الشارع المغاربي – بقاء الحكومة الحالية مرتبط بعدم تقديم ميزانية تكميلية/ بقلم: عز الدين سعيدان

بقاء الحكومة الحالية مرتبط بعدم تقديم ميزانية تكميلية/ بقلم: عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

17 يوليو، 2021

الشارع المغاربي: يمكن أن يبدو عنوان هذه الافتتاحية غريبا ولكن هذا هو واقع تونس اليوم. ربما لن أضيف شيئا اذا قلت إننا فشلنا على كل المستويات السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والصحي. ولكن من المهم أن نعترف بأن فشلنا الذريع في الميدان الصحي ووفاة الآلاف من التونسيين ليس وليد الصدفة بل هو نتيجة حتمية لخياراتنا السياسية والاقتصادية والمالية كما أنه نتيجة حتمية لخياراتنا من حيث السياسة النقدية التي يحدّدها وينفذها البنك المركزي. أليس من المؤسف والمؤلم والمبكي أن نرى ونسمع مسؤولين سامين من وزارة الصحة على مختلف المنابر التلفزية والاذاعية يردّدون بفصيح العبارة أن “المسألة مسألة إمكانات مادية” وأن المنظومة الصحية تنقصها الامكانات المادية وأنه كان بالامكان أحسن ممّا كان أو بعبارة أخرى كان بإمكان المنظومة الصحية الحفاظ على أرواح التونسيين وصحة التونسيين أي الحد من عدد الوفيات (مع الإقرار بأن الأعمار بيد الله سبحانه).

أيمكن أن نقرّ بأن تونس، مثل بقية دول العالم، في حالة حرب على جائحة كوفيد وفي نفس الوقت نرفض اللجوء الى الحلول الاستثنائية التي يفرضها الوضع الاستثنائي خوفا من التضخم المالي؟ هل هذا يعني أننا نقبل بأن يموت الآلاف من التونسيين مقابل الحفاظ على نسبة التضخم المالي؟.

العديد من الدول أدركت أن الحفاظ على أرواح المواطنين وعلى مواطن الشغل وعلى المؤسسات الاقتصادية يستدعي بالضرورة ضخ كميات استثنائية من الموارد المالية ومن السيولة النقدية علما ويقينا منها بأن مخاطر ارتفاع مستوى التضخم المالي كانت ضئيلة إن وجدت.

منذ مارس 2020 وقطاع الصحة يئن ويستغيث ويطلب موارد مالية استثنائية، ربما لم تكن متوفرة في اطار ميزانية الدولة التي تم اعدادها والمصادقة عليها ولكن البنك المركزي اختار في نفس الوقت ألا يقدم تلك الموارد المالية الاستثنائية حتى ولو أدى ذلك، وقد أدى فعلا، الى إزهاق آلاف الأرواح ومعاناة عشرات الآلاف الأخرى من المواطنين. علينا أن نعترف اليوم بأننا خسرنا على كل الواجهات : توفي أكثر من ستة عشر ألف تونسي وتونسية إلى حدّ الآن، خسرنا أكثر من 70 ألف مؤسسة اقتصادية، خسرنا عشرات الآلاف من مواطن الشغل، سجّلنا نسب نمو سلبية غير مسبوقة في تاريخ تونس (-8,8 ٪ سنة 2020 و-3 ٪ نهاية الثلاثي الأول من سنة 2021) ومع ذلك لم تنخفض نسبة التضخم المالي بل عكس ذلك تماما عادت للارتفاع من جديد حيث وصلت الى 5,7 ٪ نهاية شهر جوان 2021.

نحن فشلنا ولازلنا نفشل بكل تعنّت

يجب ألاّ ننسى في هذا الاطار أن قانون 2016 يسند للبنك المركزي دور المستشار المالي للدولة. فهل يمكن أن تكون الدولة فاشلة الى هذا الحدّ ومستشارها ناجحا؟

ميزانية الدولة هي عنوان آخر بارز للفشل. ميزانية الدولة للسنة الحالية لم تعد تمتّ الى الواقع التونسي بأية صلة وهي لم تكن ميزانية حقيقية تعكس سياسة الدولة عند المصادقة عليها في ديسمبر 2020. للتذكير فإن ميزانية 2021 بنيت على فرضيتين أساسيتين :

– نسبة نمو اقتصادي بـ 4 ٪ بعد تسجيل نسبة 8,8 ٪ سلبي في 2020.

– سعر برميل النفط في حدود 45 دولارا.

وفي هذا الاطار تحتوي ميزانية 2021 على رقمين هامين:

خدمة الدّين العمومي أي ما يجب تسديده في 2021 من أصل وفوائد تقدر بـ16,3 مليار دينار.

+ القروض الجديدة التي لا بدّ من تعبئتها في سنة 2021 تقدر بـ 18,7 مليار دينار منها 13,1 مليار دينار من الخارج.

كل الفرضيات التي بنيت على أساسها الميزانية تجاوزتها الأحداث، وهي لم تكن منطقية أو واقعية أصلا.

نسبة النمو المسجلة نهاية الثلاثي الأول كانت سلبية بـ 3 ٪ وحسب المعطيات المتوفرة لن يكون الثلاثي الثاني أفضل. هكذا يصبح تحقيق نسبة نمو بـ 4 ٪ للسنة الحالية حسابيا غير ممكن. مع العلم أن لنسبة النمو انعكاسا مباشرا على المداخيل الجبائية للدولة.

من ناحية أخرى تجاوز سعر برميل النفط (نوع البرنت) مستوى 76 دولارا ولكل دولار إضافي في سعر البرميل انعكاس سلبي على ميزانية الدولة بحوالي 120 مليون دينار. الى جانب هذا فإن للفصول التي تمت إضافتها في قانون المالية عند المصادقة والإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومة الحالية منذ بداية السنة من انتدابات وتسوية وضعيات وزيادات في الأجور انعكاسا ماليا بما لا يقل عن ملياري دينار. اذا أضفنا إلى هذا المبلغ انعكاس ارتفاع سعر برميل النفط (2,5 مليار دينار) فإن حاجة الدولة للاقتراض الإضافي سنة 2021 تصبح 23 مليار دينار على الأقل عوضا عن 18,7 مليار دينار مبرمجة في الميزانية.

وبالتالي اذا أقدمت الحكومة على تقديم ميزانية تكميلية لسنة 2021 باعتماد أرقام واقعية فستكون مجبرة على إعلان عجز في ميزانية الدولة يتراوح بين 13 و15 ٪ على الأقل عوضا عن 7 ٪ مبرمجة.

هذه الأرقام تجرّنا إلى بعض الأسئلة مثل :

• هل يمكن أن تصمد الحكومة إذا أعلنت عن مستوى عجز لميزانية الدولة يتراوح بين 13 و15 ٪؟

• هل يمكن للحكومة الحفاظ على قسط ولو ضئيل، من المصداقية في محادثاتها مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الأخرى؟

هذا يعني بكل وضوح أن بقاء الحكومة الحالية مرتبط بعدم تقديم قانون مالية تكميلي لسنة 2021.

وللتذكير فإن الحكومة الحالية تعهدت في إطار المصادقة على قانون مالية 2021 في ديسمبر 2020 بتقديم قانون مالية تكميلي قبل نهاية شهر مارس 2021 ولكنها لم تفعل وأنكرت أنها تعهدت بالأساس ثم علمنا من وزير المالية ورئيس الحكومة أن الحكومة تنتظر الأرقام النهائية للثلاثي الأول لتقديم قانون مالية تكميلي على ذلك الأساس ولكنها لم تفعل. الآن أعلمنا وزير المالية ورئيس الحكومة أنه لن يتم تقديم قانون المالية التكميلي إلا بعد الحصول على الأرقام النهائية للسداسي الأول من هذه السنة.

في حقيقة الأمر لن يكون هناك قانون مالية تكميلي لسنة 2021 إلا في آخر وقت ممكن أي نهاية السنة الحالية وانتظروا جدلا بين البنك المركزي والحكومة بخصوص تمويل عجز الميزانية وذلك على غرار الجدل الذي عشناه نهاية السنة الفارطة ولكن هذه المرة بأكثر حدّة.

بقاء الحكومة الحالية مرتبط بعدم تقديم قانون مالية تكميلي لسنة 2021.

نعم، انسداد الأفق والعجز عن التعامل مع أوضاع تونس الصعبة وصل إلى هذا الحد. لا حول ولا قوة إلا بالله.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 13 جويلية 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING