الشارع المغاربي – الإيمان والكفر اقتباس لليوم عن فكر الحدّاد / بقلم نهلة عنان

الإيمان والكفر اقتباس لليوم عن فكر الحدّاد / بقلم نهلة عنان

قسم الأخبار

5 يونيو، 2021

الشارع المغاربي-بقلم : نهلة عنان (باحثة وكاتبة):ستخرج الشعوب العربية-الإسلامية من مستنقع الجهل والفاقة والتطاحن عندما تحسم أمرها حول مفاهيم الحياة والموت والكفر والإيمان. بالتأكيد هناك مفاهيم أخرى تحتاج الحسم بشأنها ولكنّها لا تعدو أن تكون ضمنية داخل الثنائيتين آنفتي الذكر، بحيث إذا حسم أمرهما جاء الحسم أيضا في المفاهيم المتفرعة عنها.

يعرّف الطاهر الحدّاد ثنائية الإيمان والكفر بجملة واحدة يقول فيها:«الإيمان هو أن تعطي من ذاتك في سبيل إيمانك، والكفر هو أن تؤمن بذاتك وتأخذ لها من إيمان الآخرين بخداعهم»…

قبل عثوري على خاطرة الحدّاد هذه، لم يعترضني تعريف أوضح ولا أصدق ولا أبلغ. فلنحلّلها على ضوء الواقع مع قليل من الاستطراد نحو الماضي.

توفّي الحدّاد عن سنّ 36 سنة أي في زهرة الشباب، ولكنّه ترك في إثره فكرا قد يعجز من عاش إلى الثمانين أن يأتي بمثله نضجا ووضوحا في الرؤية. لقد عمل «رجال الدين» الذين عاصروه على كتم صوته عندما قابلوه بالتكفير والتشهير بسبب كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» حتّى مات كمدا. هذا الفكر يزهر الآن وكلمات الرجل التي خطّها منذ نحو قرن (سنة 1933) تصف واقعنا اليوم كأنّه يعيش بيننا، وصفا أبلغ مما تقدّمه الصحافة اليومية والحوارات والتحاليل السياسية.

«أن تعطي من نفسك في سبيل إيمانك» يعني أنّ الإيمان ينتج عطاء محسوسا ملموسا. في مقابل الكفر الذي هو «إيمان بالذات وأخذ لها من إيمان الآخرين بخداعهم»… ومن ذلك نفهم أنّ الكفر ليس قولا كما الإيمان ليس قولا، إنّما كلاهما فعل بين العطاء للناس بفضل الإيمان والأخذ منهم بسبب الكفر.

لربط هذه التعريفات بواقعنا نسأل: ماذا قدّم الزعماء الإسلاميون للمجتمعات مقابل ما وعدوا من إصلاح ديني بعد أن وصلوا إلى سدّة الحكم إبّان ثورات «الربيع» العربي؟ لقد قدّموا لهم الفتن والاقتتال والفقر وتخريب الأوطان وتفكيك مؤسساتها… وماذا عنهم هم كأفراد؟ لقد اغتنوا وصارت لهم ثروات طائلة… فهل يكون اغتناء الزعماء هو أثر الإصلاح الموعود؟؟؟ فإذن، ما هذا الإيمان المدّعى الذي يأخذ من الناس ليصبّ امتيازات عينية في جيوب من يدّعيه ويدعي الذّود عنه؟؟؟ أليس هذا هو الخداع بعينه؟ فما ضرر الكفر الذي جاؤوا لينقذوا الناس من براثنه إذا كانت هذه نتيجة الإيمان المزعوم؟؟؟ إنّه فقط إيمان الزعماء بذواتهم والأخذ لها من إيمان الآخرين بخداعهم… تماما مثلما كتب الحدّاد… الأخذ من إيمان الآخرين الذين وثقوا بمن لا عهد له وبمن ليس له ما يقدّم غير الكلام مقابل ما يأخذ عينا من مال ونفوذ وامتيازات وعلوّ.

طبعا المسؤولية تلقى على عاتق من جاء بهؤلاء «الكفرة بحقّ الآخرين» الداعين إلى اجتثاث المخالفين لهم، وقد رفعهم من جاء بهم عن طريق صندوق الاقتراع ليمسكوا بزمام الحكم. قد نعذر من اغترّ للوهلة الأولى فكان حسن النيّة قليل الخبرة… ولكن من أعاد انتخابهم بعد أن رأى كيف يحكمون فقد أطلق أيديهم ليواصلوا استغلال إيمان المقلّدين المعفين عقولهم وأبصارهم فيرفل ذلك الحاكم في عرق المجتمع المنهك يعتصره مقابل الكلام والشعارات والآيات القرآنية والأحاديث النبوية… وكأنّ الإيمان بالله هو شيء غير رعاية العهد والأمانات والنهوض بالمسؤوليات.

مقياس الحقيقة في ما يكتب هو مدى تصديقه للواقع. لذلك سآخذ مثالا حيّا لمجتمع عانى من ويلات إيمان «الكفرة بحقّ الآخرين في الحياة». سأتحدّث عن مصر اليوم تحت قيادة الرئيس عبد الفتّاح السيسي. وأعرف أنّي سأجني من الشتائم ما شاء الله، وسيعبّر آخرون عن صدمتهم مما أكتب، وسيخرجني قسم ثالث من دائرة صداقتهم، وهلمّ جرّا من «الفوائد» التي يمكن جنيها من مثل هذا الطرح… ولكن لا بأس. لست بأحرص على استبقاء علاقات الودّ والصداقة على حساب قناعات صارت عندي ثابتة.

ومهما قيل عن الانقلاب العسكري في مصر والتنكّر للديمقراطية فيها، فقد تابع العالم مجريات الأحداث وكيف أنّ قائد الجيش استفتى الشعب وخرج طيف واسع منه يؤيّد التوجّه لإزاحة من خان وطنه. خيانة تمثّلت في فتح مصر للمخابرات الأجنبية بحسب أجندة التنظيم العالمي للإخوان والأطراف المتحالفة معه في المخططات الهدّامة لمنطقة الشرق الأوسط. طبعا سيرغي كثيرون ويزبدون إزاء ما أقول ونعلم جميعا من يمسك بالإعلام في العالم وكيف تقلب الحقائق عبر عشرات القنوات التي تصبّ فيها مليارات الدولارات وتوظف فيها أعلى تقنيات التصوير والإنتاج السينمائي. وأورد مثالا بسيطا جدّا يهمّ تونس عندما عرضت قناة الجزيرة أصوات المتظاهرين في ساحة باردو مع صور المليون ونصف من المشيعين لشكري بالعيد المفقود، تمزج بينهما للإيحاء بأنّ المليون ونصف هم الناطقون بالشعارات المؤيدة للحكومة حينها…وقد شاهدت ذلك بأمّ عيني ولم أنقله سماعا عن جهة أخرى…

سآخذ من مثال مصر نقطتين هما: 1- ماذا فعل الإخوان «السلميّون» في مصر بعدما أزيح رئيسهم و2- في أيّ اتجاه تسير مصر اليوم.

1- لقد عمل الإخوان منذ ذلك الحدث على مدى نحو خمس سنوات إلى حرق البلاد حرقا… ولم يخمد لهيبها إلّا بدءا من 2018… حيث كان العنوان الأوّل هو تكفير الحاكم وقتل أعوان الأمن والجيش بدعوى أنهم حماة الكفر… بعد فضّ اعتصام ميدان رابعة العدوية عاث الإخوان في البلاد تقتيلا وتخريبا ولسان حالهم: مصر إخوانية أو لتحرق بمن فيها… وهنا نسأل: من أين جاءت لأولئك الكميات الهائلة من الأسلحة بأصنافها المختلفة وقد قدّموا أنفسهم وقدّمهم الإعلام على أنّهم متظاهرون سلميّون ودافع عنهم كما لم يدافع عن أحد متستّرا على كلّ الإجرام الذي مارسوه مواصلا تقديمهم كضحية لانقلاب عسكري ظالم.

2- في أيّ اتجاه تسير مصر اليوم على مستوى بناء الدولة ودعم مؤسساتها فقياداتها تدير الحكم بعقلانية وشجاعة وتفرض احترام القانون على الجميع. ((وهنا قد يشير بعض القرّاء إلى التضييق على الصحافة وحرية التعبير عموما وأقول أنّ كثيرا من الهواة مازالوا يعطون المثل بالولايات المتحدة الأمريكية وهي أكثر دكتاتورية من حاكم مصر اليوم عندما يتعلّق الأمر بالمواضيع الحساسة… ولعلّ قضية جوليان أسانج صاحب موقع ويكيليكس أقرب مثال لذلك)).

بعد هذا القوس حول مصر نفتح الباب لنعود إلى تونس ونتأمّل حالها حيث السياسيون المزهوون بالتجربة الديمقراطية الناشئة… ونقول: أين تونس اليوم من الدولة الحديثة … بل ماذا تبقّى من معالم الدولة على هذه الرقعة من الأرض؟؟؟ ما هو حال المؤسسات السيادية للبلاد كالبرلمان والحكومة والقضاء؟؟؟ ما هو حال الخدمات العامّة فيها من إدارات ومستشفيات وبلديات ومرافق حيوية كالنقل؟؟؟… كثير من الأفراد فرحون بحرية التعبير والجواب الضمني نراه عبر آليات تحصيل الحقوق عن طريق القضاء المستقلّ «جدّا» وهو «أنبح وكان نجّمت تحصّل حاجة إيجا قابلني»…

منذ الثورة عمل الإسلاميون وأنصارهم على نسف كلّ ما حققته تونس منذ الاستقلال كدولة… فيما عدا الامتيازات التي كان يقدّمها النظام السابق للموظفين السامين من سيارات إدارية ووصولات بنزين ومساكن مدفوعة الأجر وخاصّة وبالذات الحصانة البرلمانية… حيث يحاسب ابن الشعب بينما يعتصم «نائب» هذا الشعب بالحصانة ولو أقدم على أفظع الجرائم ضدّ القانون… فقط علينا أن نتذكر تدخّل النائب سيف الدين مخلوف في المطار لمنع الاجراءات الاحترازية في حقّ مشتبه بها، أو تصريحات راشد الخياري التي تتهم رئيس الدولة بخروقات جسيمة أو قريبا، سعيد الجزيري الذي تحوّل القضاء والنيابة العامّة معه سلطة لانتهاك القانون بدل تنفيذه… سعيد الجزيري الذي يستعمل قناته لتكفير البعض وإعطاء صكّ للإيمان للبعض الآخر…

وعودة إلى فكر الحدّاد عن الإيمان والكفر يقول في خاطرة أخرى: «التفكير بدء الحياة، ولكننا نضع في وجهه سلاح التكفير لنثير عليه الشعب فمن أين نبدأ الحياة التي نطلبها للشعب؟»

ألا يصدمنا أنّ هذا كان كلاما قيل سنة 1933 ؟؟؟ ألسنا حول المشروع الإخواني في تونس بصدد تركيع لدولة القانون لفائدة خطاب ديني لا علاقة له بكرامة المواطن ولا بالمسؤوليات المترتبة عن الإيمان الحقّ بالله العظيم (كما ليبيا وسوريا والسودان وقد أفلتت منه مصر السيسي)؟؟؟ أليست الممارسات ذاتها اليوم مع تغيّر الأسماء؟؟؟ ألم يكن الحدّاد مطالبا بحقوق للمرأة من أجل النهوض بالمجتمع فعُزل ونبذ وشهّر به؟؟؟ إنّ نصيب الحدّاد شبيه بنصيب شكري بالعيد الذي كان يدافع عن ثورة الكرامة ضدّ المؤمنين بذواتهم المتحصنين بالخطاب الديني… وقد حذّر من الإسلاميين في لجوئهم للعنف المسلّح عندما يخشون خسارة مواقعهم…؟؟؟ بالعيد الذي لم يكتف القتلة بإزهاق روحه بل عمدوا إلى نعته بالكفر والإلحاد وتشويه سمعته بادعاءات عليه وعلى زوجته المكلومة بأقوال يندى لها الجبين… فمن كان يطلق العنان لأولئك المكفّرين والمشوّهين الذين كانوا جماعات حيث لم نسمع بأنّ أيّة جهة رسمية من الدولة وجهت لهم تهمة بالثلب أو منعتهم من حملاتهم المسعورة؟؟؟

القفز إلى تكفير الآخر والتقدّم للحكم بدعوى الإيمان بالله هو أكبر شكل لتضييع حقّ المواطنين الذين لا عزاء لهم كأفراد إذا كان غير الإسلاميين من نواب الشعب ساكتون عن دكّ أركان الدولة مستكينون لتقاسم امتيازاتهم… لا عزاء للمواطنين كذلك إذا رأوا أعلى هرم في السلطة لا يحرّك ساكنا ومكتف بين الفينة والأخرى بإطلاق تصريحات نارية في شكل «طلّع تربح»… !!!

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 1 جوان 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING