الشارع المغاربي – بورتريه/ لسعد اليعقوبي... نقابي أم شيء آخر ؟

بورتريه/ لسعد اليعقوبي… نقابي أم شيء آخر ؟

27 أبريل، 2018

الشارع المغاربي – وليد أحمد الفرشيشي: لا شكّ أنّ لسعد اليعقوبي، مدرّس الفيزياء والكاتب العام لنقابة الثانوي، يشكّلُطفرة صداميّةضمن أطر العمل النقابي. ذلك أنّ هذا الرجل الذي أهّلتهُ «ميديا» ما بعد الثورة لاحتلال موقع رياديّ في الفضاء العام، بفضل صراعاته المفتوحة على اللامتوقّعِ، يصرُّ على المضيّ قدمًا في حربهِ ضدّ السلطة (هنا لم نخطئ التعبير) جارًّا وراءهُ الجميع، أساتذة وأولياء ومنظمة شغيلة وسلطة إشراف، إلى مرّبع ضيّقٍ لم يعد الحوارُ قادرًا على تثبيت أضلاعهِ المهتزّة.

بل إنّ أحد أبرز إحداثيّات هذه الظاهرة الصداميّة، المعجونةِ في جرنِ الأيديولوجياإذ انّه ينتمي إلى إحدى أعرق العائلات السياسيّة، أي العائلة القوميةهي الغموضِ المحيط بشخصيّتهِ وبتاريخهِ وربّما بمستقبلهِ، هو الذي تبدو المعلومات شحيحة عنهُ باستثناء تصريحاتهِ الصداميّة التي تنقلها عنهُ وسائط الميديا أو تصريحات خصومهِ أو مؤيّديه، تلك التي لا تنجح في رسمِ صورة تقريبّية عنهُ بقدر ما تنجحُ في ملء كلّ الفراغات بعلّيق القلق والحيرة وحتّى الارتياب.

فبين من يراهُدون كيشوتنقابيا يحاربُ طواحين السلطة وحتى منظمتهِ الأمّ بحثًا عن مجد شخصيٍّ، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح المربيّن والأولياء والتلاميذ، وبين من يراهُمناضلاًصلبا تتكسرُّ عند حوافِّه الصخريّة كلّ مؤامرات السلطة لتركيع القطاع التربويّ، تبدو المسافةُ بين الرأيين خاضعة للتوظيفِ والانفعال، إلى درجة أصبح معهاملك الطباشيرصورة انفعاليّة لا يمكنُ الحكم لها أو عليها.

ملك الطباشير“…في مواجهة الطواحين

فهذا الرّجل الذي استعدى جزءا هاما من الأولياء إلى حدّ التهديد بمقاضاتهِ، والذي تتهمّه قطاعات واسعة، حتى من داخل المنظمة الشغيلة، بأنّه جامح ولا ينصت إلاّ لنفسهِ، لا يعرفُ عنه الكثير سوى أنّه مدرّس فيزياء وأحد خرّيجي دار المعلمين العليا ببنزرت، بدأت مسيرته النقابيّة، رسميًّا، عندما التحق خلال مؤتمر 2005 بالجامعة العامة للتعليم الثانوي، قبل أن يتقلّد سنة 2011 منصب الكتابة العامة قبل ان يتمّ التجديد له في سنة 2014.

هنا يقولُ خصومهُ إنّ صعودهُ إلى الكتابة العامة في سنة 2011 ارتبط بصعود سامي الطاهري إلى عضوية المكتب التنفيذي للمنظمة الشغيلة، في ما يشبهُ حشرهِ في زاوية ضيّقة هي زاويةالتابع“. وسواء كان هذا صحيحًا أو محض اختلاق، فإنّملك الطباشيركشف منذ البداية عن مخزونهالحربيّمع كلّ الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية، بدءًا من الطيب البكوش في حكومة الباجي قائد السبسي، مرورا بعبد اللطيف عبيد، ممثّل حزب التكتل في حكومة حمادي الجبالي، وانتهاءً بوزيري نداء تونس ناجي جلّول وحاتم بن سالم.

وخلال هذه السنواتِ التي قضاها على جبهته الأثيرة، أيّ استهداف وزراء التربية، لم يسلم منه سوى سالم الأبيض، وزير التربية في حكومة علي العريّض، ربّما لانتمائهما إلى نفس العائلة السياسية بل ونفس التيار السياسي، أي حركة الشعب التي انفصل عنها التيّار الشعبي، إلى درجة اتهامه في ذروةِ حربه مع ناجي جلوّل، بأنه يسعى إلى إعادة سالم الأبيض على رأس الوزارة، حتى وإن كلّفه ذلك جسّ نبض حركة النهضة.

مرّة أخرى لا يمكنُ الوثوق بما يقول عنهُ خصومه، السياسيين وغير السياسيين، وإن كان الأمرُ لا يبدو مستبعدًا، هذا إذا استندنا الى  مصادرنا داخل المنظمة الشغيلة نفسها، خاصة أنّه كان قاب قوسين أو أدنى من الخروج من الباب الصغير، تماما كالكاتب العام لنقابة التعليم الابتدائي، المستوري القمودي، في إطار ما يعرفُ بترتيب البيت الداخلي للمنظمة الشغيلة.

وخلال هذه المحطاتالمنهكةلأعصاب التونسيين الذين باتوا يشكون في نوايا لسعد اليعقوبي، لا في وجاهة مطالب المربيّن، لا يعدم خصوم الرّجل المداخلَ لإبراز شخصيّته المتهوّرة والعنيفة في تعامله مع وزراء التربية المتعاقبين، وخدمته اجندات غيرالأجندة النقابيةمثلما ورد في تصريحات وزير التربية الأسبق عبد اللطيف عبيد أو أيضًا ناجي جلول، الذي شهد عهدهُ، انتقال الصراع إلى ذرى أخرى كان التلاسنُ والثلب والاضرابات المتكرّرة والتهديد بحجب الأعداد رأسمالها الوحيد.

بل إنّ ملك الطباشير لم يعدم الفرصة لفتح جبهة أخرى وهذه المرّة في اتجاه منظمته الأمّ أي المنظمة الشغيلة عندما قال في تصريح إذاعي، أياما قبل انعقاد المؤتمر الأخير للاتحاد، إنّهناك أزمة تقييم داخليّ صلب الاتحاد العام التونسي للشغلوإن المنظمة الشغيلة حادت عن مسارها الفعليّ وانخرطت في المسار السياسي للبلاد وتدخلت في تعيين الوزراء مما أضرّ بموقف الاتحاد في ملفات كثيرة“.

تصريحٌ كهذا، حتى وان اعتبر تصريحًا انتخابيًّا، كلّف اليعقوبي السقوط في المؤتمر في البداية ثمّ تحجيم دورهِ داخل المنظمة في مرحلة ثانية، وحشرهِ في الزاوية في مرحلة ثالثة، قبل أن يتمكّن من العودة مجدّدًا مستفيدًا من تباين الرؤى صلب المنظمة الشغيلة، وتحديدًا بين نورالدين الطبوبي وبوعلي المباركي، قبل أن يوفّر التصعيد الحاصل بين المنظمة الشغيلة وحكومة يوسف الشاهد، جرعة أوكسجين معتبرة للرّجلِ الذي يقولُ خصومه إنّه يقودُ معاركه ضدّ طواحين هواء بحثًا عن مجدٍ شخصيّ، حتى لو قام بالتضحية بالجميع، مربين وتلاميذ.

مناضل من طينة نادرة !

إلا أنّ آراء خصومِه سرعان ما تجد لها مسفّهين، داخل القطاع التربويّ وحتى داخل المنظمة الشغيلة. ذلك أن أنصارهُ يعتبرون اليعقوبي سليل نضالات سابقة على تقلّدهِ منصب الكتابة العامة، سواءً من خلال نضالاته الجامعية أو انتمائه المبكّر إلى الجامعة العامة للتعليم الثانوي، التي كانت وما تزال شوكة في حلق الأنظمة المتعاقبة، بل كانت شوكة حقيقية في حلق النظامِ البائد.

وفي هذا المعتركِ، عجن لسعد اليعقوبي، الذي لا يخفي انتماءهُ القطاعيّ على حسابِ انتمائه الأيديولوجيّ، الأمرُ الذي يردّ عنهُ شبهة خدمةأجندات أخرىغير أجندة قطاع التعليم الثانوي. كما يفنّدُ أنصارهُ ما يروج عن شخصيّته المتهوّرة والمتصلّبة مؤكدين أنّه مفاوض ماهر، منفتح، ومنصت جيّد لكلّ اقتراح لا يمسُّ مصالح المربيّن والتلاميذ على حدّ سواء.

إلاّ أن هذه الآراء المساندة سرعانَ ما تجدُ نفسها عاجزة عن تفسيرتشنّجهِالمتواصل في خرجاته الإعلامية أو بحثهُ المتواصل عن الحلول القصوية إلى الحدّ الذي يفرغُ العمل النقابي من آلياته النضاليّة، أو عدم رضا قيادة الاتحاد عن تصرّفاتهِ وهو الذي جرّها في أكثر من مرة إلى معارك ثانويّة، اعتبرت تشويشًا على استراتيجيّة الاتحاد.

بل إنّ اكثر من مصدرٍ داخل المنظمة النقابية أسرّ لنا أنّ قيادة الاتحاد بوغتت بالتصعيد الأخيرِ للسعد اليعقوبي، سواءً تعلق الأمرُ بحجب الأعداد أو بتعليق الدروسِ، وأن ذلك ما جرّ القيادة فيما بعد، إلى سحب ملف التفاوض مع سلطة الاشرافِ منه، والدخول إلى أتونِ معركة لم يستعدّ لها الاتحاد جيّدًا، في ظلّ الغضب المتصاعدِ للأولياء من جهة إلى حدّ التهديد بمقاضاة اليعقوبي، علاوةً على جبهةوثيقة قرطاج 2، التي تعتبرها القيادةُ ملفّا يحتلّ الأولوية المطلقة ضمن أجندتها، ملف لا يحتملُ خوض معارك عبثيّة، ما دام التقييمُ سيشملُ كامل الأداء الحكومي لا وزارة التربية فقط.

ومهما يكن من أمر، فإنّملك الطباشير، سواءً شنّع عليه خصومهُ أو دافع عنه أنصارهُ، وضعَ نفسهُ في مواجهة مع الشارع التونسيُّ مباشرةً، أولياء وتلاميذ، حتى أن جزءًا من المربيّن وجد ضالته على صفحات التواصل الاجتماعيّ، متبرّئينَ منمعركةاليعقوبي، ومن تصعيده الذي ينسفُ آليات العمل النقابي.

وإذا كان صحيحًا أنّ مطالب الأساتذة المربّين تظلّ أكثر من مشروعة، في ظلّ تلكئ الحكومات المتعاقبة على فتح ملفّ قطاع التربية بالجديّة المطلوبة، علاوة على التراجع الحاصل في منظومة التربية العمومية وتدهور البنية التحتية إضافة إلى تدهور الوضع الاجتماعي للمربيّ، فإنّه من المهمّ بمكان التذكير بانّ صبر الأولياء بدأ ينفد وانّ علكة التطمينات لا يمكنُ أن تبدّد الصورة النمطية لملك الطباشير في ذهنيّة شعبٍ يرفضُ أن يُتخذ أبناؤهُ رهائن في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING