الشارع المغاربي – المنظومات الفلاحية على شفا الانهيار: 56 ٪ من الفلاحين المستجوبين اضطروا لبيع جزء من قطعانهم لتغطية كلفة الإنتاج

المنظومات الفلاحية على شفا الانهيار: 56 ٪ من الفلاحين المستجوبين اضطروا لبيع جزء من قطعانهم لتغطية كلفة الإنتاج

قسم الأخبار

4 يونيو، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: كشفت تداعيات الحرب في اوكرانيا ومن قبلها جائحة كورونا ما تتسم به منظومات الفلاحة وإنتاج الغذاء في تونس من هشاشة وضعف. ولئن لا تعد هذه الوضعية جديدة باعتبار ما تعرف هذه المنظومات من مشاكل منذ عقود، فان مظاهر نقص التزويد والغلاء استفحلت سيما خلال الفترة الاخيرة الى درجة لم تشهدها تونس منذ نهاية سبعينات القرن الماضي.

قطاع الالبان، اول ضحايا انهيار منظومات الغذاء

أكد تقرير نشره المعهد العربي لرؤساء المؤسسات يوم 18 ماي 2022 ان الحرب في أوكرانيا تسببت في اضطراب كبير في سلسلات التوريد وفي ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب وأن ذلك أدى إلى التأثير على العديد من القطاعات، أهمها القطاع الفلاحي، باعتبار أن روسيا وأوكرانيا من أبرز منتجي المواد الأساسية، على غرار القمح والشعير والذرة وعباد الشمس.

وخصص المعهد تقريره لتحليل واقع قطاع الالبان في ظل هذه المستجدات وتقييم نتائج استبيان انجز على مستوى عينة من الفلاحين ليخلص الى تقديم مجموعة من الاقتراحات لإنقاذ القطاع من الازمة الخانقة التي يمر بها منذ مدة والتي تفاقمت في المدة الأخيرة.

وجرى التأكيد على ان حلقة إنتاج الحليب تمر بشكل خاص منذ سنة 2020، بوضعية خطيرة تهدد بانهيار كل حلقات المنظومة، إنتاجا وتجمیعا وتصنيعا، وعلى أن أسباب هذه الوضعية الحرجة تعود إلى ارتفاع كلفة الإنتاج الناجمة عن ارتفاع أسعار الأعلاف المركبة، والأعلاف الخشنة، حيث تواصل أسعار الأعلاف المركبة الصعود، متأثرة بأسعار مادتي “فيتورة الصوجا” و”حبوب الذرة” في السوق العالمية، بالإضافة إلى تراجع سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية.

وبلغ، في هذا الإطار، معدل سعر الذرة الأمريكية 1082 دينارا للطن الواحد، ليسجل ارتفاعا بـ 1,5 بالمائة مقارنة بشهر مارس 2012، وزيادة نسبتها 43 بالمائة عن سعرها في مارس 2021. وسجل معدل سعر “الصوجا” في السوق العالمية تراجعا بنسبة 5 بالمائة مقارنة بشهر مارس 2012، ليبلغ 1933 دينارا للطن الواحد وارتفاعا بـ 32 بالمائة عن مستوى سعرها في مارس 2015.

وحسب التقرير انعكس نقص تزويد البلاد بالشعير العلفي من قبل ديوان الحبوب، سلبا على سعر العلف المركب، مما دفع بمصانع الأعلاف إلى تعويض الشعير العلفي بحبوب الذرة في تركيبة الأعلاف المركبة، وهو ما يفسر الزيادات المتتالية خلال شهري جانفي وفيفري 2012 (55 د للطن الواحد).

وتشهد أسعار العلف المركب ارتفاعا لافتا، حيث ارتفع السعر في أكثر من 8 مناسبات خلال الفترة المتراوحة بين أفريل 2021 وهو تاريخ أخر تحيين لسعر الحليب حيث تم ضبطه في حدود 1140 مليما/لتر على مستوى الإنتاج وفيفري 2012 وبلغت الزيادة 160 د/طن.

وأبرز استبيان اجراه المعهد مع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري على مستوى عينة تمثيلية من الفلاحين الناشطين في ميدان تربية الماشية ان 56 بالمائة من الفلاحين المستجوبين اضطروا نتيجة غلاء أسعار الأعلاف ، إلى بيع جزء من قطعانهم في محاولة لتغطية حاجات ما تبقى من القطيع، في حين أكد ثلثا الفلاحين المستجوبين مباشرتهم عملية تخزين الأعلاف.

ورغم الأزمة التي يمر بها قطاع الألبان، فإن 32 بالمائة من الفلاحين الذين شملهم الاستبيان يرغبون في الترفيع في قدرتهم الإنتاجية خلال الفترة المقبلة، مقابل 11 بالمائة يفضلون المحافظة على قدرتهم الإنتاجية الحالية، بينما أكد 11   بالمائة تقليصهم التدريجي في قدرتهم الإنتاجية، بسبب ضعف المردودية الاقتصادية للقطاع، فيما يخطط 21 بالمائة لتنويع الإنتاج، عبر إضافة منظومات فلاحية أكثر ربحية، وكان من أبرز التوجهات الأخرى للفلاحين، إنتاج الأعلاف للتحكم في الكلفة.

منظومات الإنتاج الغذائي على شفا الانهيار

يشوب منذ سنوات طوال منظومات الانتاج الفلاحي في تونس خلل كبير، وقد دُمّر اغلبها سيما في الاعوام الأخيرة بسبب سوء التصرف وهيمنة الشركات الكبرى عليها، ولكن كذلك نتيجة تشتت الأطراف المتدخلة في تسييرها ومراقبتها وطغيان البيروقراطية على عملها. واتسم التصرف في هذه المنظومات بفقدان الجانب المعياري والعلمي والجدوى نتيجة تغييب الإدارة الأطراف الفاعلة فيها عن المشاركة في اصلاحها وتعديلها وذلك أساسا من خلال تقييم العرض والطلب على المستويين الداخلي والخارجي والتشجيع على الانتاج المحلي.

ووصل الامر، في هذا الإطار، على سبيل الذكر لا الحصر الى بيع اغلب المنتوجات الفلاحية على مستوى الفلاح بأقل من الكلفة على غرار الحبوب والخضروات والالبان واللحوم الحمراء والدواجن مع تركيز السلط على دعم المستهلك عوضا عن دعم المنتج مما يخدم المضاربين والمحتكرين علاوة على اللجوء المستمر للتوريد بتعلة التعديل الموسمي للسوق مما يساهم بدرجة أولى في انتفاخ جيوب الموردين.

وتبرز بيانات وكالة التشجيع على الاستثمار الفلاحي الضعف الفادح للمنح والقروض المرصودة للاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي علما أنه لا فلاحة دون تشجيع قوي على الاستثمار من قبل هياكل اسناد القطاع الفلاحي ودعم الفلاح على مستوى التمويل البنكي، في ظل تغييب البنك المركزي التونسي لتخصيص نسبة قارة من القروض لتمويل المشاريع الفلاحية.

وللإشارة، فقد حذرت النقابة التونسية للفلاحين في العديد من المناسبات من انهيار جل المنظومات الفلاحية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج بصفة ملموسة في السنوات الأخيرة مما أثر على مردودية القطاع الفلاحي عموما في تونس حيث تم التأكيد، على هذا المستوى، بان القطاع الفلاحي يعيش أزمة عميقة انعكست على المستهلك عبر عدم توفر بعض المنتوجات على غرار الحليب ، والبيض ، والزبدة والحبوب.وأثارت النقابة مرارا مسألة الزيادات المتتالية في أسعار مدخلات الإنتاج من محروقات ومبيدات وأسمدة وبذور وأعلاف بنسب تراوحت بين 50 و300 بالمائة بينما لم ترتفع أسعار البيع على مستوى المنتج إلا بنسب بسيطة. وشددت النقابة على انه من غير المعقول مواصلة الإنتاج وترويجه بأقل من الكلفة.

ارتفاع أسعار المواد الأساسية ينهك المالية العمومية

نشر مؤخرا المرصد التونسي للاقتصاد مذكرة تحليلية تحت عنوان “ارتفاع الاسعار العالمية للمواد الأساسية يؤدي الى ارتفاع نفقات الدعم في كل من تونس والجزائر والمغرب”.

وبين المرصد في مذكرته ان مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء ارتفع الى أعلى مستوى له منذ عشر سنوات خلال سنة 2021. وحسب ما نشرت المنظمة، فإن اسعار الذرة والقمح ارتفعت بـ 31.3 بالمائة خلال سنة 2021 مقارنة بالمستويات المسجلة لسنة 2020 وأن هذا الارتفاع يعود الى ارتفاع الطلب وتقلص الامدادات في البلدان الرئيسية المصدرة للقمح. وانعكس هذا الارتفاع، وفق المرصد، على تونس والجزائر والمغرب من خلال ارتفاع مؤشر التضخم الغذائي الى مستويات قياسية.

وسعيا منها للمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، تم الترفيع في ميزانية دعم المواد الاساسية بتونس بـ 41 بالمائة خلال سنة 2021 حسب ما ورد في الميزانية التعديلية لسنة 2021. كما انه من المنتظر ان تزداد الميزانية هذا العام حيث تضمن قانون الميزانية لسنة 2022 ترفيعا بنسبة 71.4 بالمائة في دعم المواد الاساسية مقارنة بسنة 2021 وخصصت على سبيل المقارنة الحكومة الجزائرية 1.3 مليار دولار من ميزانيتها لسنة 2022 لدعم الحبوب وهو ما يمثل ارتفاعا بـ8 بالمائة مقارنة بسنة 2021 فيما سيخصص المغرب ايضا 1.8 مليار دولار من ميزانية 2022 لدعم المواد الاساسية وهو ما يمثل ارتفاعا بـ 12 بالمائة مقارنة بـ 2021.

كما أوضحت المذكرة التحليلية، في جانب اخر ان الحكومة التونسية اعلنت عن اتخاذ تدابير جديدة قصد مزيد ترشيد دعم المواد الأساسية للتحكم في قيمتها في انتظار ارساء منظومة الدعم المباشر لفائدة الفئات الاجتماعية الهشة من خلال قانون الميزانية لسنة 2022.

ومع اختلاف بين الملامح الاقتصادية لتونس والجزائر والمغرب، وفق المرصد التونسي للاقتصاد، فإن ثلاثتها تلتقي في اعتماد دعم المواد الأساسية للمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن عبر دعم المحروقات والزيت والسكر وخاصة القمح الذي يعتبر مكوّنا اساسيا للخبزو بالتالي لغذاء سكان شمال افريقيا حيث تحتل المنطقة المرتبة الأولى كأكبر مورد للحبوب.وشهدت تونس والجزائر والمغرب انتفاضات الخبز على التوالي سنة 1983 وسنة 1986 وسنة 1981 عندما تدخل صندوق النقد الدولي في هذه البلدان لتصحيح الأوضاع الاقتصادية عن طريق برنامج الإصلاح الهيكلي.

وتضمن هذا البرنامج برنامج التقويم الفلاحي الذي شجع الفلاحة التصديرية والاهتمام بالمنتوجات ذات القدرة التنافسية في السوق العالمية لجلب المزيد من العملة الصعبة قصد استعادة القدرة على سداد الديون. وأدت هذه السياسات تدريجيا الى تخلي فلاحي شمال افريقيا عن زراعة القمح مما ادى بدوره الى عجز هذه الدول عن تحقيق اكتفائها الذاتي الغذائي والارتهان الى التوريد والاسعار العالمية المتقلبة إضافة الى الارتفاع المتواصل لتكاليف دعم القمح منذ تبني السياسات المملات من صندوق النقد الدولي.

يذكر الأراضي الصالحة للزراعة بتونس تمسح 5 ملايين هكتار منها 500 ألف هكتار أراض دولية من أخصب الأراضي في البلاد. ويضم القطاع الفلاحي 560 ألف فلاح منهم 120 ألف منتج لحوم وألبان وحوالي مليونيْ فرد يشتغلون في المجال بين فلاّحين وبحارة وعمَلة بينما لا تتجاوز ديون الفلاحين في كل القطاعات 1200 مليون دينار(أصل دين وفوائض) ومع كل هذا التنوع في المنتوج وهذه الوفرة في الأراضي تكبل الفلاحة التونسية اليوم قيود كثيرة تحول دون ازدهارها بعدما أصبحت كل المنظومات في مهب الريح يتهددها الاندثار بسبب كثرة المشاكل والصعوبات التي يعاني منها المهنيون.

ورغم ان الفلاحة كانت وما تزال قطاعا استراتيجيا يساهم في النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ فإنها عرفت منذ سنوات وخاصة بعد الثورة النكسة تلو النكسة. فمن مساهمة وصلت في الماضي إلى حوالي 26 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في أول سنوات الاستقلال إلى نسبة لا تتعدى الـ 10 في المائة في الفترة الأخيرة.

ورغم هذا التقهقر مازال القطاع الفلاحي داعما ومنقذا للميزان التجاري على غرار صادرات زيت الزيتون والتمور والقوارص والصيد البحري. وبشكل عام، لم تعرف الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال أية استراتيجية فلاحية تستحق الذكر وإنما تجارب فلاحية متعاقبة مع تعاقب الحكومات لا غير. وكان الأمل بعد الثورة أن تتحقق البعض من أحلام الشعب على الأقل في المجال الفلاحي كمجال حيوي لكن خيبات الأمل تتالت وعوض أن تنتعش الفلاحة تدهورت أغلب منظوماتها وشارفت على الاندثار.

——————

المراجع:

 استبيان حول تأثير الصراع الروسي الأوكراني على قطاع الألبان في تونس‎‎ – المعهد اعربي لرؤساء المؤسسات – ماي 2022.

ورقة تحليلية – ارتفاع الاسعار العالمية للمواد الأساسية يؤدي الى ارتفاع نفقات الدعم في كل من تونس والجزائر والمغرب – المرصد التونسي للاقتصاد – جانفي 2022.

مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء – ديسمبر 2021.

مرسوم عدد 21 لسنة 2021 مؤرخ في 28 ديسمبر 2021 يتعلق بقانون المالية لسنة 2022.

———————————————-

توصيات للنهوض بمنظومات الانتاج الفلاحي

•  دعم منظومة الحبوب بكل مكوناتها قصد رفع مستوى الانتاج واستغلاله كليا مع التشجيع على استعمال البذور الممتازة والري التكميلي.

•  دعم منظومة الزيتون وتثمين المنتوج عبر تعليب الزيت وتنويع الأسواق ومقاومة اللوبيات المعرقلة لهذا القطاع.

•  دعم منظومة تربية الماشية لإنتاج الحليب واللحوم مع تشجيع المربين الصغار والعمل الجدي على مقاومة شبكات سرقة الماشية.

•  التشجيع على انتاج البقول (légumineuses) التي توفر بروتينات نباتية هامة (حمص، فول، عدس…) تتماشى مع التقاليد الغذائية التونسية.

•  العمل على التخلي التدريجي على دعم الاستهلاك وتحويل هذا الدعم للقطاعات المنتجة وعلى رأسها القطاع الفلاحي في إطار الحرص على توفير السيادة الغذائية. علما أن صندوق دعم الموارد الأساسية الغذائية جاء لدعم منوال تنموي قائم على استعمال اليد العاملة قليلة الكفاءة والتي تشتغل بأجور ضعيفة. ودعم المواد الأساسية من شأنه الحفاظ على مستويات ضعيفة للأجور. الا أن مثل هذا المنوال بصدد لفظ أنفاسه منذ أوائل القرن ووقع التشبث به الى حد الآن بالاعتماد على سياسات اغراق عديدة أرهقت كل الأطراف الاقتصادية. وبالتالي أصبح من الضروري التخلي التدريجي عن دعم الاستهلاك وتوجيهه الى دعم الانتاج في إطار الانتقال الى منوال تنموي بديل يتماشى مع التطورات الحاصلة داخليا وخارجيا.

•  تدعيم كل مشاريع الرفع من الموارد المائية في إطار خطة استراتيجية تعتمد التكامل بين انتاج طاقات متجددة وتحلية المياه الباطنية ومياه البحر.

•  تشجيع الفلاحين على بعث تعاضديات خدمات أولا في ميدان تزويد الفلاحة بعناصر الانتاج الأساسية بأسعار معقولة وبدون غش وثانيا في ميدان تسويق وتوزيع الانتاج قصد الحد من هيمنة الوسطاء وثالثا في ميدان الخزن والتبريد قصد مقاومة الاحتكار والهيمنة على أسواق المنتجات الفلاحية المتسببة في بقاء الأسعار في مستويات مرتفعة.

•  والجدير بالذكر أن اعطاء الأولوية للنهوض بالقطاع الفلاحي أصبح ضروريا في ظل أزمة القطاع السياحي الذي لا يمكن أن يسترجع نسق نشاطه العادي قبل 2023 في أحسن الحالات. كما أن قطاع الصناعات المعملية في أكثر نشاطاته يشتكي من تراجع تنافسيته منذ سنوات ولا يمكن المراهنة عليه في المدى القصير لتحقيق الانتعاش الاقتصادي خاصة في غياب وضوح آفاق تطور الاقتصاد العالمي. وبالتالي أصبحت الفلاحة والصناعات غير المعملية وقطاع البناء وخاصة الأشغال العامة هي القطاعات التي يجب الاعتناء بها في المدى القصير لدفع نسق النمو.

المصدر: اقتراحات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في إطار انجاز خارطة طريق للنهوض بمنظومات الفلاحة والغذاء –  اوت 2021.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 31 ماي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING