الشارع المغاربي – احتياطي‭ ‬النقد‭ :‬مُدّخرات‭ ‬حقيقية‭ ‬أم‭ ‬فقاعة‭ ‬مدخرات؟

احتياطي‭ ‬النقد‭ :‬مُدّخرات‭ ‬حقيقية‭ ‬أم‭ ‬فقاعة‭ ‬مدخرات؟

قسم الأخبار

23 أبريل، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي:تداولت وسائل الاعلام التونسية الأسبوع الفارط، ما أبرزته آخر احصائيات البنك المركزي التونسي من ارتفاع ملحوظ في مدخرات العملة الاجنبية وبلوغها 24 مليار دينار او ما يعادل 130 يوم توريد رغم تواصل تراجع جل المؤشرات الاقتصادية وارتفاع التضخم النقدي، مما يطرح عدة أسئلة بخصوص المكونات الحقيقية لاحتياطي النقد واستمرار تماسكه الى مستوى آمن نسبيا.

وبإجماع العديد من المعاهد المتخصصة في الدراسات المالية والخبراء الاقتصاديين، تشهد المؤشرات النقدية والمالية هذه الفترة مشاكل كبرى على مستوى وثوقيتها سيما في ما يتعلق بالمديونية وبمؤشر ارتفاع الاسعار ورصيد الميزان التجاري علما ان مستوى احتياطي النقد الأجنبي لتونس يتجاوز، على سبيل الذكر، المستوى المسجل في أحد أكثر البلدان تقدما من الناحية الاقتصادية في أوروبا وهو الدنمارك (120 يوم توريد) وذلك حسب احصائيات البنك الدولي.

احتياطي النقد…فقاعة قروض

تسعى السلط التونسية باستمرار الى إبراز مؤشرات لامعة لإظهار “نجاحات” وهمية في مجال السياسة المالية في ظل قطاع خارجي منهار ووضوح المغالطات المحاسبية. وقد أصبح الأمر مكلفا للتونسيين سيما في مستوى أمنهم الغذائي والصحي والايفاء بحاجاتهم على صعيد توريد معدات وحاجات أساسية تعمل الجهات الرسمية على تعطيلها بشكل او بآخر للحفاظ على ارقام مصطنعة تهم اساسا احتياطي النقد الأجنبي و”الحفاظ” على سعر صرف الدينار الذي لا تعكس تسعيرته بأي حال قيمته المنهارة ومن وراء ذلك وضعية التونسيين المتدهورة في ما يتعلق بالمعيشة وبالنفاذ الى أبسط المرافق العمومية.

وكان البنك الافريقي للتنمية قد نبّه مؤخرا البنك المركزي التونسي إلى أن تضخيم المدخرات على حساب الإنفاق التنموي والتدخلات الاجتماعية الضرورية يضعف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية ويمكن أن يطيح بتوازنات مالية حساسة لتونس.

ولتأكيد هذا المعطى تبرز مذكرة وزارة المالية حول نتائج تنفيذ ميزانية الدولة لشهر نوفمبر الفارط أن مدفوعات مصاريف التجهيز والتنمية للعام الحالي، داخليا وخارجيا، هي الأضعف منذ 2011 بحساب الاسعار القارة حيث لم تتجاوز 3319 مليون دينار وهو ما يعادل 945 مليون أورو فحسب.

رغم نفي البنك المركزي التونسي باستمرار ان تكون موجودات العملة الأجنبية متأتية من القروض الخارجية وتشديده على ان ارتفاعها يأتي في إطار سياسة متكاملة لتثبيت الدينار والتوقي من مخاطر الصرف، فقد بين البنك وفق آخر قائماته المالية المفصح عنها لعام  2020، ان الموجودات بالعملة الأجنبية سجلت ارتفاعا بـ 3707.7 مليون دينار لتصل إلى 23430.1 ملیون دينار في نھایة السنة المالیة بزیادة قدرھا 18.8 بالمائة مقارنة بالعام السابق، وذلك بشكل رئیسي بسبب تعبئة القروض الخارجية.

وتتمثل أھم التدفقات المحصلة بعنوان القروض الخارجية في سنة 2020 حسب قائمات البنك المركزي كالاتي:

• 371.4  ملیون أورو تتعلق بقرض صندوق النقد الدولي في إطار أداة التمویل السریع بتاریخ 15 افریل  2020

•  341.8  ملیون دولار تتعلق بقرض صندوق النقد الدولي في إطار أداة التمویل السریع بتاریخ 16 افریل  2020

•  180ملیون أورو تتعلق بقرض البنك الافریقي للتنمیة في إطار برنامج دعم مجابھة جائحة كورونا بتاریخ 27 نوفمبر 2020

•  161ملیون أورو تتعلق بقرض البنك الدولي للإنشاء والتعمیر في إطار برنامج دعم سیاسات الانتعاش وتعزیز المرونة بتاریخ 9 دیسمبر 2020

•  100 ملیون أورو تتعلق بقرض البنك الالماني للتنمیة بعنوان برنامج اصلاح قطاع المیاه بتاریخ 28 جویلیة  2020

•  59 ملیون دولار كقسط من القرض التلقائي 7 البالغ 14.381 ملیون دینار عربي حسابي الممضى مع صندوق النقد العربي في 20 ماي 2020 وذلك بتاریخ 3 جوان 2020

• 58.9  ملیون دولار كقسط من قرض صندوق النقد العربي البالغ 23.986 ملیون دینار عربي حسابي في إطار تسھیل التصحیح الھیكلي 7

• 50  ملیون أورو وتمثل القسط الثاني من قرض الوكالة الفرنسیة للتنمیة البالغ 100  ملیون أورو في إطار برنامج حوكمة المؤسسات العمومیة.

بالإضافة إلى ذلك، ابرزت معطيات البنك المركزي التونسي انه تم سداد القرض الرقاعي بقیمة 400 ملیون أورو وسداد القسط الثاني بمبلغ 250 ملیون دولار أمریكي من الاكتتاب الخاص القطري بقیمة ملیار دولار امریكي.

ادارة احتياطي النقد التونسي تضعف مناعة الاقتصاد

يشمل احتياطي النقد الخارجي، وفق تعريفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الأصول التي يحتفظ بها البنك المركزي كاحتياطي بالعملات الاجنبية.  ويمكن أن تشتمل هذه الأصول على السندات والودائع وما يحوزه البنك المركزي من عملات أجنبية بالإضافة إلى ما يملك من احتياطي الذهب، وأذون الخزانة والسندات المالية السيادية الأخرى، فضلا عن صافي رصيد الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي.

ويتم الاحتفاظ بهذه الأصول في البنك المركزي بمختلف أنواع العملات، ولكن غالباً ما يتم الاحتفاظ بها بالدولار الأمريكي وبالعملة الأوروبية ( الاورو) والجنيه الاسترليني واليان الياباني. وتعتبر الاحتياطيات من النقد الأجنبي أداة تدخل سريع لتحقيق مجموعة من الاهداف الاقتصادية الكلية التي تتمحور اساسا حول ما يلي:

• حماية العملة الوطنية من خلال إدارة سعر الصرف، فمن خلال شراء وبيع جزء من هذه الاحتياطيات في سوق الصرف يؤثر البنك المركزي على سعر العملة الوطنية. ففي حالات انخفاض العملة الوطنية يقوم البنك المركزي بشرائها مقابل بيع جزء من العملات الأجنبية التي بحوزته. وفي حالات الارتفاع يشتري العملات الأجنبية ويبيع العملة الوطنية. غير ان البنك المركزي التونسي يعتمد نظام سعر الصرف الثابت بما يجعل منه المحدد الفعلي والوحيد لسعر صرف العملة الوطنية خارج تأثير توازنات السوق النقدية وهو ما يطالب صندوق النقد بتغييره نحو اعتماد سعر الصرف “المرن” بما يعكس القيمة الحقيقية للعملة الوطنية.

• تعزيز النمو الاقتصادي، إذ تستخدم احتياطيات العملات الأجنبية للحفاظ على قيمة العملة في وضعية تنافسية مقارنة بالعملات الاجنبية عبر تعويمها بما يمكن من رفع مستوى الصادرات والاستثمار ولكن تونس تخشى من اتباع هذا التمشي بحكم تركز تعاملاتها مع الاتحاد الاوروبي وعجزها التجاري المرتفع، من جهة وغياب الارادة لاعتماد سلة عملات قوية تحتوي على اليوان الصيني وعملات بلدان البريكس على سبيل المثال وذلك لاعتبارات سياسية بحتة، من جهة أخرى.

• تعزيز ثقة الدائنين في الاقتصاد الوطني وفي قدرة الدولة على الايفاء بالتزاماتها المالية الخارجية، وتشجيع وكالات التصنيف الائتماني على إصدار تصنيفات ائتمانية جيدة وذلك لأن احتياطي النقد الأجنبي يبقى مقياساً مهما يمكن أن يعكس مستوى الجدارة الائتمانية للدولة ومدى قدرتها على سداد ديونها الخارجية. ولكن من شأن اعتبار تونس دولة ذات دين غير قابل للتحمل ودعوتها من قبل صندوق النقد لجدولته ان يضعف مستقبلا الموقع الخارجي لتونس وبالتالي سعر صرف عملتها.

• الحفاظ على السيولة أثناء الأزمات الاقتصادية . فعلى سبيل المثال، خلال زمن الازمات المالية، تنخفض القدرة الانتاجية وبالتالي تتراجع قيمة الصادرات من البضائع وكذلك قيمة العملة الواردة كثمن لهذه البضائع. وكنتيجة منطقية تقل البضائع المستوردة لشح السيولة، وفي هذه الحالة، يقوم البنك المركزي بتحويل جزء من العملات الأجنبية إلى العملة المحلية ويستقبل الواردات. ويعاني الاقتصاد التونسي، في هذا الاطار، من تواصل ارتفاع عجزه التجاري الذي يصل الى 16215 مليون دينار (نظام عام وغير مقيم) وهو الذي تتم تغطيته بقروض مزودين قصيرة المدى لا يتم الافصاح عنها. وفي صورة تصحيح الوضعية وطرح هذا الرصيد من احتياطي النقد الخارجي، فان رصيد المدخرات بالعملة الاجنبية ينخفض الى نحو 8 مليارات دينار اي ما يعادل 30 يوم توريد فقط.

وعموما، لا تتشكل الاحتياطيات من العملة دفعة واحدة، فهي عملية تراكمية مثل  كل العمليات التجارية والاستثمارية بعيدة جدا عن منطق تكديس القروض الخارجية وعدم توجيهها لأغراض تنموية فعلية او التقليص الممنهج في توريد المعدات ولوازم التجهيز .  وبشكل عام،  يعد ارتفاع الاستثمارات، وزيادة الصادرات مؤشراً قوياً على تحسن الأداء والنشاط الاقتصادي عكس ارتفاع الاحتياطيات من الاقتراض الأجنبي الذي لا يعكس تحسناً في النشاط الاقتصادي الحقيقي للدولة، بل هي مبالغ ستستخدم في سداد الالتزامات المترتبة عن هذا الاقتراض وأعبائه في الفترات اللاحقة، لا غير.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 افريل 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING