الشارع المغاربي – تحويلات التونسيين بالخارج أهم موارد تونس من العملة الصعبة

تحويلات التونسيين بالخارج أهم موارد تونس من العملة الصعبة

قسم الأخبار

15 يناير، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: شكلت العام الفارط تحويلات الجالية التونسية في الخارج أهم مورد للبلاد من النقد الأجنبي قبل المبادلات التجارية الدولية والاستثمار والتداين.ويرجع الأمر بالتأكيد لسببين رئيسيين يتمثلان في الضعف الحاد والمتواصل لموارد القطاع الخارجي من ناحية ولأهمية تحويلات التونسيين في الخارج الذين يتكفل جزء هام منهم بمصاريف عيش عائلاتهم المنهارة، من ناحية أخرى.

في جانب آخر، تغيرت خلال السنوات الأخيرة تركيبة المهاجرين التونسيين حيث أصبحت تتكون في قسم مهم منها من اطارات عليا تتمتع بإمكانات مالية مهمة وهو ما يفسر ارتفاع قيمة التحويلات وتواترها رغم المعاناة المستمرة للجالية التونسية في الخارج من التضييقات على مستوى تحويل الأموال بسبب ازدياد العمولات البنكية الموظفة عليها والاشكاليات البيروقراطية الناتجة عن الرقابة على التحويلات بحجة مكافحة الجرائم المالية المنظمة العابرة للحدود.

تطور مطرد

أظهرت آخر المعطيات الصادرة عن البنك المركزي التونسي، نهاية الاسبوع الفارط، ارتفاع تحويلات التونسيين العاملين بالخارج بنسبة 28% في 2021 مقارنة بـ 2020 حيث بلغت هذه التحويلات مستوى قياسي بـ 7.254 مليار دينار وهو ما يعادل 2.62 مليار دولار. ويأتي ذلك في سياق كشفت معه مؤخرا مؤسسة الاصدار عن الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية بما شكّل أزمة لاستكمال تمويل ميزانية الدولة للعام الفارط. وكانت تحويلات التونسيين العاملين بالخارج قد بلغت حسب المعطيات المفصح عنها 5.875 مليارات دينار في عام 2020.

ورغم بلوغ تحويلات التونسيين بالخارج مستوى قياسيا ومهمّا تبلغه تونس لأول مرة فإن الوضعية لا تزال بعيدة عن بعض البلدان الأخرى على غرار مصر التي بلغت فيها تحويلات المقيمين بالخارج سنة 2021 حوالي 33 مليار دولار والمغرب 9.3 مليارات دولار خصوصا أن المصادر الأساسية للعملة الاجنبية تراجعت خلال السنة السابقة على غرار صادرات النفط والفسفاط و السياحة. وتؤكد عدة جمعيات كبرى للجالية التونسية في الخارج على أنه يجب العمل على تسهيل عمليات تحويلات التونسيين بالخارج عبر تمكينهم من فتح حسابات بالنقد الاجنبي وتقديم خدمات جديدة تخص ادخار العملة والحصول على تمويلات بشروط تفاضلية سيما أنه من المنتظر تقلص مداخيل التونسيين بالخارج لدى تراجع جائحة كوفيد .19

وبدا بشكل عام تأثير مساهمة التونسيين المقيمين في المهجر السنة الفارطة واضحاً أكثر من أي وقت مضى في اقتصاد البلاد اذ رمّمت تحويلاتهم ما خلف الوضع السياسي والاقتصادي الصعب من ثغرات في التوازنات المالية العمومية بعد تعليق مؤسسات القروض الدولية مفاوضاتها مع السلطات وتعثر المفاوضات لعدة اسباب تتعلق اساسا بالتوجس من قدرة تونس على الايفاء بالتزاماتها.

ومنذ بدء الجائحة الصحية العالمية، مثلت تحويلات التونسيين في الخارج، على وجه خاص، طوق النجاة للاقتصاد الذي يشكو من تراجع قياسي في النمو بسبب تداعيات الجائحة الصحية والاضطرابات السياسية التي أخّرت خطة الإنعاش الاقتصادي من أجل استعادة النمو وفق ما كان مخططاً له في قانون المالية. وبدأت كذلك مساهمة جيل المهاجرين الجدد تظهر في الاقتصاد التونسي، بعد ارتفاع حجم التحويلات المالية بنسب كبرى من عام الى اخر، لتتفوق على عائدات الاستثمار الخارجي والقروض والهبات ورصيد التعاملات التجارية الخارجية (-1359 مليون دينار).

وشكلت التحويلات المالية للجالية التونسية المقدرة بنحو 7.5 مليارات دينار إلى حدود 31 ديسمبر 2021 المصدر الرئيسي للعملة الاجنبية في تونس ما ساعد على مواصلة تسيير واردات المواد الأساسية وسداد أكثر من 3 مليارات دولار من القروض الخارجية.

وتبين معطيات تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج انها منعت هبوطاً حراً لرصيد العملة الخارجية بما كان يمكن أن يسبّب أزمة واردات للمواد الأساسية خلال الأشهر الماضية، بسبب نقص العائدات بالنقد الاجنبي، ولا سيما المتأتية من السياحة والاستثمار الخارجي. وأصبح بذلك للمهاجرين التونسيين دور محوري في إسناد الاقتصاد التونسي وإنقاذ عائلاتهم من الفقر والحاجة إلى المساعدات الاجتماعية الحكومية، خصوصا أن تحويلات الجالية قُدِّرت بأكثر من ثلاثة أضعاف مداخيل القطاع السياحي التي لم تتجاوز 2.3 مليار دينار خلال السنة المنقضية.

تغير تركيبة المهاجرين

يمثل التونسيون في دول المهجر أكثر من 1.3 مليون، يقيم أغلبهم في دول الاتحاد الأوروبي وبدرجة أقل في دول الخليج العربي وأمريكا الشمالية. وشهدت السنوات التي تلت الثورة تغيراً في نوعية العاملين التونسيين بالمهجر، بدخول جيل جديد من المهاجرين في الدورة الاقتصادية، وهو بالأساس من أصحاب الشهائد العلمية العالية والكفاءات ممن نجحوا في الاستقرار والاندماج سريعاً في دول الإقامة. ويقدَّر جيل المهاجرين في العشرية الأخيرة بأكثر من 250 ألف تونسي، واظهر هؤلاء المهاجرون الجدد قدرة على دعم الاقتصاد عن طريق تحويلات منتظمة لفائدة أسرهم التي تحولت إلى دخل أساسي للبعض منهم.

وحسب دراسة أنجزت من قبل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، فإن عدد الكفاءات العالية التونسية في أوروبا يفوق 90 ألف شخص. وتكشف بيانات لوزارة السياحة أن عودة التونسيين المقيمين بالخارج إلى وطنهم ساهمت في تنشيط القطاع السياحي وأن عدد الليالي التي قضّوها في الفنادق زاد على 1.5 مليون ليلة في اوت الفارط، مقابل 1.2 مليون ليلة في الفترة نفسها من السنة السابقة.غير أن تحويلات المهاجرين لا تزال توجه إلى نفقات التعليم والصحة والاستهلاك العادي ولاقتناء العقارات، ولم ترتق بعد إلى مستوى الاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية رغم المحاولات العديدة للمهاجرين لإحداث مشاريع وشركات ناشئة تسوّق للعلامة التونسية في القطاعات المتجددة.

المؤسسات المالية التونسية تضيّق على تحويلات المهاجرين

يزيد التضييق الذي تفرضه بنوك تونسية على تحويلات العاملين في الخارج من تذمر المهاجرين الذين رفعوا شكواهم في مناسبات مختلفة طيلة الاعوام الماضية للمسؤولين وكذلك للبرلمان مطالبين بالتدخل لفائدتهم من أجل حرية أكثر في حركة أموالهم بين دول المهجر وتونس.

ووجهت، في هذا الإطار، انتقادات للحواجز التي تفرضها بعض البنوك التونسية أمام تدفق تحويلات المهاجرين مع مطالبة البنك المركزي بالتدخل لدى تلك البنوك ولجنة التحاليل المالية لتخفيف شروط صعوبة التحويل أو البحث عن حلول بديلة خصوصا في ذروة مواسم عودة المهاجرين لقضاء عطلهم السنوية. ورفع نوّاب عن دوائر المهجر في عدة مرّات إلى السلطات المالية شكاوى التونسيين المقيمين بالخارج من معاملات بعض البنوك مع تقدير أن تمنع الصعوبات تدفقات مهمة من النقد الأجنبي إلى البلاد أو ذهاب جزء كبير منها إلى سوق الصرف السوداء.

وتمثل تحويلات المهاجرين التونسيين نسبة 20 في المائة من الادخار الوطني واكثر من 6 بالمائة من الناتج المحلي، وتحتل المرتبة الرابعة في مصادر توفير العملة الاجنبية ورغم حجم التحويلات المالية المهم لنحو مليون ونصف مليون تونسي يقيمون في المهجر لا تزال بعض البنوك التونسية تتباطأ في إجراءات التحويل فضلا عن عدم وجود أية امتيازات تسمح لهم بالتصرف في مدخراتهم بحرية.

ويعتبر نواب عن دوائر الخارج وهيئات ممثلة للمهاجرين أن تواصل صعوبات التحويل والتصرف في المدخرات التي يواجهها التونسيون المقيمون خارج بلدهم امر ينم عن تقصير من السلطات المالية تجاه هذه الفئة من التونسيين وهي تؤكد انها تسعى لحلحلة هذه الوضعية، اذ سبق ان تم رفع شكاوى لمحافظ البنك المركزي ومساعديه ووزارة المالية بشأن هذا الملف، غير أن تعقد الوضع يتواصل منذ أعوام طويلة.

وتتم الاشارة في ذات السياق إلى أن الأزمة المتواصلة منذ سنوات، زادت تعقيدا منذ سنتين على وجه التحديد مع تشديد لجنة التحاليل المالية صلب المركزي التونسي الرقابة على التحويلات الأجنبية في إطار تتبع الأموال المشبوهة علما أن البنوك لا تسمح لمهاجرين عند عودتهم إلى تونس بسحب أكثر من 5 ألاف دينار. كما تطلب منهم إمهالا للتثبت في التحويلات رغم أن جلها يتم عبر مكاتب صرف وشركات معتمدة، علما أن هذا الصنف من الصعوبات يواجه بشكل خاص المهاجرين المقيمين بدول مجلس التعاون الخليجي.

كما يبرز التونسيون المقيمون في الخارج أن عدة بنوك تطلب منهم تجزئة المبالغ المحولة بدعوى “كبر المبالغ” أو تحويلها على حسابات مختلفة أو لفائدة أكثر من فرد من أفراد عائلاتهم أو المستفيدين منها مؤكدين أن التعقيدات تزيد من نفور المهاجرين في توجيه أموالهم نحو أرصدتهم في تونس وتمنع تدفقات مهمة من النقد الأجنبي.

وتشدّد جمعيات التونسيين في الخارج على ضرورة تكثيف الجهود على مستوى الحكومة والسلطات المالية لتذليل الصعوبات والسماح للتونسيين المقيمين في الخارج بفتح حسابات بالعملة الاجنبية في تونس وبنسب فائدة مجزية تفوق نسب الفائدة التي يحصلون عليها مقابل ادخاراتهم في دول المهجر .

وتدرك الدوائر الرسمية في تونس حجم القصور في التعامل مع المهاجرين سواء كمصدر مهم لجلب العملة الاجنبية أو كمساهمين في التنمية عبر استثماراتهم.ومنذ أكثر من سنتين أقرت الحكومة خطة تواصلية مع الجالية التونسية بالخارج ودعم حوكمة قطاع الهجرة، فضلا عن دعم وتطوير الدبلوماسية الاقتصادية وإقامة الفعاليات المتنوعة القادرة على جلب الاستثمارات.

وفي ديسمبر2020 أعلن البنك المركزي التونسي تبنيه اقتراحا برلمانيا بدراسة تسهيلات لفتح حسابات ادخار بالعملة الاجنبية، بما يسمح للمهاجرين بتحويل مدخراتهم من النقد الخارجي نحو البنوك المحلية. ووعد المركزي حينها بإحالة الاقتراح على لجنة مختصة لصياغة مشروع قانون جديد في إطار سلسلة إصلاح التشريعات المالية التي تقودها السلطات المالية لمواكبة المتطلبات الاقتصادية الجديدة في ظل معاناة تونس من ضعف مدخراتها بالعملة بما يؤثر على نسق الأنشطة الاقتصادية وعلى واردات المواد الأساسية بسبب توجيه القسط الأكبر من العملة المتوفرة نحو سداد أقساط الديون المستحقة.

—————-

المؤشرات النقدية والمالية للبنك المركزي التونسي – تحيين 7 جانفي 2021. دراسة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي حول الكفاءات التونسية في الخارج – 2018.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING