الشارع المغاربي – حسب‭ ‬معطيات‭ ‬دولية‭ :‬مخاطر‭ ‬تونس‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬تسير‭ ‬نحو‭ ‬الذروة

حسب‭ ‬معطيات‭ ‬دولية‭ :‬مخاطر‭ ‬تونس‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬تسير‭ ‬نحو‭ ‬الذروة

قسم الأخبار

12 مارس، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تراجعت استثمارات الشراكة الخارجية، وفقا لآخر بيانات وكالة النهوض بالصناعة والتجديد بنسبة 49.7 بالمائة نهاية شهر جانفي الفارط وذلك في ظل تعتيم احصائي ملحوظ بخصوص جل مؤشرات القطاع الخارجي. كما تصرّ السلط التونسية رغم احتداد الازمة الغذائية في تونس بسبب انهيار منظومات فلاحية كبرى واشتداد ازمة الغذاء في العالم، على ان ما يجري في هذا الإطار هو جزء من خيوط مؤامرة ترمي الى ارباك تجربة 25 جويلية.

في المقابل، تتواتر التقارير الدولية حول التأثير الخطير للازمة السياسية والاجتماعية على مقومات الاقتصاد والتي تسعى السلط ووسائل اعلامها الرسمية لعدم الكشف عنها. وفي هذا الإطار، أصدرت حديثا الشركة الفرنسية للتأمين على التجارة الخارجية “كوفاس” تقريرها التقييمي السنوي حول تونس والذي صنف البلاد في خانة المخاطر العالية وفي بند الدولة الخطرة في ما يتعلق بمناخ الاعمال.

أزمة اجتماعية في الأفق

صنفت الـ “كوفاس” وهي هيئة متخصصة في تقييم التعاملات الاقتصادية، تونس كبلد عالي المخاطر وهو نفس التصنيف الذي تحافظ عليه البلاد منذ خمس سنوات. غير ان تقييم هذا العام تضمن معطيات نوعية تتصل اساسا بالتغيرات السياسية ومدى استفحال الازمة الاجتماعية والغذائية والعجز عن التصرف فيها.

وشددت الهيئة على التوسع الفادح للتفاوت بين الفئات الاجتماعية والجهات وذلك في ظل نسبة قياسية للبطالة بلغت 41 بالمائة لدى الشباب مما انجر عنه ازدياد الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات. كما تطرقت الى عدة ظواهر على غرار التأثر الشديد للاقتصاد بتداعيات الجائحة وعدم استعادة عافيته علاوة على ما يتسم به المشهد السياسي من أحادية واستمرار مشاكل القطاع السياحي في ظل التحديات الأمنية وانهيار الاستثمار وضعف عرض القطاعات بحكم ما تعاني من أزمات عميقة.

وارتكز تقييم الـ “كوفاس” على ثلاثة محاور أساسية:

• تونس بلد نجاح “الربيع العربي” يجابه خطر تراجع الديمقراطية

ذكرت الهيئة على هذا الصعيد بانه وبناء على قراءة مثيرة للجدل لدستور 2014،علق الرئيس قيس سعيد المنتخب في أكتوبر 2019 اشغال البرلمان أواخر جويلية 2021 وعزل رئيس الحكومة هشام المشيشي وكافة أعضائها لتصبح للرئيس بذلك صلاحيات السلطة التنفيذية. وشددت الـ “كوفاس” على ان مجلس نواب الشعب كان مشتتا للغاية في سياق صراع بين من وصفتهم باللائكين والمحافظين وعلى ان سعيد قام في سبتمبر 2021 بتعليق العمل بقسم كبير من الدستور وأعلن عن حكمه بالمراسيم ثم سمى حكومة “تكنوقراط” في أكتوبر.

وقدرت الـ “كوفاس” انه وعلى عكس التوقعات بإعادة تمكين البرلمان من الاجتماع مجددا الا انه يبدو ان الرئيس سعيد عازم على تجريده من سلطته. ونوهت على هذا الأساس بانها تتوقع تأخر تنفيذ “الإصلاحات” او عدم تجسيمها بسبب تواصل دخول البلاد في مازق سياسي ودستوري.

• بين الجائحة والازمة السياسية، افاق الانتعاش محدودة

وفقا لتقرير الشركة الفرنسية للتأمين على التجارة الخارجية، فان الازمتين الصحية والسياسية ووضعية الاحتقان الاجتماعي هي معضلات تواصل التأثير في الاقتصاد التونسي. ورغم بروز محاولات من قبل أطراف اقتصادية تسهم في إنعاش الاقتصاد الا ان العودة الى مستوى ما قبل الجائحة يبقى مكبلا بضعف نسق اللقاح وحدة الازمة السياسية الراهنة والمخاطر الضمنية للاضطرابات الاجتماعية.

وقدرت الـ “كوفاس” ان عدم وضوح الرؤية واستمرار ارتفاع نسبة البطالة (16 بالمائة متوقعة سنة 2022) هما عاملان من شأنهما التسبب في فقدان المستهلكين الثقة في الاقتصاد وفي وقع سلبي على مساهمات العائلات والافراد في النمو بحكم ان هذه المساهمة تناهز 75 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

كما تم التأكيد على هشاشة القطاع البنكي الذي لا ينتظر ان يكون قادرا على دعم القطاعات الاقتصادية في صورة حدوث صدمة مالية معقدة مما يشكل خطرا إضافيا على افاق الاستثمار.

• دون دعم صندوق النقد، البلاد معرضة الى ازمة مالية مؤكدة

تحصلت تونس على تمويلات من الاتحاد الأوروبي في اواسط ماي 2021 قيمتها 300 مليون أورو وأخرى من البنك الافريقي للتنمية بما يعادل 60 مليون أورو وفق ما أورد تقرير الـ “كوفاس” وذلك في إطار دعم الإنعاش الاقتصادي وادماج الفئات الاجتماعية الضعيفة. ومكن ذلك في الواقع من الخلاص النسبي لقروض خارجية حل اجل دفعها ومن تخفيف الضغط على المدخرات من العملة الأجنبية التي مازالت ترتفع الى ما يعادل 4 أشهر توريد.

ولكن تداعيات الازمة السياسية اثرت بشكل جد سلبي على علاقات البلاد بالهيئات المالية الدولية الدائنة سيما صندوق النقد الدولي. وجرى التأكيد، في هذا السياق، على انه يصعب دون اتفاق تمويلي مع الصندوق تعبئة أموال لتغطية الحاجات اللازمة على المدى القريب للمالية العمومية وعلى أن ذلك يمثل خطرا كبيرا على مستوى القدرة على جدولة الديون او الإيفاء بخلاصها وعلى أن  توقيع اتفاق مع الصندوق يبقى ممكنا في صورة اتخاذ الإجراءات الاقتصادية التي يطلبها.

كما جرى التشديد على انه من الوارد أن يتراجع عجز الميزانية رغم ارتفاعه إذا ازدادت مداخيل الميزانية ولو نسبيا، من ناحية وتراجعت نفقات الاستثمار والتسيير، من ناحية أخرى. كما انه ورغم ارتفاع الدين بالعملة الأجنبية (56 بالمائة بالاورو) فان 70 بالمائة من هذا الدين يتحوزه دائنون ثنائيون ومتعددو الأطراف. ويبقى مؤشر التداين قبلا للتأثر السلبي الى حد بعيد بتغير سعر الصرف.

ومن المرتقب ان يتواصل ارتفاع الدين الخارجي (90 بالمائة من الناتج) علما ان الجزء الأهم من الدين (80 بالمائة) يرجع مباشرة للدولة او هي ضامنة لخلاصه. ورغم بقاء سعر صرف الدينار مستقرا الأعوام الأخيرة، فان أي اشكال بخصوص الإيفاء بسداد الديون سيتسبب في هروب للأموال المستثمرة وفي اندلاع ازمة نقدية.  

البنك الدولي يطالب تونس بتفادي أزمة اقتصادية تتحول إلى اجتماعية

أبرز البنك الدولي نهاية جانفي الفارط في تقرير له بعنوان “الإصلاحات الاقتصادية للخروج من الازمة” في نفس سياق تقييم الـ “كوفاس” ان تونس لن تتمكن تونس من تحقيق مستوى حجم ناتجها الداخلي الخام المسجل في سنة 2019، سوى في سنة 2024. ويفترض تقدير البنك الدولي ان يعود الاقتصاد التونسي الى امكاناته، المتواضعة، السابقة للازمة بعد ان تتم السيطرة على الجائحة، مضيفا ان الحكومة التونسية مدعوة الى “تنفيذ إصلاحات هيكلية بشكل حازم ودون تأخير”، بما من شأنه ان يحافظ على ثقة المستثمرين ويضمن استقرار الاقتصاد الكلي.

ونبه البنك الدولي “الى ان هذه العملية تكتسي صبغة عاجلة باعتبار ان توازنات الاقتصاد الكلي ملحّة، وبالنظر الى استحالة الحصول على تمويلات خارجية من الأسواق الدولية والانخفاض المحتمل للمدخرات، بسبب العجز الهيكلي الجاري وخدمة الدين الخارجي” مبرزا أن “الحكومة وكل الأطراف المشاركة مطالبة بالتحرك العاجل لتفادي ازمة اقتصادية ستتحول الى ازمة اجتماعية”.

ودعا البنك الدولي، تبعا لذلك، الحكومة الى احتواء تفشي الجائحة عبر مواصلة جهود التلقيح بالأساس، علاوة على النجاح في تمويل العجز العمومي وسداد الدين والمحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي للبلاد. ورأى لهذا الغرض وجوب العمل على توفير مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي ملائم لحشد الموارد واستعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد السواء. وتابع ملاحظا، ان المفاوضات من أجل التوصل الى برنامج مع صندوق النقد الدولي، الضروري للحصول على دعم الهياكل الدولية والإقليمية وكذلك في إطار التعاون الثنائي، بدأت من هذا المنطلق”.

وأشار على صعيد اخر، الى وجوب “العمل على حل الإشكاليات التي تحول دون تصرف رشيد في الموارد”، ومنها القيود المفروضة على النفاذ الى الأسواق الى جانب الحواجز التي تعوق المنافسة .ويتوقع البنك الدولي في ما يخص عجز الميزانية “تواصل تراجعه التدريجي على المدى القصير، ليصل الى ما بين 5 و7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في الفترة 2021 – 2023، بفضل التغطية باللقاح، لكن بشرط الحفاظ على المسار الإيجابي نسبيا للمصاريف والمداخيل.

ويفترض ذلك الإبقاء على مستوى المداخيل الجبائية والتحكم في تطور كتلة الأجور علاوة على التقليص في التحويلات الاجتماعية والمساعدات لتعويض الكلفة المتنامية لخدمة الدين.في المقابل “ينتظر ان يتعمق العجز الجاري بشكل طفيف ليتراوح بين 7 و7.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنتي 2022 و2023 بفضل انتعاشه المبادلات مع افتراض بقاء سعر النفط في مستواه الحالي.

واعتبر البنك الدولي ان المخاطر تظل عالية بالنسبة للتوازنات الخارجية، خاصة بطء استعادة الصادرات لنسقها، خاصة السياحة، وبالنظر الى التأثير الكبير جدا للجائحة على قدرات المؤسسات. ولم يفت المؤسسة المالية ان تشير الى ان من شأن اللجوء المتنامي الى خلق كتلة نقدية ان يشكل خطرا على الاستقرار المالي والنقدي مضيفا ان “هذه المخاطر تزيد حدة باعتبار ان البنك المركزي يستوعب السيولة من النظام المصرفي وكذلك بالمستوى المرتفع للقروض غير المنتجة 6ر13 بالمائة سنة 2020”.

وبين البنك الدولي، ايضا، انه لا يمكن الاستهانة بمخاطر صدمة العرض السلبي الناجم عن ارتفاع الأسعار الدولية، على الاقتصاد ولفت التقرير الى ان “النمو الاقتصادي في تونس سيكون في حدود 3.5 بالمائة سنتي 2022 و2023”.

https://www.worldbank.org/404_response.htm

https://www.coface.fr/Etudes-economiques-et-risque-pays/Tunisie?fbclid=IwAR1Qvr-jz5xoUT13FHL8umr1CToV7zvAra5_DICPJhR7i3khPlgwcC23tOs

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING