الشارع المغاربي – تقرير: لماذا تدفع وكالات الترقيم تونس للاقتراض من صندوق النقد الدولي؟

تقرير: لماذا تدفع وكالات الترقيم تونس للاقتراض من صندوق النقد الدولي؟

قسم الأخبار

24 مارس، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: شكل صدور تقرير “فيتش رايتينغ” الأسبوع الفارط والذي حط من ترقيم تونس الى مرتبة “س س س” بالتوازي مع نشر البنك الأمريكي ” مورغان ستانلي ” تقريرا توقع في اطاره تعثر البلاد في سداد الديون، ضربة موجعة للغاية للمالية العمومية واقتصاد تونس. وتتالت التصريحات من قبل عدة أطراف وخصوصا من مسؤولي صندوق النقد الدولي للإسراع بتنفيذ “الإصلاحات” والاستدانة من جديد بتعلة انقاذ البلاد من افلاس محقق.

وستترجم حتما هذه الضربة بتدابير جديدة موجعة اقتصادية واجتماعية هذه المرة في حق الفئات الفقيرة والوسطى الى درجة إمكانية سحقهما في صورة عدم إيجاد السلط القائمة هامش مناورة في إطار التفاوض مع الصندوق او دعم موارد الدولة عبر الجباية وتنويع مصادر الاقتراض بشروط ميسرة ومعقولة. وفي الواقع لم يرد في التقريرين المذكورين أي جديد على مستوى تقييم الوضع الاقتصادي وتوصيف الأزمة. فقد سبق ان جاءات المؤشّرات الواردة في التقريرين في مذكرات وزارة المالية أو المعهد الوطني للإحصاء وكانت محل تنبيه الخبراء والاقتصاديين. لكن الجديد في الأمر هو رصاصة الرحمة التي أطلقت على هامش بداية التفاوض والمحادثات اليوم الخميس 24 مارس 2022 بين الدولة التونسية وصندوق النقد الذي أرسل وفدا لتونس لاقراض 4 مليارات دولار في سياق برنامج تمويلي مشروط جديد لسد عجز الميزانية لا غير.

وأثار تخفيض الترقيم السيادي لتونس وفق مذكرة للمرصد التونسي للاقتصاد من قبل وكالة الترقيم السيادي “فيتش رايتنغ” أواخر الاسبوع الماضي الكثير من الجدل. تم تداول الامر في جل وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية حيث خلق تصنيف تونس كدولة ذات مخاطر مرتفعة مناخا من الاستياء والخوف من اقترابها الى تصنيفها كبلد غير قادر على سداد ديونه بالرغم من أن هذا التخفيض كان منتظرا وليس بالمفاجأة. وبالعودة على ابجديات التصنيف السيادي يتضح انه تقدير او تصنيف تجريه وكالات الترقيم السيادي على غرار فيتش رايتنغ و”موديز” لتقدير مدى أهلية البلد محل الترقيم للحصول على قروض حيث تتم دراسة امكانيات الدولة المالية ومدى ائتمانها على القرض وقدرتها المالية على تسديده.

ويمثل الترقيم الذي تنشره وكالات الترقيم بصفة دورية مرجعا للسوق المالية العالمية والمستثمرين قبل اتخاذهم قرار تمويل دولة ما من عدمه الا أنه ومع تنامي تأثير هذه التصنيفات تعالت كثير من الاصوات المطالبة بمراجعة دور وكالات التصنيف والتثبت في مدى مصداقتيها.

وتمت الإشارة من قبل المرصد الى تنظيم مكتب الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لدى الامم المتحدة يوم الاثنين 21 مارس 2021 اجتماعا رفيع المستوى ضمّ مجموعة من الخبراء وممثلين عن وكالات الترقيم السيادي ومؤسسات الاستثمار العالمية إضافة الى وزير المالية بحكومة غانا ووزير المالية بحكومة ترينيداد وتوباغو لمناقشة الدور الذي تلعبه وكالات الترقيم السيادي في تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030.

وقع التطرق في مستوى اول الى تأثير وكالات الترقيم على البلدان النامية على غرار تونس وفرص حصولها على التمويلات من السوق العالمية. وفي مداخلته أكدّ وزير المالية لحكومة غانا “كان اوفوري ايتا” أن البلدان الافريقية هي الأولى على صعيد تخفيض الترقيم حيث إن المنهجية التي تعتمدها وكالات الترقيم لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاقتصادية لبلدان القارة. فعلى سبيل المثال ذكر الوزير لجوء حكومة غانا الى الترفيع في نفقات الدولة خلال ازمة الكوفيد 19 سعيا منها للحفاظ على ارواح المواطنين ليتم لاحقا تخفيض الترقيم السيادي لغانا بسبب هذه النفقات الإضافية.

وهو ما تطرّق اليه مكتب الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لدى الامم المتحدة في تقرير له حول وكالات الترقيم وعلاقتها بالديون السيادية حيث يشير التقرير الى ان 95 بالمائة من حالات تخفيض الترقيم التي تمت في فترة الجائحة الصحية العالمية تتعلق ببلدان نامية رغم نسبية الانكماش الاقتصادي الذي عرفته والذي يعتبر أكثر اعتدالا من الذي شهدته البلدان المتقدمة التي لم تشهد موجة تخفيض للترقيم السيادي مثلما حصل مع البلدان النامية.

هذه الحادثة ليست بمعزولة حيث وخلال الاجتماع تطرقت “راميا فيجاي” القائمة على قسم البحوث الاقتصادية بجامعة Stockton بالولايات المتحدة الامريكية الى أن وكالات الترقيم لا تأخذ بعين الاعتبار الدور الاجتماعي للدول والى انها تحث في تقاريرها على الحد من نفقات الدولة واعتماد التقشف مثلما حدث مع تقرير تخفيض الترقيم السيادي للبرازيل حيث عللت وكالة الترقيم هذا التخفيض بارتفاع النفقات الاجتماعية للبرازيل.

لا تقتصر هذه الآراء على ممثلي بلدان العالم النامي والباحثين فقط اذ صرح “هيرو ميزونو” المبعوث الخاص للأمم المتحدة المكلف بالتمويل المستدام والمسؤول السابق عن صندوق الاستثمار الحكومي الياباني أن محدودية المنهجية المتبعة من قبل وكالات التعاون الدولي تؤدي الى حرمان البلدان النامية من الحصول على التمويلات اللازمة لتحقيق اهداف التنمية المستدامة وانه خلال عمله على رأس صندوق الاستثمار الياباني كان من الممكن لليابان استثمار مبالغ أكبر مما تم استثماره لافتا الى أن تخفيض الترقيم السيادي للبلدان النامية باستمرار عطّل هذه الاستثمارات.

بالرجوع الى تونس يمكن ملاحظة تجاوز تقارير الترقيم السيادي سواء الذي نشرته مووديز او فيتش رايتنغ حدود المنهجية التي تدعي الوكالات احترامها. فالتطرق الى الوضع السياسي والتوصيات بضرورة التسريع بإمضاء اتفاق مع صندوق النقد الدولي تعد تجاوزا صارخا وتوحي بعدم حيادية الوكالات وتعكس مدى ارتباط مصالحها بالهيئات المالية الدولية.

مراجعة دور وكالات الترقيم السيادي خصوصا وهيكلة النظام المالي العالمي عموما أصبح حاجة ملّحة حسب تقدير المرصد التونسي للاقتصاد. تحقيق أهداف التنمية المستدامة والعمل من اجل ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتطلب تمويلات، تمويلات تُمنع البلدان النامية من الوصول اليها بسبب وكالات الترقيم والتخفيض المستمر لترقيمها السيادي الذي يعتمد منهجية غير مرنة لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الاقتصادية لهذه البلدان وتعاقب كل دولة ترفع في انفاقها العمومي بالتخفيض.

يذكر ان “يوافين لي” الخبيرة المستقلة المعنية بآثار الديون الخارجية للدول وما يتصل بها من التزامات مالية دولية أخرى في التمتع الكامل بحقوق الإنسان كانت قد اعتبرت في تقريرها الصادر في 17 فيفري من العام الفارط والمعروض على مجلس حقوق الإنسان، أن تراجع قدرة الدول على التصرف في الديون الخارجية أمر منطقي في ظل أزمة كورونا التي ألقت بظلالها على اقتصادات أغلب الدول، وخاصة الدول في طريق النمو.

وأضاف التقرير أن مؤسسات التقييم بدل أن تلعب دور الجسر بين الدائنين الدوليين والمدينين، أضحت لا تركز اهتمامها إلا على مصالح الدائنين وأهلية الدول الفقيرة أو التي تمر بصعوبات مالية للتداين الخارجي ويبلغ ذلك حد تقديم آرائها وأحكامها حول الأوضاع السياسية والاقتصادية. ونتيجة لذلك، وفق الخبيرة المستقلة، فإن خيارات الاقتراض ستتقلّص بالنسبة إلى هذه الدول، علاوة على ارتفاع حجم الفوائد وسعر الدين الخارجي.

ولفتت في التقرير ذاته إلى أن مؤسسات التقييم الثلاث التي تحتكر هذا المجال وتحظى بدعم وتفخيم دولي “ستاندارد أند بورز، فيتش، موديز” كثيرا ما تصدر تقييمات ذات بعد أيديولوجي معاد للدول المحافظة على نموذج حمائي، وتتدخل في السوق الاقتصادية، وتفضّل تلك التي تنفذ إجراءات تقشفية.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING