الشارع المغاربي – على عكس ما تدّعي منظمة الدفاع عن المستهلك: الأسعار جُنّت وخرجت عن السيطرة !

على عكس ما تدّعي منظمة الدفاع عن المستهلك: الأسعار جُنّت وخرجت عن السيطرة !

قسم الأخبار

24 أبريل، 2021

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أكّد مؤخرا سليم سعد الله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك وهي منظمة ذات تمويل حكومي انه تم رصد ارتفاع في الأسعار مقارنة بشهر رمضان الفارط رغم توفّر المواد الغذائية والمنتجات الفلاحية على حد تقديره مرجعا الأمر بالأساس الى لهفة المستهلك ناسيا بالتأكيد أن التونسيين قد تحولوا في قسم مهم منهم الى فقراء وأن الفقير حتى وإن كان ملهوفا فإنه لا يملك امكانات الاستهلاك. وغض المسؤول الطرف عن عصابات الخضر والغلال واللحوم والأسماك والأعلاف التي تحولت الى قوى ضاربة بدأً بضيعات الفلاحين أين تبتز وتساوم مرورا بالمخازن أين تحتكر وتضارب ووصولا إلى الأسواق أين تتحكم كما تشاء في الأسعار في ظل غياب تام أو يكاد للرقابة.

وكان وزير التجارة محمد بوسعيد قد نفى قبل انطلاق شهر رمضان بأسابيع امكانية ارتفاع الأسعار بنسبة 30 بالمائة خلال الشهر الكريم وفقا لما تداولت عديد المصادر الاقتصادية فإذا بجلها يتضاعف وذلك خصوصا بالنسبة للمواد الغذائية الحساسة لتتحول ثلاجات الأسر التونسية الى ما يشبه الخزائن الخاوية في انتظار اعلان الوزير في الفترة القادمة عن الزيادة مجددا في اسعار عدة مواد كالسكر والشروع في تطبيق برنامج رفع “الدعم” او النزر اليسير الذي بقي منه بتعلة توجيهه لمستحقيه وهم كثيرون ان لم يكونوا جل التونسيين بعد سحق غير مسبوق طال كافة فئات المجتمع تقريبا.

عصابات القوت

يعيش التونسيون منذ مدة طويلة وبالخصوص خلال المواسم الاستهلاكية على غرار شهر رمضان على وقع انفجار شامل للأسعار سيما أسعار الغذاء.وقبل شهر رمضان لمح العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي الوطني الى أن البلاد ستشهد موجة غلاء قياسي تتعلق بالخصوص بارتفاع أثمان الخضر والغلال واللحوم بسبب تزامن رمضان مع موسم تقاطع الفصول الذي يقلّ فيه إنتاج العديد من المواد الفلاحية وعدم تكوين اي مخزونات تعديلية الى جانب عدم برمجة التوريد سيما في ما يتعلق باللحوم. وشكل اعلان المعهد الوطني للاحصاء ان نسبة التضخم انخفضت اواخر مارس الى 4.8 بالمائة صدمة للاقتصاديين والخبراء اسقطت ورقة التوت عن المنظومة الاحصائية وافقدتها اية مصداقية.

ويعاني المواطنون بشتى اطيافهم منذ أشهر من ارتفاع جنوني لأسعار الخضر والغلال والدواجن والبيض واللحوم الحمراء فضلا عن زيادات أخرى متواترة في مختلف المواد الغذائية المصنعة. وازدادت المعاناة بعد انهيار مؤشرات الاقتصاد والمالية العمومية الذي فاقمته تداعيات الجائحة مع شهر رمضان وهو أهم المواسم الاستهلاكية في تونس حيث يزيد معدل الإقبال على المواد الأساسية للطبخ بأكثر من 50 بالمائة فيما يتضاعف الإقبال على مواد أخرى مثل البيض بأكثر من 3 مرات.

كما شملت الزيادة في الأسعار أصنافا من الخضر على غرار الطماطم والبصل والخضر الشتوية نتيجة نقص التزويد وممارسات لوبيات الأسعار والاحتكار التي قد تكون مدعومة من جهات نافذة بعد أن أصبحت لها “خبرة” عقد كامل في “التصرف في التزويد” مما تسبب آليا في زيادة الأسعار.

ولم تستثنِ موجة الغلاء التي تشبه موجات التهاب الأسعار في البلدان التي تشهد نزاعات كبرى مواد أخرى أساسية عرفت بالاستقرار في العرض والأسعار ومنها البطاطا بعد أن اطاحت اللوبيات الغذائية بالمخزونات التعديلية من هذه المادة التي تم تجميعها وذلك في ظل تراخ استثنائي لمصالح المراقبة الاقتصادية التي دأبت على التصدي للمضاربين ومكافحة الغلاء بزيادة المهمات الرقابية في الأسواق وتحديد هوامش الربح.

وحسب المعطيات المتاحة على مستوى بعض الاسواق ونقاط البيع ازدادت أسعار الخضر بـ12.1 بالمائة والزيوت الغذائية بنسبة 10.2 بالمائة فيما قدرت الزيادة في أسعار مشتقات الحليب والبيض بنسبة 5.7 بالمائة.

في الواقع فإن الغلاء أصبح منذ سنوات واقعا ملموسا يواجهه التونسيون يوميا غير أن طفرات الأسعار من حين الى اخر تزيد بشكل بالغ من صعوبة الوضع الغذائي في ظرف اجتماعي صعب لفئات واسعة من المواطنين ممن فقدوا مداخيلهم في ظل انعكاسات الجائحة الصحية وعدم دعم الدولة لهم الى جانب وجود نحو مليون عاطل عن العمل و1.3 مليون تونسي يعملون في القطاعات العشوائية بمداخيل يومية غير منتظمة وقريبة من حد الفقر المدقع حسب بيانات العديد من المراصد الاجتماعية المحلية والدولية.

الفلاحون…ضحايا الدولة واللوبيات

يبرز العديد من المهتمين بالشأن الغذائي الوطني على غرار عدد من اعضاء اتحاد الفلاحين ان اهل القطاع هم بدورهم ضحايا زيادات أسعار مدخلات الإنتاج وتفكك أنظمة الإنتاج بسبب التخلي التدريجي للدولة عن دورها التعديلي وحماية المنتجين بتخزين فوائض الإنتاج اذ يؤكد مسؤولون أن التدخل الحكومي عبر آليات التخزين التعديلي كان يمثل أداة مهمة في السوق لتحسين العرض بمواسم تقاطع الفصول وكبح الأسعار وقطع الطريق على المحتكرين غير أن تراجع دور الحكومة الحمائي للأسعار تسبب في انفلات تام لأسعار الغذاء مع تطور معطيات الاستهلاك في شهر رمضان.

كما يؤكد مسؤولون عديدون بالاتحاد على أن غياب استراتيجية واضحة للتصرف في مخزونات الغذاء وغياب البرمجة المسبقة للإنتاج وفق الحاجات الحقيقية للسوق يضعان قاعدة العرض والطلب في مرمى المضاربة وتلاعب المحتكرين وأن ذلك يجعل الفلاحين وبالخصوص الصغار منهم بدورهم ضحايا هذه الشبكات التي تحكم الأسواق وفق مصالحها. وما انفك أهل القطاع يشيرون الى أن الفلاحة هي صمام الأمان لحماية الأمن الغذائي للتونسيين والحفاظ على قدرتهم الشرائية مطالبين بإعادة النظر في السياسات الحكومية للتصرف في الإنتاج وبرمجة الزراعات ودعم الفلاحين.

يحرم الغلاء التونسيين حسب مهنيي القطاع الفلاحي من أصناف عديدة من الغذاء وأهمها اللحوم الحمراء التي أصبحت تحلّ في مواسم قليلة على موائد العائلات نتيجة ارتفاع أثمانها وتعويضها بمصادر بروتينية أخرى أقل ثمناً ومنها الدواجن والبيض اذ تراجع استهلاك التونسي من اللحوم الحمراء من معدل 11 كلغ سنوياً قبل 2011 إلى 9 كلغ سنوياً في الوقت الراهن وفق الأرقام الرسمية لشركة اللحوم. ويعد معدّل استهلاك التونسيين للحوم الحمراء (لحم الضأن والبقري) من أضعف المعدلات العالمية بسبب تراجع المقدرة الشرائية.

ويؤكد العديد من المواطنين أن الطعام الخالي من البروتين أو ما يعبر عنه بـ “الاكلة الكذّابة” أصبح سائدا لدى أغلب الأسر التي لم تعد لديها القدرة على الجمع بين الخضر والغلال واللحوم في سلّة واحدة. وعوض فضح لوبيات الغذاء والأسعار والضغط من أجل دعم الرقابة دعت مؤخرا منظمة الدفاع عن المستهلك إلى ضرورة “التحرك” من أجل تفعيل آليات المقاطعة لكل المواد المرتفعة السعر (اي كل المواد تقريبا مما يعني الانتقال الى حالة المجاعة) لكسر حلقة الغلاء فضلا عن توفير عشرات النقاط لبيع مواد فلاحية من المنتج إلى المستهلك وهي اقتراحات تساق دون أدنى تعليق…

وداعا لـ “الدعم”

تنهي تونس بدءاً من النصف الثاني من العام الحالي سياسة دعم المواد بعد أكثر من 5 عقود من إرساء أول مخطط لدعم القدرة الشرائية للمواطنين وتنظيم آليات التزويد وفق القانون الأساسي للميزانية سنة 1967 المتعلق بتنظيم الحسابات الخاصة للخزينة.وستتحول البلاد منتصف السنة الحالية من مرحلة دعم المواد إلى دعم المداخيل في إطار سياسة عامة لإصلاح منظومة الدعم وسط مخاوف من هزة اجتماعية عارمة بحكم مزيد تفقير المواطنين الذين سيكونون على موعد مع موجة غلاء جديدة تشمل مواد أساسية ولا سيما الخبز والمعجنات والطاقة.

تتذرّع السلطة في هذا الصدد برغبتها في ترشيد استعمالات الدعم إلى جانب توجيهه لمستحقيه ومجابهة ظاهرة التبذير واستعمال بعض المواد في غير الأغراض المخصصة لها رغم أن رفع “الدعم” وهو المشكوك في وجوده اصلا خصوصا في ما يتعلق بالمحروقات والكهرباء باعتبار عدم شفافية المنظومة هو من املاءات صندوق النقد الدولي منذ 2012 . وتذكر السلط أن دعم الحبوب والزيت النباتي يستأثر بأكثر من 92 بالمائة من تكاليف الدعم (76,4 بالمائة للحبوب و 15,9 بالمائة للزيت نباتي).

وسيكون التوجه العام في هذا السياق مبنيا على “الإعداد النفسي” عبر الزيادات التدريجية في أسعار المواد الأساسية المدعمة وهو ما تعمل عليه وفق مصادر مطلعة لجان وزارية مع التحضير للتوجه نحو نظام تحويل التعويضات. وتعمل اللجان على ابقاء أسعار المواد الأساسية خاضعة لنظام التأطير مع المحافظة على ديمومة الدواوين (ديوان الحبوب، الديوان الوطني للزيت، الديوان التونسي للتجارة الخ) مع الترفيع في اسعار الحليب والزيت النباتي والسكر والسميد والكسكسي تدريجيا تجنبا للصدمات. كما تقتضي الخطة تسجيل المنتفعين في قاعدة بيانات والتحويل المالي لفائدتهم ثم المرور إلى حقيقة أسعار المواد الأساسية المدعمة ضمن 3 مراحل تهم الأولى رفع الدعم تدريجيا عن الحليب والزيت النباتي وتتمثل المرحلة الثانية في رفع الدعم عن الخبز(الكبير والباقات) والفارينة. أما المرحلة الثالثة فسيتم خلالها رفع الدعم عن السكر والسميد والكسكسي والمعجنات. وبخصوص عمليات تسجيل المنتفعين فان اللجان الوزارية تقترح أن تكون عملية التسجيل اختيارية ومن دون قيود لكل التونسيين المقيمين في البلاد مع اتخاذ إجراءات خصوصية للمقيمين في تونس من المهاجرين الذين لهم صفة لاجئ.

وبالنسبة لطريقة احتساب وتحويل القيمة المالية للمنتفعين بعملية إلغاء الدعم فإن اللجان تسعى إلى تمكين كل عائلة من منحة مالية تستند إلى عدد أفراد الأسرة والى أن تغطّي هذه المنحة على الأقل ثغرة فقدان القدرة الشرائية إثر رفع الدعم والانتقال إلى حقيقة الأسعار. ولكن العملية برمتها تجابه إشكالات عدة أبرزها أن الطبقة “المتوسطة” تحتاج بالتأكيد للدعم وفق المعايير الدولية لقياس المداخيل. كما أن الاعتماد على معرفات وحيدة في ظل انخرام للمنظومة الاحصائية في البلاد يشكل عائقا كبيرا أمام مصداقية التمشي بأكمله.

يذكر ايضا أن الحكومة خصصت هذا العام نفقات بـ 3.4 مليارات دينار للدعم من بينها 2.4 مليار دينار لدعم الغذاء و401 مليون دينار لدعم المحروقات و600 مليون دينار لدعم النقل. وخفضت الحكومة مخصصات الدعم بنحو 300 مليون دينار مقارنة بما تم إقراره في النسخة الأولى من الميزانية. ووفقا للبيانات الرسمية ينتفع كل تونسي بدعم حكومي بنسبة 38.9 بالمائة عن كل رغيف خبز يستهلكه (باقات) حيث يباع سعر الكلفة بـ311 مليما توفر منها الحكومة عبر الدعم 121 مليما. كذلك تصل نسبة دعم المعجنات الغذائية إلى 55.9 بالمائة بالنسبة للمقرونة و56.6 بالمائة بالنسبة للكسكسي و58.6 بالمائة بالنسبة لزيت الطبخ وهو ما يعني ان رفع الدعم سيتسبب في ارتفاع أسعار الحليب والمعجنات والخبز والسكر بنحو نصف سعرها الحالي في المعدل.

نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 20 افريل 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING