الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: نشرت الوكالة الدولية للتصنيف الائتماني “ستندارد اند بورز غلوبال” تقريرا بعنوان”صدى صدمة أسعار الغذاء يتردد في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” رجحت فيه ان يفاقم تواصل النزاع بين روسيا وأوكرانيا الضغوط على أسواق الغذاء والطاقة باعتبار الدور المحوري لروسيا في إمدادات الطاقة والمساهمة الكبيرة للبلدين في الصادرات الفلاحية بالعالم.
تقرير الوكالة خلص بعد تحليل بيانات 35 دولة الى أن خمس دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بينها تونس ستكون الأكثر تضرراً من التداعيات الاقتصادية للصراع لارتفاع الرصيد الصافي لوارداتها من الغذاء والطاقة من ناتجها المحلي من ناحية ولاعتمادها على توريد جزء كبير من حاجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا من ناحية اخرى. وركز التقرير على ان اقتصادات هذه البلدان ستزداد هشاشة مع ازدياد البطالة والتفاوت في المداخيل وانخرام التوازنات الاجتماعية والسياسية فيها.
تونس من بين الدول الأكثر تأثراً بأزمة الغذاء والطاقة
ارجع تقرير وكالة “ستندارد اند بورز غلوبال” شدة تأثر خمس دول عربية بأزمات الغذاء والطاقة وهي مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس إلى أن صافي واردات هذه البلدان من الغذاء والطاقة يمثل ما بين 4 و17 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي علما انها تستورد القسم الأكبر من الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
ومن المتوقع أن تتسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا في مزيد توتر أسواق الغذاء والطاقة وارتفاع الاسعار فيها اذ تقدر الوكالة أن ارتفاع الأسعار وعدم الاستقرار في الإمدادات إلى جانب ارتفاع معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الخمس هي عوامل من شأنها ان تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل بما يشكل خطراً على الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية القائمة بسبب مخاطر التضخم سيما في ما يتعلق بأسعار الغذاء.
وارتبط تاريخيا الارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية بازدياد مخاطر عدم الاستقرار خصوصا في الاقتصادات ذات الدخل المنخفض على غرار تونس وعدد مهم من دول منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط سيما المستوردة للنفط. وتهدد الاضطرابات الحالية في واردات الغذاء الرئيسية من أوكرانيا وروسيا الإمدادات والقدرة على تحمل التكاليف في بلدان المنطقة بشكل عام والتي تعد مستورداً صافياً للسلع الغذائية الأساسية مثل القمح نظراً للضغوط الاجتماعية. وعبرت وكالة “ستندارد اند بورز غلوبال” عن اعتقادها بأن الحكومات ستضع برامج مالية تهدف إلى التخفيف من آثار ذلك والحد من الاستياء الاجتماعي اما عبر الإعانات أو من خلال الدعم.
وتبين المعطيات من جهة أخرى ان الحرب الروسية الأوكرانية تستمر في الضغط على أسواق السلع وأن ذلك أدى إلى زيادات حادة في أسعار السلع لأن روسيا وأوكرانيا مصدران رئيسيان للعديد من السلع الأساسية. وتكشف المعطيات أن أسواق الطاقة تضررت بشدة نظراً للدور المحوري لروسيا في إمدادات الطاقة العالمية خاصة في ظل ارتفاع سعر نفط برنت بنسبة 50 بالمائة هذا العام اضافة الى تضرر أسواق المواد الغذائية باعتبار أن روسيا وأوكرانيا تستحوذان معاً على ما يقرب من 60 بالمائة من الصادرات العالمية من زيت عباد الشمس وأكثر من 25 بالمائة من القمح ونحو 15 بالمائة من الذرة الى جانب أنهما من المنتجين المهمين للأسمدة.
قيود على الصادرات
قال تقرير “ستندارد اند بورز غلوبال” :”كما شهدنا قيام دول أخرى بفرض ضوابط على صادرات السلع الغذائية لحماية المستهلكين المحليين مثل القرار الأخير للحكومة الهندية بتقييد صادرات القمح في أعقاب الجفاف. وهذه التطورات تشكل ضغوطاً إضافية على أسعار الغذاء ولا يمكن التنبؤ بالتطورات المستقبلية لكننا نرجّح أن تظل أسعار السلع الأساسية مرتفعة لبعض الوقت ونعتقد الآن أن الصراع سيستمر لفترة أطول مما توقعنا سابقاً. وبغض النظر عن مدة الأعمال العسكرية من المرجح استمرار العقوبات والمخاطر السياسية لبعض الوقت. وفي ما يتعلق بأسواق المواد الغذائية من المحتمل أيضاً أن يكون لأحداث هذا العام تأثير سلبي في الصابة المقبلة مما يعكس المخاطر على الموسم الزراعي في أوكرانيا وارتفاع أسعار الأسمدة”.
اما على مستوى التداعيات غير المباشرة فقد تابع التقرير “قمنا بدراسة الآثار غير المباشرة للصراع الروسي الأوكراني على 35 سوقاً ناشئة على مستوى العالم ووجدنا أن خمس اقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ـ مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس ـ هي من بين الأكثر تضرراً. والسبب الأول لذلك هو أن هذه الاقتصادات تعتمد بشكل كبير على واردات السلع الغذائية أو الطاقة أو كلاهما ولبنان والأردن هما الأكثر تأثراً حيث ينفقان أكثر من 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على واردات الطاقة والغذاء. وتعتبر واردات تونس من السلع الغذائية وقبلها الطاقة كبيرة أيضاً. وتعتبر فاتورة استيراد الطاقة في المغرب إحدى أكبر الفواتير نسبة للناتج المحلي الإجمالي”.
مخزونات غير كافية
وحسب تقرير”ستندارد اند بورز غلوبال” خصصت اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا احتياطيات استراتيجية من القمح لحماية نفسها من الاضطرابات المحتملة في الإمدادات الغذائية. وتمتلك الأردن أكبر الاحتياطيات بين الاقتصادات الخمسة وتغطي استهلاك نحو 16 شهراً لكن احتياطيات مصر محدودة للغاية وتكفي إلى جانب الإنتاج المحلي حتى نوفمبر 2022 . وقد استلم المغرب معظم طلبات القمح السنوية لعام 2022 من أوكرانيا قبل تصاعد الصراع ومع ذلك فمن المرجح أن تتعرض أسواق السلع الغذائية في المنطقة للضغط إذا استمرت الحرب.
ولم يتطرق التقرير الى وضعية تونس باعتبار غياب الاحتياطيات سيما ان البلاد اصبحت تتزود منذ مدة من السوق الدولية حسب حاجاتها في غياب مخزونات ومع صعوبات كبرى في خلاص الشحنات حيث يتكفل البنك الوطني الفلاحي بشكل خاص بفتح الاعتمادات المستندية للتوريد لفائدة ديوان الحبوب والذي أصبح بذلك اكبر مدين للبنك بمستحقات قاربت 4 مليارات دينار وفقا للقائمات المالية للسنة الفارطة علما ان رصيد الاموال الذاتية للديوان سلبي بواقع (-2 مليار دينار).
تقييم الوضع في تونس
ذكرت مجموعة الازمات الدولية في مذكرة بحثية اصدرتها يوم 14 افريل الفارط ان بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد بشكل مفرط على استيراد الغذاء والطاقة وأن ذلك يتركها هشة على نحو خاص أمام الصدمات الاقتصادية نتيجة الأزمة الأوكرانية باعتبار أن بعض الدول تشتري كميات كبيرة من القمح من أوكرانيا وروسيا. وفي حين أن البعض مثل دول الخليج العربية تمتلك احتياطيات كبيرة فإن دولاً أخرى لا تمتلك أية احتياطيات الأمر الذي يجعل احتمال حدوث نقص لديها حقيقياً جداً. وفي حين لم يفرض أحد حتى الآن عقوبات على واردات القمح الروسي فإن المستوردين يواجهون صعوبة متزايدة في شراء القمح من روسيا بسبب صعوبات تحويل الأموال إلى الشركات الروسية والتأمين على السفن. كما أن الاعتماد على النفط والغاز المستوردين مشكلة أيضاً.
وتبقى دول لديها اكتفاء ذاتي أو حتى تصدر النفط والغاز مثل إسرائيل ومصر وإيران والعراق وليبيا وبعض دول الخليج العربية محمية من الركود بينما قد تواجه دول أخرى مثل لبنان وفلسطين والأردن واليمن وتونس صعوبات اقتصادية مع معاناة سكانها من درجة أكبر من الحرمان.
وفي ما يتعلق بتونس ابرزت المذكرة البحثية للمجموعة ان البلد مستورد صافٍ للغاز والنفط وأن ذلك يتركه عرضة لزيادات الأسعار العالمية في حين أنه يلبي 50 بالمائة من احتياجاته الداخلية من الغاز من إنتاجه الوطني ويشتري البقية من شركة سوناطراك الجزائرية بأسعار السوق ويتلقى 5 بالمائة كعائدات من مرور خط الأنابيب الموجه لايطاليا عبر المتوسط بالأراضي التونسية.
وتضخ تونس نحو 30 بالمائة من النفط الذي تستهلكه من الحقول الوطنية وتستورد البقية بأسعار السوق. ولذلك فإنه تنتج عن كل زيادة بمعدل دولار في أسعار النفط كلفة إضافية تبلغ نحو 40 مليون دولار في ميزانية الدولة. وقد استند اعداد قانون المالية وميزانية عام 2022 على فرضية سعر 75 دولاراً لبرميل النفط. وبالنظر إلى أن النفط الخام يباع بسعر يفوق 100 دولار للبرميل فإن كلفة واردات الطاقة سترتفع من 1.6 مليار دولار في عام 2019 إلى ما يقدر بـ 4 مليارات دولار في عام 2022 وهو الذي يشمل الغاز وأنواع الوقود الأخرى. ولقد أُجبرت الحكومة بذلك على رفع أسعار الوقود شهرياً الأمر الذي يغذي التضخم والاستياء الشعبي أيضاً حيث رُفعت الأسعار عدة مرات حتى الآن ببضع نقاط مئوية في كل مرة.
كما تشكل الواردات الغذائية لتونس مصدراً آخر للقلق وفق تقدير مجموعة الازمات الدوليةcrisis group . فالبلاد تنتج بين 70 و90 بالمائة من احتياجاتها المحلية من القمح الصلب وبين 10 و30 بالمائة من استهلاكها من القمح اللين (المستخدم لصنع الخبز الذي يعد الطعام الأساسي في البلاد بواقع استهلاك سنوي في حدود تتراوح بين 55 و70 كلغ للفرد سنويا). وتبلغ الواردات من أوكرانيا نحو 50 بالمائة من إجمالي واردات القمح في حين تأتي 4 بالمائة إضافية من روسيا. وقد أكدت الحكومة أن مخزونات القمح ستغطي الطلب الوطني حتى جوان لكن بدأ أصلاً حدوث نقص بشكل متفرق منذ جانفي الفارط قبل الغزو الروسي.
إضافة إلى ذلك يبلغ دين ديوان الحبوب للمصدرين الأوكرانيين نحو 300 مليون دولار. وقد طالبت أوكرانيا بدفع 50 بالمائة من إجمالي المبالغ المتبقية من الأشهر الستة الماضية مقدماً. وثمة تقارير تشير إلى أن عدة سفن محملة بالقمح من أوكرانيا توجهت إلى تونس لكنها لم تكن قادرة على تسليم حمولتها لأن الحكومة التونسية لا تستطيع توفير هذا المبلغ. ونتيجة لذلك ثمة مخاطرة بحدوث نقص في القمح قبل حصاد جوان الحالي في البلاد. وفي 24 مارس الماضي أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مدعوماً من مجموعة السبع “بعثة الصمود الغذائي والزراعي” التي تهدف إلى منع مخاطر المجاعة خصوصاً في تونس ولبنان وذلك بتقليص الانقطاعات التجارية إلى الحد الأدنى وتعزيز الإنتاج المحلي.
وعلى المدى القصير إلى المتوسط فإنه من المرجح حسب تقييم مجموعة الازمات الدولية أن يجعل تفاقم البؤس الاجتماعي وخصوصاً مخاطر حدوث نقص في الضرورات الأساسية التونسيين أكثر تقبلاً للخطاب الاستقطابي للناشطين الموالين والمعادين لسعيد. ويمكن لهذا الوضع أن يشكل تحديات أمنية خطيرة للسلطات بما في ذلك أعمال شغب وانتشار الجريمة. كما ترى مجموعة الازمات أن تراجع شعبية الرئيس أمر ممكن بشكل يعزله وقد يؤدي إلى حدوث عدم استقرار سياسي مزمن.
——————–
المراجع:
تقرير ستندارد اند بورز جلوبال: “صدى صدمة أسعار الغذاء يتردد في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” – ماي 2022.
“أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” – مذكرة بحثية لمجموعة الازمات الدولية – 14 افريل 2022.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 جوان 2022