الشارع المغاربي-بقلم عائدة بن سليمة (متفقد رئيس بالديوان الوطني للملكية العقارية): يعود إحداث ادارة الملكية العقارية الى تاريخ غرة جويلية 1885. ويُعنى هذا الهيكل العريق بمسك السجل العقاري وحفظ حق الملكية وجميع الحقوق المترتبة عنه بالإضافة الى اشهارها لدى العموم في إطار وظيفته “كشهر عيني”.
تشكل الرقمنة واقع ملموس تعيشه أغلب دول العالم في جميع القطاعات، بما فيها القطاع العقاري باعتباره قاعدة أساسية في الحياة لاقتصادية و الاجتماعية ، وقد اعتبر وزير أملاك الدولة و الشؤون العقارية محمّد الرقيق “إن التحوّل الرقمي ليس مجرد اختيار بل أصبح اليوم مسارا حتميا في ظل الثورة المعلوماتية، التّي يشهدها العالم وبالتالي فإنّ تحوّل مؤسسات الدولة من الإدارة بصورتها التقليدية إلى الإدارة الإلكترونية أضحت من الضرورات الحتمية التي يجب أن تسعى إلى تطبيقها كل دولة عصرية تريد أن تواكب تطورات عصر الثورة الرقمية المعلوماتية وذلك لما لها من إيجابيات خاصة في مجال قياس مؤشر أداء المرافق العامة، وما تقدمه من خدمات”.
ونظرا لحالة التأكد سارع الديوان الوطني للملكية العقارية بالانخراط في الخطة الاستراتيجية للحكومة التونسية وهو ما يعد تحد من نوعه.
مسار الديوان الوطني للملكية العقارية في مواكبة التحول الرقمي
يزخر الديوان الوطني للملكية العقارية بالكفاءات البشرية المتخصصة وبفضل وجود بنية تحتية متطورة تم تركيز موقع الكتروني خاص بالديوان وذلك في إطار تقريب الخدمات من المواطن وتحسين علاقته بالإدارة. فقد تم سنة 2018 وكمرحلة اولى تركيز خدمة الحصول على شهادة ملكية دون التقيد بمرجع النظر الترابي، حيث أصبح بإمكان المواطن التوجه الى اي فرع جهوي تابع للديوان للحصول على شهادة ملكية عقاره المسجل. ثم وفي مرحلة ثانية سنة 2019 تم تركيز خدمة امكانية الاطلاع على الرسوم العقارية على الخط، الامر الذي سهل مهمة المتعاملين مع الادارة خاصة من الهيئات المختصة كمحامين وعدول اشهاد حيث يعتمد وصل الاستخلاص الالكتروني في تحرير الكتائب والحجج التي يبرمونها.
وحتى لا يكون عائقا امام تطور وازدهار مناخ الاعمال في تونس وعقبة امام تطور المؤسسات فقد سرع الديوان الوطني للملكية العقارية في وتيرة الانخراط في التحول الرقمي وذلك بتوسيع مجال الخدمات المركزة على الخط التي تم انطلاقها في 29 مارس 2022 لتشمل خدمات فورية وهي:
• الاطلاع على الرسوم العقارية عن بعد وقائمة العمليات الجارية على الرسم
• استخراج نسخ من الرسوم العقارية
• استخراج شهادة ترسيم عمليات عقارية
وخدمات غير فورية يتطلب انجازها وقتا للتدقيق للتأكد من ثبوت حالتها القانونية وهي:
• استخراج شهادة ملكية وشهادة اشتراك في الملكية
• استخراج شهادة عدم ملكية
• استخراج شهادة استقصاء حول ملكية رسوم عقارية
• استخراج مراجع تسجيل صك
ويتم ذلك عبر النفاذ الى الموقع الالكتروني للديوان وتعمير مطلب على الخط واستخلاص معلوم الخدمة الكترونيا ويشمل ثمن الخدمة العادي المضبوط قانونا يضاف اليه مبلغ 5د معلوم الخدمة على الخط ويتم ذلك كامل اليوم وعلى امتداد كامل ايام الاسبوع، حيث ان الادارة الرقمية ادارة بدون مكان ولا زمان والتمتع بخدماتها غير مرتبط بالتوقيت الاداري. والوثيقة الالكترونية لا تقل قيمة على الوثيقة الورقية حيث تتضمن ختما الكترونيا مرئيا QR code يتم التثبت منه بواسطة التطبيق التابع للوكالة الوطنية للمصادقة الالكترونية QR check.
ولقد انطلق الديوان الوطني للملكية العقارية في التبادل البيني للمعطيات مع عديد المؤسسات والمنشآت العمومية مثل السجل الوطني للمؤسسات، بلدية تونس ولاحقا المحاكم وذلك إثر اصدار الامر الحكومي عدد 777 بالرائد الرسمي بتاريخ 6 اكتوبر 2020 يتعلق بضبط شروط وصيغ واجراءات تطبيق احكام المرسوم عدد 31 لسنة 2020 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات بين الهياكل والمتعاملين وفيما بين الهياكل، فيما يعرف ب ” التبادل البيني للمعطيات”.
الرقمنة رافد للتنمية والازدهار ولكن…
وان كانت الغاية من تطوير اساليب العمل داخل الديوان الوطني للملكية العقارية بتوظيف التكنولوجيات الحديثة هي توفير خدمات ادارية سهلة النفاذ ذات جودة عالية وتتوفر فيها مقومات النجاعة والسرعة والشفافية، الامر الذي يساهم في تخفيف العبء والتكاليف على المواطن، الا ان الاقبال على هذه الخدمات ما يزال محتشما وضعيفا مقارنة بماهو منشود.
فاعتماد اساليب الرقمة في العمل الاداري بالديوان الوطني للملكية العقارية سهل إدارة المستندات والبيانات بشكل إلكتروني وقلل من الاعتماد على الأوراق. حيث يمكن للديوان تخزين المعلومات بشكل آمن وتنظيمها بشكل أفضل. كما ان مزيد تفعيلها سيساهم في تخفيض النفقات، ربح الوقت، خفض كلفة التنقل واستهلاك الوقود، وبالتالي تفادي المعاملات الورقية والعلاقات المباشرة بين الاداري والمواطن والتقليص من الاكتظاظ امام شبابيك الادارة. هذا الى جانب تحقيق الشفافية من خلال توفير وسائل سهلة للوصول إلى المعلومات، وضمان مبدا المساواة امام المرفق العمومي وذلك بتوفير الخدمات بشكل عادل ومتساوٍ لجميع الفئات دون تمييز. ولمزيد اضفاء الجدوى والشمولية على الخدمات التي يقدمها الديوان، لا يجب ان يقتصر مجال الرقمنة على الخدمات الاشهارية بل لا بد ان يمتد لاحقا ليمس وظيفة الترسيم.
ولكن رغم تعدد فوائد الرقمنة فقد إثر غياب ثقافة الادارة الرقمية لدى كل من الموظف والمواطن في نسق توظيفها واستخدامها. حيث ان نسبة المطالب المودعة على الخط بات محتشما وضئيلا مقارنة بعدد المطالب المودعة مباشرة بشبابيك الديوان الوطني للملكية العقارية ويفسر ذلك بعدم التعريف بهذه الخدمة من جهة وعدم التحسيس والتوعية بنجاعتها من جهة ثانية وطابعها الاختياري من جهة ثالثة.
كما ان الولوج الى الخدمات على الخط يبقى حكرا على فئة معينة من المواطنين دون غيرها ويمتد فقط الى مناطق مجهزة بالإنترنت بالإضافة الى ان اساليب دفع معلوم الخدمات عن بعد يستوجب توفر حساب بنكي او بريدي جاري.
وللتسريع في نسق التعامل الرقمي، على الدولة ان تعمل على تقليص الفجوة الرقمية بين الجهات من جهة وان تكون أكثر صرامة في ارساء ادارة رقمية كاملة وشاملة عبر التعريف المستمر بالخدمات على الخط لدى المواطن وبقية هياكل الدولة من جهة اخرى، ذلك ان المثير للاستغراب ان بعض المؤسسات الحكومية ترفض قبول واعتماد الوثيقة الالكترونية ويعزى ذلك لغياب التنسيق بينها )شهادة ملكية الكترونية لا يتم اعتمادها من قبل البلدية او الشركة الوطنية للكهرباء والغاز).
- نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 22 اوت 2023