الشارع المغاربي – من هم التونسيون ؟ من الخليط إلى التوْليف العربي المتوسّطي / بقلم المؤرخ : محمد لطفي الشايبي

من هم التونسيون ؟ من الخليط إلى التوْليف العربي المتوسّطي / بقلم المؤرخ : محمد لطفي الشايبي

14 سبتمبر، 2018

الشارع المغاربي : صدر عن منشورات «سوتيميديا » بحث «يُلمّ بأصول التونسيين على اختلافها وتنوّعها وبالأطوار التي أفضت إلى نشأة الأمة التونسية وكيف كانت قولبتها لتكون على ما هي عليه من تجانس وتنافر في الآن نفسه ».

وهي لعمري مهمة شيقة وشاقة. اقتطفنا هذه الفقرة التي وردت في التمهيد ممضاة من صاحب المؤَلَّف، الباحث الإعلامي، محمد علي الحباشي لما توحي إليه من بذل وعناء في إنجاز التوليف التاريخي المترجم له والذي يؤرخ للهوية التونسية وميلاد مفهوم الأمة التونسية.

وللغرض، خصّ المؤلف بابين لعرض سيرورة الإشكالية: فصول في الأصول (الباب الأول)، تطرق في الفصل الأوّل منه إلى مُحدّد الطبيعة والمعتقدات وفي الفصل الثاني إلى التعريف بالهوية التونسية (منْ نحْنُ؟) ومُخْتتِما في الفصل الثالث ب «البلدية والآخرين، «مجد النسب » و «المجد المكتسب ». ويمكن القول أن الباب الأول طال قرابة ثلاث ألفيات من العهد البربري إلى الاستعمار الفرنسي مرورا بالفينيقيين والقرطاجنيين والرومان والوندال والبيزنطيين والعرب والأندلسيين والأتراك.
وفي الباب الثاني، الذي طال فترة دولة الاستقلال، تطرق المؤلف إلى «حملة تهذيب الألقاب » التي عالجت إشكالية تنظيم الحالة المدنية ومكنت آلاف العائلات في الستينات من الحصول على ألقاب جديدة والتخلص من الكنيات الموروثة. وبهذه الصفة، تتوالى للقارئ مرحلة أولى طويلة في تعاقب الحضارات والغزوات ، أفرزت الخليط العرقي الغربي الشرقي المتوسطي الذي جسّمته وكرّسته سياسة الحماية الفرنسية بتونس ( 1881 – 1956 ) ومنحته صيغته العالمية cosmopolite .

ثم تأتي مرحلة ثانية لم تنته بعد نشأت في رحاب الوعي الوطني الذي قادته الحركة الوطنية دفاعا عن الهوية التونسية من خطر الاندماج الفرنسي ومبرزة الشخصية العربية الإسلامية للتونسيين.
ويبدو التساؤل « من نحن؟ »، في نظر المؤلف، “تساؤلا بلا معنى والحال أن معشر التونسيين هم تونسيون بالسليقة وكفى، وهم بداهة عرب إجمالا بمن في ذلك من استعربوا من البربر وغيرهم والكل تجمعهم ديانة واحدة هي الديانة المحمدية مع أقليات يهودية ومسيحية “.

ثم يضيف أن «هذه البديهيات الثابتة تاريخيا أصْبحت محلّ أخْذ وردّ في ضوء الاستنتاجات التي توصل إليها علماء الجينات اعتمادا على التحاليل المخبرية لل ADN مثلما أقدمت عليه مؤسسة National Geographic Corporation والتي أفادت بأن الأصل العربي لا يمثل إلا 4% من مجموع التونسيين .»

ولم تكن المسألة في حاجة إلى جدل واسع طال شبكات التواصل الاجتماعي باعتبار أن مفهوم تعريب تونس وأسلمتها لم يكن قطا عرقيا بل لغويا، ثقافيا، حضاريا. وهو ما أثبتته دراسات الضاوي خوالدية(1) والمستشرقيْ الألْمعيْ «وليام مارسي (William » Marçais (2  و «غابريال كمبس (Gabriel Camps (3» . فقد أشار الباحث الضاوي خوالدية في تعريفه للبلدية من خلال « إتحاف أهل الزمان » لأحمد بن أبي الضياف إلى أن المجتمع التونسي قبل 1881 (نسبة إلى تونس العاصمة) قد انتظم انتظاما تراتبيا يختلف فيه سكان المدينة عن سكان العاصمة فكل دراسة للفئات الاجتماعية لا تراعي هذا التراتب تكون نتائجها مغلوطة فموظفو الدولة مماليك وأبناء بلاد وضباط العسكر وأصحاب الخطط الدينية القضائية «السامية » (أصيلو الداخل عادة)…يمثلون أعيان تونس العاصمة، وبالتالي لا يحتلون منزلة (منازل) في تراتب المدينة الاجتماعي التي هي (المدينة)مركز التجار والحرفيين والشرفاء والأسر الصوفية وبعض الأسر
العلمية السياسية التي كان لها دور في المجالين في عهود سابقة، لكن الطريف في المسألة أن الحاجز الذي يفصل بين عالمي العاصمة والمدينة
الاجتماعيين ليس صلب الاختراق إذ يمكن لذات أو أسرة أن تنتقل من عالم إلى آخر.

وهكذا يبدو مجتمع تونس في القرن التاسع عشر يقوم على أصول تونسية «صميمة » مثل ابن سلامة والجلولي والجويني…، وعربية وافدة في أزمنة مختلفة من المشرق العربي والمغرب العربي والأندلس مثل ابن عاشور والثعالبي والأصرم…، وتركية وافدة مثل بلهوان وبيرم وخوجة…، ومملوكية مثل سليم والقايد سبسي وعصمان … تضاف إليهم إثر انتصاب الحماية دفق النازحين من جهة قابس (الحوامية والمطاوة والوذارفة)…وجهات أقصى الجنوب (مطماطية وطمزرطية وزليطنية ودويرات وغمراسنية وغدامسية)والساحل ودواخل البلاد.

و تتلاقى دراستا المستشرقيْ « مارسي » و « كمبس » المشار إليهما في الهوامش في إبراز « العقم البربري في تأسيس دول منظمة قادرة على الاستمرارية دون اللجوء إلى دعم أجنبي أو وصاية خارجية » ( 4) من جهة وفي تنسيب المقاومة البربرية للحضور العربي في المدن أوّلا ثم الأرياف ثانيا وفي محدودية الوافدين العرب وعدم ارتباطهم بسياسة استيطانية مثل التي عرفتها شمال إفريقيا مع التوسع الروماني والرومنة.

ويفسر الانصهار البربري العربي الاسلامي بعدنهاية المقاومة « بحداثة عهد البربر بالمسيحية والتبشير اليهودي » من جهة ووجهة شبه نمط عيش البربر بالبداوة العربية من جهة ثانية. حيث يُقرّ عالم الاجتماع الفرنسي، جاك بارك Jacques Berque بكون حياة ساكن شمال إفريقيا هي عبارة عن مراوحة بين الترحال والاستقرار والانتجاع (5).
ولا أدلّ على ذلك من رفع لواء الشخصية العربية الإسلامية لسكان المغرب العربي من قبل الحركات الوطنية الثلاث التونسية والجزائرية والمغربية للتصدي لسياسة الفرنسة والاندماج (6). وقد نظّرت دولة الاستقلال لتكون قاعدة الهوية التونسية مُنْصهرا fusion صلبا عربيا بربريا تغطيه رواسب المتوسط الحضارية عبر التاريخ )فينيقية، رومانية، وندالية، بيزنطية، أندلسية، تركية، إيطالية، يونانية، فرنسية( روحه الاسلام ولسانه العربية وسعت إلى الارتقاء بالخليط إلى التوليف ( 7).
——————
٭ الحباشي (محمد علي): التونسيون. الأصول والألقاب. الحملة البورقيبية لتهذيب الألقاب. تونس، منشورات سوتيميديا، 2018 ، 193 صفحة.
الهوامش:
1خوالدية (الضاوي): الأسر والذوات التونسية في القرن التاسع عشر من خلال « إتحاف أهل الزمان » لأحمد بن أبي الضياف. تونس، 2008 )الباب الثاني:
الفصل الأول: أسر ذات جذور تونسية / الفصل الثاني: أسر وافدة: عربية، تركية، مملوكية.
(2) Marçais (William) : Comment l’Afrique du Nord a été
arabisée In Articles et conférences. Paris, Librairie d’Amérique et
d’Orient, 1961, pp. 171 – 192.
(3) Gabriel (Camps) : Comment la Berbérie est devenue
le Maghreb arabe In Revue de l’Occident Musulman et de la
Méditerranée, n°35, 1983, pp. 7 – 24.
(4) « Les Berbères…semblent…manquer de sens social
profond et d’individualité créatrice. Ils subissent, ils acceptent,
et, en même temps, se réservent. Ils se laissent modeler, et ils
restent eux-mêmes. Ils collaborent, parfois brillamment, aux
civilisations qui leur sont apportées d’ailleurs, mais ils paraissent
les abandonner sans regret, quand les vicissitudes de la vie
politique les en éloignant » In Marçais (W.) : Comment l’Afrique
du Nord a été arabisée, pp. 171- 171.
(5) « La vie du nord-africain est un battement entre le
nomadisme, la sédentarité et la transhumance » .
( 6) مالكي (امحمد) : الحركات الوطنية والاستعمار في المغرب العربي.
بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993 )القسم الثاني: الهوية والاستعمار.
بحث في صورة المغرب العربي ضمن استراتيجية الاحتلال/ القسم الثالث : التحدي
والاستجابة. مكانة الهوية في تشكل الوعي الوطني والدعوة إلى التنسيق والعمل
المشترك(.
(7) L’identité tunisienne est un socle arabo-berbère historique
drapé d’une accumulation de sédiments méditerranéens divers :
phénicien, romain, vandale, byzantin, andalou, turc, italien, grec
et français dont l’âme est l’Islam et la langue l’Arabe, présentant
l’aspect d’un melting – pot culturel. Le projet national de l’Etat
indépendant en a tenté de faire une synthèse assumée.

صدر باسبوعية “الشارع المغاربي”بتاريخ الثلاثاء 11 سبتمبر 2018

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING