الشارع المغاربي – التأمين‭ ‬الاجتماعي‭ :‬مغالطات‭ ‬بالجملة‭ ‬للسلطة

التأمين‭ ‬الاجتماعي‭ :‬مغالطات‭ ‬بالجملة‭ ‬للسلطة

قسم الأخبار

27 فبراير، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: التقى مالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية يوم الجمعة 18 فيفري الجاري بـ “ماركوس كورنارو” سفير ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس لمتابعة تقدم المشاريع المشتركة بين الطرفين وبحث سبل تعزيز التعاون المشترك وتطويره سيما في مسألة الحماية الاجتماعية والهجرة والاحاطة بالفئات الضعيفة ومحدودة الدخل، وفق بلاغ للوزارة.

وقبل ذلك، التأمت يوم الاثنين 14 فيفري 2022 جلسة عمل جمعت الوزير بفريد بلحاج نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لمتابعة مشروع تمويل”الحماية الاجتماعية”علما ان البنك الدولي كان قد أعلن منح تونس قرضا بـ 400 مليون دولار لتنفيذ “إصلاحات ذات بعد اجتماعي” وذلك بشكل فعلي لإعانة مليون عائلة فقيرة مثلما حدث في سبتمبر الماضي. وقد دأبت السلط منذ مدة على اعتماد مغالطات في مجال التأمين الاجتماعي تقوم على اختزاله في مجرد تقديم اعانات ظرفية هزيلة توزعها الحكومات في الواقع منذ عقود تخفيفا للضغط الاجتماعي عند اشتداد أزمات الفاقة والاحتياج.

أربع مغالطات كبرى للسلطة في مجال التأمين الاجتماعي

وفي هذا الإطار، جمع منتدى سياسة الضمان الاجتماعي الشامل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال ندوة افتراضية انتظمت يوم 8 فيفري، تحت عنوان “الضمان الاجتماعي الشامل: استكشاف القيود والإمكانيات الاقتصادية والمالية”

مجموعة من الباحثين لتفكيك بعض المفاهيم الخاطئة او بالأحرى المغالطات التي تروجها السلطة حول الحماية الاجتماعية.

وقد تطرّق الباحثون خلال هذه الندوة الى أربع مغالطات حول تمويل الحماية الاجتماعية لتوضيحها وإعطاء البدائل.

المغالطة الأولى: الدول الفقيرة غير قادرة على الانفاق على نظام الحماية الاجتماعية

تعرّف منظمة العمل الدولية الحيز المالي باعتباره “جملة الموارد المتاحة نتيجة الاستكشاف النشط واستخدام جميع مصادر العائدات المحتملة من قبل الحكومة”. ويحيل هذا التعريف، حسب المنتدى، الى امكانية استغلال الحكومة مجموعة متنوعة من الخيارات لتعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل الصناديق الاجتماعية على غرارتوسيع مجال تغطية الضمان الاجتماعي وتطوير نسبة المساهمين فيه وإعادة تخصيص النفقات العامة والترفيع في الموارد الجبائية والضغط والتأثير من أجل زيادة المساعدات والتحويلات للصناديق الاجتماعية.

كما يحيل التعريف الدولي الى أهمية القضاء على التدفقات المالية غير المشروعة واستخدام الاحتياطيات المالية والاحتياطيات من العملة الأجنبية والإدارة المعيارية للديون سواء على مستوى الاقتراض أو إعادة هيكلتها واعتماد إطار اقتصادي أكثر ملاءمة على سبيل المثال القبول النسبي بوجود تضخم وعجز مالي.

وبالنسبة لبلدان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا يمكن الاعتماد على اربعة خيارات من الثمانية المتاحة وهي اعتماد إطار اقتصادي أكثر ملاءمة والزيادة في الموارد الضريبية ومكافحة التدفقات المالية غير المشروعة واعتماد المعايير السليمة في مجال الاقتراض أو إعادة هيكلة الديون.

المغالطة الثانية: الحماية الاجتماعية تتمثل اساسا في مساعدة الفقراء

تبرز المعايير الدولية المعتمدة في مجال التأمين الاجتماعي الشامل ان محدودية الميزانية المعتمدة لنظام الحماية الاجتماعية تحد من مجالات التدخل وبرامج المساعدات. كما ان الترفيع في الميزانية المعتمدة يؤدي حتميا الى نظام حماية اجتماعية اشمل لا يقتصر فقط على الفئات الضعيفة والهشة. وهو ما يؤكده تعريف منظمة العمل الدولية.

وبالتالي وعلى عكس ما يروج فان كل دولة، مهما كان دخلها، معنية بوضع نظام حماية اجتماعية شامل من اجل الحد من الفقر والاقصاء الاجتماعي. وتشمل الحماية الاجتماعية تسع مجالات: إعانات عائلية، حماية الأمومة، إعانات البطالة، إعانات حوادث الشغل، إعانات المرض، الحماية الصحية (الرعاية الصحية)، إعانات الشيخوخة، إعانات العجّز وإعانات الورثة.

المغالطة الثالثة: الحماية الاجتماعية عبء على ميزانية الدولة

يهدف الاستثمار في نظام الحماية الاجتماعية الى تحسين مستوى عيش الافراد مما يساهم في الرفع من مردوديتهم. فالضمان الاجتماعي يحمي الافراد من الصدمات من حوادث الشغل والأمراض ويقلل من خسائرهم عبر الإعانات والتعويضات.

كما يضمن عودة مردودهم الاقتصادي ولو نسبيا لسابق عهده. كل هذا من شأنه تحسين مستوى النشاط الاقتصادي وتعزيز التماسك الاجتماعي. وبذلك يكون النمو الاقتصادي أكثر شمولا واستدامة ويمكن اعادة استثماره في الضمان الاجتماعي.ومن هنا ومقابل المغالطات، فإن الاستثمار في منظومة الضمان الاجتماعي لا يعتبر كلفة وعبء على الحكومة بل هو استثمار قادر على تحفيز الدورة الاقتصادية وخلق نمو اقتصادي في مناخ اجتماعي متوازن.

وفي هذا الصدد، حثّت منظمة العمل الدولية، في تقريرها العالمي للحماية الاجتماعية 2020-2022، البلدان على زيادة الاستثمار في الحماية الاجتماعية. ذلك انه من شأن ضخ تمويلات للحماية الاجتماعية تمكين دول المنطقة من “تحقيق انتعاشة اقتصادية رغم دوّامة الركود التي تسيطر على اقتصادها حاليًا”. كما دعت منظمة العمل الدولية الجهات المانحة على غرار البنك العالمي وصندوق النقد الدولي إلى مساعدة الدول على الاستثمار في الحماية الاجتماعية لما في ذلك من حوافز اقتصادية واجتماعية. 

المغالطة الرابعة: توصيات صندوق النقد الدولي فعالة وتعزّز في نهاية المطاف نظام الحماية الاجتماعية

أدّى تدخل صندوق النقد الدولي في الأردن سنة 2012 على غرار ما حصل في تونس الى حد بعيد يقارب التشابه التام الى ارتفاع نسبة ديونه من 54.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 إلى 101.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020. والأردن، مثل معظم دول المنطقة، وخاصة تونس عالق الآن في فخ الديون.

ورغم تنفيذ برامج ضبط أوضاع المالية العامة المدعومة من صندوق النقد الدولي، فقد ارتفعت نسبة خدمة الدين الأردني من الناتج المحلي الإجمالي من 3.8 بالمائة سنة 2010 إلى 9.4 بالمائة سنة 2020 مقابل 9.8 بالمائة في تونس.

وبصفة عامة إلى جانب المديونية، أدت تدابير التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي إلى تعميق التفاوت في المجتمعات العربية التي تعد أصلا من بين أكثر المجتمعات غير المتكافئة في العالم.

ولا تزال تغطية الضمان الاجتماعي الحالية، والتي يتمحور دورها أساسًا في التخفيف من حدة الفقر عبر المساعدة الاجتماعية الموجهة والتحويلات النقدية ودعم الغذاء والوقود، ان وجد اصلا، معرضة للتقلص، مع توصيات صندوق النقد الدولي لتنفيذ ما يسميه “الدعم الموجه”. وهي السياسة التي يسعى الى تنفيذها بالشراكة مع حكومة بودن من خلال ما يبرز من خطط الحكومة وبرامجها التي تسربها وسائل الاعلام بين الحين والأخر في ظل صمت الحكومة وعدم تكذيبها.

وتشمل توصيات الحماية الاجتماعية لصندوق النقد الدولي إعانات البطالة.  وبينما نصح صندوق النقد الدولي الاقتصادات المتقدمة بالترفيع في الحماية الاجتماعية بين عامي 2015 و2017، فانه لم يرد ذكر لهذه التوصية بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدى السنوات العشر الماضية، وذلك رغم معدلات البطالة المرتفعة وانتشار العمل في القطاع الموازي.

تدهور أنظمة الصناديق الاجتماعية والإهمال المتعمد للسلطة

لا يعد بالتأكيد اهمال أنظمة الصناديق الاجتماعية اليوم في تونس من قبيل الصدفة. فهو يعكس من ناحية عدم قدرة المسؤولين وانعدام كفاءتهم لإنقاذها ولكنه يبرز بالخصوص تعمد الحكومة تخليها تدريجيا عن الدور الاجتماعي للدولة وفق توصيات مقرضيها من ناحية أخرى.

وتعيش الصناديق الاجتماعية منذ أكثر من عشرين سنة على وقع صعوبات مالية أصبحت تهدد بصفة جدية استمرارية إسداء منافع الضمان الاجتماعي لفائدة منظوريها في ظل ضغوطات حادة ومتصاعدة على مستوى السيولة وتأخر عملية الإصلاح للحد من هذا التدهور . وقد ساهمت جملة من الخيارات الاقتصادية والعوامل الديمغرافية بالإضافة إلى العوامل المتصلة بالطابع التوزيعي لأنظمة التقاعد في تعميق أزمة الصناديق الاجتماعية.

وشهدت مداخيل الصناديق تراجعا كبيرا وذلك رغم اللجوء عدة مرات إلى الترفيع في نسب المساهمات، وتمثلت هذه الخيارات وانعكاساتها في المجالات التالية:

• تراجع قدرة الاقتصاد الوطني على إحداث مواطن شغل جديدة وتفشي البطالة في أوساط الشباب من حاملي الشهائد الجامعية وظهور نوع جديد من بطالة العمال من ذوي الالتزامات الاجتماعية والعائلية وهي فئات كان بإمكانها تعزيز ميزانية الضمان الاجتماعي لأنها فئات جديدة وشابة لا تستهلك كثيرا.

• ظهور أنماط جديدة من التشغيل تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار في الشغل وضعف الأجور مع الإشارة إلى أنّ تأثيرها لا يقتصر على عدم دفع المساهمات بل قد يدفع ببقية الفئات المنخرطة إلى الانقطاع عن الوفاء بالتزاماتها.

• التهرب من التصريح بكافة الأجراء ومن التصريح بكافة الأجور ومن دفع المساهمات في القطاع الخاص.

• الانتشار الكبير والسريع للاقتصاد غير المنظم وخاصة بعد 2011 الذي أصبح يساهم بنسب مرتفعة في الناتج الداخلي الخام وأضحى يشغل ما يقارب 40 في المائة من اليد العاملة مما ينعكس بالضرورة على التوازنات المالية لأنظمة الضمان الاجتماعي بسبب عدم الانخراط وعدم دفع المساهمات.

• تراكم الديون المتخلدة بذمة الدولة والأعراف وبعض المضمونين الاجتماعيين وعدم الحزم في استخلاصها.

• استعمال احتياطات الأنظمة للقيام بتوظيفات واستثمارات غير مجدية من الناحية الاقتصادية.

ومقابل تراجع المداخيل لم تنفك المصاريف والنفقات تشهد تطورا مستمرا وتجسد ذلك في:

• ارتفاع عدد المحالين على التقاعد المبكر سواء لأسباب اقتصادية نتيجة غلق المؤسسات المشار إليها أعلاه، وهو ما يترتب عنه نفقات سابقة لأوانها تتحملها الصناديق إذا تم تسريح أعداد كبيرة من العمال وإحالتهم على التقاعد قبل السن القانونية في القطاعين العمومي والخاص في إطار برنامج إعادة إصلاح وتطهير المؤسسات العمومية ولجنة مراقبة الطرد.

• الانعكاسات المالية لتدهور المؤشر الديمغرافي ذلك أن عدد المنتفعين بالجرايات ازداد بنسق تجاوز نسبة تطور عدد المساهمين.

• ارتفاع كلفة العلاج إثر تطبيق نظام التأمين على المرض بسبب عدم تأهيل القطاع الصحي العمومي والنزوح المتواصل للمضمونين الاجتماعيين نحو المنظومة العلاجية الخاصة.

• عدم تمكن الصندوق الوطني للتأمين على المرض من إحكام العلاقة التعاقدية مع مسديي الخدمات الذين مارسوا عديد الضغوطات مثل مطالبة المصحات الترفيع في مبالغ حصص تصفية الدم وتهديدات الصيادلة عديد المرات بإيقاف العمل بمنظومة الطرف الدافع وعدم تطبيق أطباء الاختصاص للتعريفة التعاقدية الخاصة بمعاليم العيادات علاوة على ضعف هياكل الرقابة الإدارية والطبية.

وعموما شهدت منظومة الضمان الاجتماعي عدة ضغوطات مالية خصوصا خلال العشرية الأخيرة تفاقمت حدتها خلال السنوات الأخيرة وهو ما من شأنه المساس بالمكاسب المحققة والحيلولة دون تحقيق الأهداف المرسومة لهذه المنظومة .

وقد سجلت النتائج الاجمالية للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ سنة 2005 اختلالا في التوازنات المالية ادى الى تفاقم العجز الذي تعاني منه.

ويعود هذا الاختلال بالأساس الى سلسلة النتائج السلبية التي سجلتها أنظمة الجرايات سواء في القطاع العمومي أو القطاع الخاص والتي تمثل مواردها ونفقاته حوالي 92 بالمائة من الموارد والنفقات الاجمالية للصندوقين حيث سجلت أنظمة الجرايات نتائج سلبية متتالية خلال كامل الفترة 2001-2015 .

وقد أفضت هذه الوضعية الى تآكل الاحتياطيات المالية لصندوقي الضمان الاجتماعي وبروز ضغوطات حادة على مستوى حاجات الصناديق من السيولة وتخلف الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن دفع المستحقات الراجعة للصندوق الوطني للتامين على المرض بعنوان الاشتراكات وتوابعها.

وأثرت هذه الوضعية على قدرة الصندوق الوطني للتأمين على المرض على خلاص المستشفيات العمومية والصيدلية المركزية ومسديي الخدمات الصحية في الآجال المحددة وتراكم حجم تعهداته غير الخالصة لتصل الى مستويات غير مسبوقة. كما ساهمت جملة من العوامل الهيكلية في اختلال التوازن المالي لأنظمة التقاعد بالقطاعين العمومي والخاص سواء منها المتصلة بخصائص الأنظمة الحالية للتقاعد التي تتأثر بالعوامل الديمغرافية أو تلك المتصلة بالظرف الاقتصادي.

———–

المراجع:

Social protection : Four « misconceptions » and their revisal – The Inclusive social security Social policy forum – February 8th, 2022.

تقرير وزارة المالية حول المؤسسات العمومية. جانفي 2022.

نُشر بصحيفة “الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 22 فيفري 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING