن مؤشر التضخم المحسوس من قبل المستهلكين والذي يؤكد المختصون في هذا المجال أنه يتجاوز الرقمين.

كما جرى السعي، في هذا الصدد،للتغطية بشتى الوسائل وفي سياق مرتبك على الازدياد المتواصل لنقص السيولة النقدية والمقدر بنحو 10 مليارات دينار كمعدل يومي وعدم ايجاد حلولللمأساة التي يعيشها المواطن التونسي والمؤسسات جرّاء النسب المشطة للفوائد البنكية وتلك المعتمدة من قبل مؤسسات الايجار المالي والتي تتراوح بين 12 و16% باحتساب العمولات.

في جانب آخر، انجر عن سياسة البنك المركزي التونسي والذي يقدّر مسيروه أنه «مستقل» وكأن مصير البلاد والعباد لا يعنيهم، تدهور شامل للقيمة المضافة القطاعية بـ 10% طيلة الأشهر العشر الأولى من سنة 2020.

ومن المرتقب حسب العديد من المتابعين ان يرتفع تدريجيا مستوى المخاطر التي تتحملها البنوك على المدى البعيد سيما في ما يتعلق بالمردودية واستخلاص الديون مما يمكن ان يؤدي الى انهيار دعائم القطاع المصرفي تدريجيا في ظل افاق عدم توزيع أرباح لمؤسساته بعنوان العام الحالي.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING