الشارع المغاربي – عجز ميزانية الدولة: البحث عن «الوطنية» في جيوب المواطنين

عجز ميزانية الدولة: البحث عن «الوطنية» في جيوب المواطنين

قسم الأخبار

13 نوفمبر، 2021

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم الخميس 4 نوفمبر 2021، على أشغال مجلس وزاري تمحور جدول اعماله بالأساس حول مشروع مرسوم يتعلّق بقانون المالية التعديلي لسنة 2021 ومشاريع مراسيم اخرى تهم الموافقة على اتفاقيات قروض. وأعرب رئيس الجمهورية عن ثقته في قدرة البلاد على تجاوز الأزمة التي تمرّ بها وإيجاد التوازنات المالية المنشودة بفضل العمل الدؤوب وتشريك كل المواطنين والمواطنات داخل تونس وخارجها مؤكدا على أن الموارد المالية التي سيتم تجميعها ستكون تحت الرقابة المباشرة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة حتى لا يُصرف أي مليم إلا في ما رُصد له.

وأشار الرئيس، أيضا، إلى أن تونس دخلت مرحلة جديدة من تاريخها مختلفة عن المراحل السابقة وتتطلب استنباط تصورات وأدوات عمل جديدة لإدارة الشأن العام خارج الأطر والمفاهيم التقليدية. وفي الواقع، فان دعوة الرئيس لتعبئة موارد مالية بشكل مباشر من الموطنين داخل البلاد وخارجها لم تكن مستبعدة بعد شبه التأكد من ان البلدان “الصديقة” وكبريات المؤسسات المالية الدولية الدائنة امتنعت عن تمويل عجز ميزانية تونس رغم وعودها المتكررة في هذا الشأن بعد “تغيير 25 جويلية” لأسباب عديدة أبرزها عدم قدرة تونس على تحمل مزيد التداين، من ناحية وتراجع ترقيمها السيادي الى درجات غير “آمنة”، من ناحية اخرى.

التبرع دلالة على المواطنة “الفعلية”؟

أكّد محمد عمّار النائب بالبرلمان المجمّد يوم السبت الفارط 6 نوفمبر الجاري على ضرورة استنباط رؤية لتونس في افق الـ 20 او الـ 30 سنة القادمة داعيا رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى إطلاق حوار اقتصادي اجتماعي تنموي معتبرا أنّ الاكتتاب الوطني “من أرقى أشكال الوطنية الفعلية” مذكرا بأنّه كان قد اقترح في قانون المالية الماضي اكتتابا وطنيا للتونسيين بالخارج في حدود مليار دينار.

وكتب عمّار في تدوينة نشرها في نفس اليوم على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي: “بعد استراحة ومتابعة عن بعد للشأن الوطني.. اكرر للمرة الالف ان الاقتصاد هو من يقود السياسة وليس العكس، ونحن في مفترق طرق وفي وضعية اقتصادية كارثية منها ما هو قريب المدى (قانون مالية تكميلي وقانون مالية لعام 2022) وما هو متوسط المدى وحتى بعيد المدى اي ضرورة استنباط رؤية لتونس في أفق 20 أو 30 سنة قادمة”. وأضاف “بمناسبة الحديث عن الحوارات الوطنية غير التقليدية، أدعو رئيس الجمهورية الى جانب الحوار السياسي (نظام انتخابي ونظام سياسي) الى إطلاق حوار اقتصادي اجتماعي تنموي وهذا هو الاهم بالنسبة لي لمعرفة مقدرات جهاتنا ونقاط قوتها وضعفها يتسنى من خلاله وضع رؤية حقيقية للبلاد منبثقة من الاسفل الى الاعلى والقطاعات الاقتصادية التي يجب التركيز عليها تركز على الأمن القومي الغذائي والمائي والرقمي والصناعي”.

وتابع “بالنسبة للاكتتاب الوطني، لعله يبقى من ارقى أشكال الوطنية الفعلية وليس الشعاراتية، كنت اقترحت في قانون المالية الماضي اكتتابا وطنيا للتونسيين بالخارج في حدود مليار دينار وتم اعتماده ضمن قانون المالية دون الاشتغال عليه مع نسبة فائدة تتراوح بين 2 و3% حسب المدة (سنتان او ثلاث) وتكون الفائدة بالدينار التونسي مع تقديم امتيازات لكل تونسي بالخارج يرغب في الاستثمار ببلاده ويكون هناك شباك موحد للتونسيين بالخارج تشرف عليه وزارة الخارجية او رئاسة الجمهورية لتسهيل عمل البيروقراطية المقيتة بين الوزارات ويبقى الاهم في هذا الاقتراح هو مدى قدرة الدبلوماسية التونسية وسفرائنا في الخارج على ترويج ذلك بين أبناء الجالية والوصول اليهم وترغيبهم في ذلك (حلقة مفقودة تمام)”.

ولكن عمار غابت عنه العديد من الوضعيات أبرزها ان القيام بالواجب الجبائي هو في الواقع الحالة الوحيدة التي تعتبر حسب المعايير الدولية أرقى أشكال الوطنية الفعلية. وتبرز في ذات السياق المذكرة الأخيرة لوزارة المالية حول متابعة تنفيذ ميزانية الدولة الى موفي اوت الفارط ان المؤسسات والاجراء يدفعون بشكل واضح الكثير من الاموال لخزينة الدولة حيث ارتفعت المداخيل الجبائية الى 19313.1 مليون دينار بزيادة نسبتها 15.9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2020 رغم حالة الكساد ونقص المرابيح التي تشهدها كافة القطاعات الاقتصادية.

كما ارتفع حسب المذكرة الاداء على الدخل بـ 5.0 بالمائة الى حدود 6044.8 مليون دينار في حين ازدادت الاداءات غير المباشرة (على الاستهلاك) بزهاء 24.1 بالمائة لتناهز 11369.4 مليون دينار اواخر اوت الفارط .ولا يمكن على وقع هذا الضغط الجبائي الشديد والارتفاع القياسي في نسبة التضخم والتي تجاوزت 20 بالمائة لعدة منتجات حيوية ان يطلب من التونسيين تقديم براهين اضافية على وطينتهم وتحميلهم أوزار عجز المالية العمومية واعباء تحمل الـ 1900 دينار التي تنفق سنويا على تزويد السيارات الفاخرة بالوقود لـ “المسؤولين” الاداريين وتوفير مساكن وظيفية فخمة للآلاف منهم، في حين تطلب ثلث العائلات التونسية اي مليون ومائة ألف عائلة إعانات بـ 300دينار لمجابهة الفقر والاحتياج تبرع بها لهم البنك الدولي.

أما التونسيين بالخارج فقد حولوا منذ بداية العام والى نهاية شهر اكتوبر الماضي 6689.4 مليون دينار وهو رقم قياسي لم يسبق ان سجل من قبل حسب احصائيات البنك المركزي التونسي، تم مع الاسف استهلاكه بالكامل مع ايرادات السياحة وكل عائدات القطاع الخارجي في خدمة الديون الخارجية علما ان الجالية التونسية تعاني الى اليوم عند تحويلها الاموال من قيود صارمة وغير مفهومة تفرضها المؤسسات المالية التونسية علاوة على المعاناة عند تواجدها في تونس سيما في سياق ارادتها بعث المشاريع او في اطار تعاملها مع الادارة.

ويعتبر من الوهم في الظرف الحالي ان تطلب الدولة المزيد من التحويلات من التونسيين في الخارج خصوصا انهم غير معنيين بمشاكل سوء التصرف في المالية العمومية، من جهة وان اغلبهم غادر تونس لإيمانه بأنه لا فرص في اصلاح وضعيتها وتطوير الاوضاع في البلاد على الاقل على المدى القريب او المتوسط، من جهة اخرى.

اقبال ضعيف على الاكتتاب في القروض الرقاعية الوطنية

بمقتضى الأمر الحكومي عدد 418 لسنة 2021 الذي نصّ على أنّ الدّولة تصدر قرضا رقاعيا وطنيا لتغطية جزء من حاجات ميزانية الدولة لسنة 2021، انطلقت عملية الاكتتاب في القسط الاول منه يوم 21 جوان الفارط واستمرت طيلة اسبوع لتجري تعبئة موارد جلها متأتية من البنوك والمؤسسات المالية بقيمة 715 مليون دينار. وفي 18 اوت جرى اصدار قسط ثان من ذات القرض لم يمكّن من تعبئة سوى 468 مليون دينار لتعلن وزارة المالية عن انطلاق عملية اكتتاب في قسط ثالث، يوم 3 نوفمبر 2021 على أن يتمّ غلقها يوم 12 نوفمبر 2021، مع إضافة إمكانية الاكتتاب بنسب فائدة متغيّرة في كل أصنافه.

وللتذكير، فإنّ الأمر الحكومي عدد 418 نصّ على أنّ الدّولة تُصدر قرضا رقاعيا وطنيا لتغطية جزء من حاجات ميزانية الدولة لسنة 2021. وقد حدّد الأمر ثلاثة أصناف “أ وب وج” يختار المكتتب أحدها. وتتراوح مدة السداد في هذه الأصناف بين 5 و7 سنوات حسب الصنف، بينما حدّدت القيمة الاسميّة لكل سند بـ 10 دنانير بالنسبة للصنف “أ” و100 دينار بالنسبة للصنف “ب” و 1000 دينار بالنسبة للصنف “ج”. وتسدّد الفوائد سنويا بحلول الآجال وهي تتراوح بين ما يعادل نسبة الفائدة بالسوق النقدية زائد 2.24 بالمائة ونسبة الفائدة بالسوق النقدية زائد 2.65 بالمائة.

وللإشارة، فان قانون المالية كان قد قدر الموارد المطلوب تعبئتها في اطار الاكتتاب الرقاعي بنحو 600 مليون دينار في حين انها ناهزت مع غلق مرحلة الاكتتاب الثانية 1183 مليون دينار وهو ما يكشف مقدار الفجوة المالية المهمة المترتبة على تنفيذ ميزانية السنة الحالية.

وتحتاج ميزانية الدولة لسنة 2021 تعبئة موارد مالية لا تقل عن 18.5 مليار دينار، وهي تتوزع بين اقتراض داخلي في حدود 5.6 مليارات دينار واقتراض خارجي بقيمة 13 مليار دينار. وتتزامن الدعوة الى الاكتتاب في القسط الثالث ودعوة رئيس الدولة المواطنين الى تعبئة موارد مالية لمعالجة الخلل الهائل في الميزانية مع إعلان وزارة المالية عن تسجيل عجز في الميزانية في حدود 3 مليارات دينار خلال الأشهر الثمانية الماضية، مع حجم دين عمومي لا يقل عن 101.1 مليار دينار، ويمثل الدين الخارجي نحو 60 في المائة منها.

وتؤكد وزارة المالية من ناحيتها، على أهمية الانخراط في عمليّة الاكتتاب باعتبار الشروط الملائمة التي توفرها كعملية ادخار متوسّط المدى وباعتبار أهميتها في تعبئة موارد لتمويل ميزانية الدّولة. كما ثُمّنت في السياق نفسه نجاح عمليّة الاكتتاب في القسطين الأول والثاني. وأعرب ممثلو القطاع المالي من جهتهم عن استعدادهم لإنجاح عمليّة إصدار القسط الثالث من القرض بوصفه “واجباً وطنياً”، والتزامهم بمواصلة دعم مجهود الدّولة في تمويل الميزانيّة.

غير ان العملية برمتها لا تعدو ان تكون قرضا بنكيا مجمعا جديدا للدولة باعتبار أن البنوك وبعض المؤسسات المالية تشكل في الواقع ابرز المكتتبين، بحكم ان ادخار الاسر التونسية هو في ادنى مستوياته اذ لا تتجاوز اجمالا نسبة الادخار الوطني من الدخل العام 4.4 المائة وحتى في صورة اكتتاب كل اسرة تونسية وعددها 3 ملايين اسرة دون اعتبار الاسر المعوزة وعددها يفوق المليون اسرة في عمليات تعبئة موارد للدولة بقيمة الف دينار لكل منها، فإن القيمة الاجمالية لهذا الاكتتاب مهما كان شكله لا يمكن ان تتجاوز ملياري دينار وهو ما لا يكفي لمصاريف تأجير ونفقات اسطول سيارات ومساكن الوظيفة لآلاف الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين والمديرين العامين والمديرين ورؤساء المصالح بالإدارة التونسية لأكثر من شهر.

وتُفسر هذه المعطيات تشديد مسؤولي صندوق النقد الدولي الذي بدأت معه “المباحثات” حول دين لسد ثغرة الميزانية، مما يجعل منه دينا كريها لأنه لا يُموّل حاجات الشعب،على ضرورة وضع اصلاحات تقشفية اهمها ترشيد الدعم والتقليص من الاجور ومصاريف الادارة ومسؤوليها.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 9 نوفمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING