الشارع المغاربي – ميزانية 2022: تضارب بين الوعود والأرقام

ميزانية 2022: تضارب بين الوعود والأرقام

قسم الأخبار

8 يناير، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: اتسم اعداد ميزانية 2022بالسرعة أو بالأحرى بالتسرع وذلك لعدة اعتبارات أبرزها ضيق الوقت لصياغتها وانعدام وضوح الرؤية السياسية للاختيارات الاقتصادية علاوة على ضغوط الدائنين الدوليين لفهم توجه السلط في تونس سيما في ما يهم التصرف في الدين العمومي وجدية تعهدها بتطبيق الاملاءات التي تمكّن من تنفيذ ما يعرف بالإصلاحات أو التعديلات الهيكلية الاقتصادية والمالية.

نتج عن هذا التسرع غياب منهجية واضحة لتعبئة موارد خزينة الدولة وتواصل الضغط الضريبي دون أي توجه لاصلاح قطاع الجباية رغم وجود مشروع أُعِد منذ سنة 2014 في هذا الصدد بالإضافة الى عدم برمجة انجاز مشاريع حيوية للتونسيين خصوصا في مجالات التصرف في النفايات وبناء المستشفيات بالجهات والتعليم. غير ان الملفت للانتباه غياب أي أثر بهذه الميزانية للمشروع الذي اعتبره رئيس الجمهورية محوريا للإصلاح الاقتصادي عبر استرجاع الأموال المنهوبة من الشعب وهو مشروع الصلح الجزائي. وتبرز مجمل هذه المعطيات غياب التنسيق بين السلطة السياسية والادارة على مستوى رسم السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد.

ميزانية 2022: رؤى عامة

أبرزت وزارة المالية في تقريرها حول ميزانية الدولة لسنة 2022 أن إعدادها تمّ في إطار رؤية استراتيجية جرت صياغتها انطلاقا من تشخيص الواقع الاقتصادي والصّعوبات الهيكليّة التي تعرفها البلاد تقوم على مبادئ وأهداف وأولويات على المدى القصير والمتوسّط، عبر اعتماد برنامج إصلاحات اقتصادية وجبائية تمكن من بعث رسائل إيجابية لمختلف الفاعلين الاقتصاديين في الداخل وشركاء تونس والأطراف المانحة في الخارج، وتحقيق استقرار توازنات المالية العمومية سنة 2022.

وتتمثل، وفق الوزارة، أهم الأهداف لبرنامج الإصلاحات والتي كرسها مشروع قانون المالية في تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام وتحسين مناخ الأعمال والمحافظة على الدور الاجتماعي للدولة وإرساء جباية عادلة لا تثقل كاهل المؤسسات والأفراد، اضافة الى تحسين حوكمة إدارة القطاع العام وتعزيزإجراءات مجابهة تداعيات الأزمة الصحية. ولكن الأرقام التي قدمتها الوزارة بمختلف محاور الميزانية لا تعكس وجودا فعليا لهذه الوعود بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

وبخصوص فرضيات التوازن وباعتبار النتائج المتوقّعة لسنة 2021 تم تقدير ميزانية الدولة لسنة 2022 على أساس فرضيات أساسية تمثل أهمها في تحقيق نسبة نمو اقتصادي في حدود 2.6 بالمائة وهو ما لا يغطي بالتأكيد المستوى العالي لنسبة خدمة الدين العمومي والتي تناهز 8بالمائة سنويا والنسبة القياسية للبطالة والتي بلغت نهاية الربع الثالث من السنة الفارطة 18.4 بالمائة.

كما جرى اعتماد معدل الأشهر الأخيرة من سنة 2021 لسعر صرف الدّولار لكامل سنة 2022 وهو تقدير قابل للنقاش بحكم توقع عدة هيئات دولية أهمها بنك امريكا تراجع الدينار أمام العملات الأجنبية عموما بنسب تصل الى 12 بالمائة سيما في ما يتعلق بالأورو الذي لم يتم تقدير سعر صرفه بفرضيات الميزانية رغم أنه عملة تبادل وتداين رئيسية.

وتم كذلك اعتماد معدل سعر برميل النفط في حدود 75 دولار مقابل معدل 70 دولار وهو تصور مقبول ولكنه يبقى منقوصا بحكم تغييب المعطيات الفعلية المرتقبة في ما يهم تغير أسعار المواد الأولية والزراعية المنتظر مزيد قفزها دوليا الى مستويات جد عالية اذ يتوقع في هذا السياق أن يصل معدل ارتفاع الأسعار لمختلف السلع والخامات إلى حوالي 6 بالمائة خلال العام الجديد مع تقدير ارتفاع أسعار المواد الزراعية والأعلاف بشكل خاص في حدود 20 بالمائة في المتوسط وذلك أساسا بسبب ضعف المحاصيل وتواصل ارتفاع تكاليف الشحن والامدادات.

ارقام دليلية

اجمالا، تقدر جملة موارد الدولة لسنة 2022 بـ 57291 مليار دينار مما يعادل زيادة بـ 1771 مليار دينار أو 3.2 بالمائة مقارنة بتقديرات قانون المالية التعديلي لسنة 2021. ويعود هذا التطور أساسا إلى تطور المداخيل الجبائية بـ 4275 مليون دينار أو 13.9 بالمائة مقابل تراجع المداخيل غير الجبائية بـ 36 مليون دينار أو -1.1 بالمائة وانخفاض الهبات بـ 70 مليون دينار أو -13.2 بالمائة وذلك بالتوازي مع تراجع موارد الخزينة (الحاجات التمويلية) بـ 2398 مليون دينار أو – 11.4 بالمائة.

في جانب اخر من المنتظر أن تبلغ نفقات الميزانية لكامل سنة 2022 ما قدره 47166 مليون دينار أي بزيادة بـ6.6 بالمائة أو 2925 مليون دينار مقارنة بقانون المالية التكميلي لسنة 2021 تتأتى بالأساس من رصد اعتمادات بعنوان نفقات التأجير في حدود 21573 مليون دينار بزيادة قدرها 1228 مليون دينار أو 6 بالمائة وتخصيص 1987 مليون دينار بعنوان نفقات التسيير ومبلغ 7262 مليون دينار للدّعم مقابل 6027 مليون دينار متوقعة سنة 2021 إضافة إلى إجراءات مبرمجة سنة 2022 بمردود مقدر بـ 1646 مليون دينار لمزيد التّحكّم في الدّعم وباعتبار تمويل بـ 600 مليون دينار من البنك السعودي لتمويل شراءات مواد نفطية من شركة أرامكو مع رصد 7005 ملايين دينار لنفقات التدخلات التنموية وغيرها وذلك باعتبار مبلغ 192 مليون دينار كلفة برنامج التقاعد المبكر.

وتشير التوقعات، في تقرير ميزانية الدولة لسنة 2022، إلى انخفاض خدمة الدين متوسط وطويل المدى بنحو 3.8 بالمائة خلال سنة 2022 مما يعادل 560 مليون دينار لتنخفض إلى 14.3 مليار دينار مقارنة بـ 2021 مع تقدير تسديد 13 قسطا كقروض محلية وخارجية. كما تبرز التقديرات بلوغ عجز الميزانية 9.3 مليارات دينار أي 6.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وسيبلغ حجم الدين العمومي المقدر لسنة 2022 مستوى 114.1 مليار دينار، أي ما يمثل 82.6 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي.

غياب الاعتمادات لبرامج اساسية

شهدت عدة وزارات، حسب تقرير وزارة المالية، تخفيضا في ميزانياتها رغم أهمية المهام الحيوية للمواطنين المناطة بعهدتها اذ انخفضت ميزانية المالية بنسبة 4.9 بالمائة الى 1116.4مليون دينار في حين ان السلط تؤكد باستمرار انه من المؤكد مزيد دعم هذه الوزارة خصوصا من الناحيتين اللوجستية والبشرية وبنظم المعلومات لمكافحة آفة التهرب الضريبي المستفحلة وتطوير منظومات الجباية بما يحقق العدل والانصاف وضمان حق المطالب بالضريبة. وتم لسنة 2022 رصد اعتمادات دفع اجمالية لا تتجاوز 162.8 م د لإنجاز برامج ومشاريع والقيام بتدخلات تخص أساسا انجاز دراسات وتهيئة وترميم البنايات التي تستغلها الوزارة.

وشمل التخفيض كذلك مرفقا حيويا هو مرفق الصحة حيث خفضت ميزانية وزارة الصحّة لسنة 2022 بنسبة 16 بالمائة الى 3250 مليون دينار مع تخصيص اعتمادات دفع لا تتجاوز قيمتها 420 مليون دينار لفائدة المشاريع والبرامج المدرجة بقسم الاستثمار موزّعة بين 263.8 مليون دينار لمشاريع بصدد الإنجاز و156.2 م د للمشاريع الجديدة.

وبخصوص المشاريع الجديدة، فقد تمّ ترسيمها مع مراعاة عدة توجهات أبرزها مواصلة المجهود المبذول لمجابهة جائحة كورونا ولكن معطيات ميزانية 2022 لا تتضمن تخصيص اعتمادات مرسمة بعنوان هذا المحور. كما تتعلق توجهات وزارة الصحة للعام القادم حسب المعطيات الرسمية بإيلاء الأولويّة للطب الوقائي وذلك من خلال مواصلة دعم البرامج الوطنية على غرار البرامج المتعلقة بالتلقيح ومكافحة التهاب الكبد الفيروسي واللقاح ضد جرثومة المكوّرات الرئوية وتدعيم المؤسّسات الصحية بالتجهيزات الطبية المتطورة خاصّة في مجالي التصوير الطبي ومعالجة الأمراض السرطانيّة مع مواصلة دعم البرامج السنوية المتعلقة بتهيئة وتهذيب الهياكل الصحيّة وصيانة التجهيزات الطبية الثقيلة. ولهذا الغرض، تمّ ترسيم اعتمادات قدرها 5.626 مليون تعهدا و151.2 مليون دينار دفعا.

في جانب آخر، غابت على مستوى التقديرات برمجة احداث مستشفى جديد بالقيروان وكذلك المدينة الصحية بالمنطقة والتي أكّد رئيس الجمهورية في 14 مارس الماضي ردا على المشككين في انجازها بأن المشروع سيرى النور قريبا وأن العمل المضني متواصل في الداخل والخارج بالتنسيق مع الإدارة العامة للصحة العسكرية ودول أجنبية لتنفيذه متعهدا بتحقيق ذلك في أقرب الأوقات.

على مستوى آخر ورغم دقة وحرج الوضع البيئي فقد جرى التخفيض في ميزانية وزارة البيئة لسنة 2022، بنسبة جد عالية تساوي 71.5 بالمائة الى حدود 350 مليون دينار بتعلة تحويل قسم من اعتماداتها الى وزارة الداخلية.وتم في هذا الاطار تخصيص اعتمادات دفع قدرها 4.9 ملايين دينار بعنوان البرامج السنوية والمشاريع المتواصلة والجديدة المتعلقة أساسا بالمساهمة في تنفيذ مشروع دعم القدرات الوطنية لتفعيل المساهمات المحددة وطنيا بموجب اتفاق باريس حول المناخ وتقييم التأثيرات البيئية للمناطق الصناعية وإحداث مناطق صناعية صديقة للبيئة ودعم تجهيزات البنك الوطني للجينات.

وفي مجال التصرف في النفايات لم تتجاوز اعتمادات الدفع المرصودة 22.5 مليون دينار تتعلق بالخصوص بغلق مصبات وتوسيع خانات مصبات أخرى في حين غابت عن برامج وزارة البيئة تماما مشاريع حيوية على غرار احداث مشروع للتصرف في النفايات بصفاقس وبعدد من الولايات التي تعاني من وضع بيئي جد حرج.

كما تم التخفيض في ميزانيتي المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية على التوالي بنسبتي 9.3 و75 بالمائة. ولكن اللافت للانتباه تمثل في اغفال برمجة تحصيل موارد في إطار التطبيق المرتقب للمشروع الرئاسي الخاص بالصلح الجزائي. ويبدو ان وزارة المالية قدرت ان محصول استرجاع الأموال المنهوبة من الشعب في إطار تطبيق المشروع لن يكون ذا مردود مالي يذكر على ميزانية الدولة وذلك مبدئيا لعام 2022. ويطرح الأمر بالتأكيد أكثر من سؤال حول منهجية اعداد الوزارة الميزانية والغياب الكامل للتنسيق مع مصالح رئاسة الجمهورية ومستشاريها في محور احتساب العائدات المحتملة لخطة الصلح الجزائي والتي يؤكد باستمرار رئيس الجمهورية على طابعها المحوري لإصلاح الاقتصاد ودفع التنمية.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد، قد أشرف يوم 13 ديسمبر الفارط على اجتماع لمجلس الوزراء تم خلاله التطرق إلى مشروع الصلح الجزائي والمصادقة على مشروع مرسوم يتعلق بالصلح الجزائي مع المتورطين في الجرائم الاقتصادية والمالية. وأكد الرئيس أنه تم النظر فيه من قبل عدد من المختصين، مشيرا في هذا الإطار الى انه “سيتم بعد 15 يوماً النظر في مشروع قانون متكامل يستجيب لمقاصد هذا الصلح الجزائي”.

كما قال سعيد:” تونس ستنطلق من جديد، وسنحقق آمال الشعب التي جاءت بعد ثورة 17 ديسمبر” متابعا “كل مليم يجب أن يعود للشعب التونسي، وسنقوم بالمحاسبة طبقاً للقانون دون أن نظلم أحداً، وعلى القضاء أن يكون على موعد مع التاريخ حتى يطهّر البلاد”.

وأضاف بأن “الحريات مضمونة عكس ما يقولون، ومن يعتقد أنه في منأى عن أية محاسبة فهو مخطئ، وسنعمل على الاستجابة لمطالب الشعب في الحرية والشغل والعدالة”.

يذكر أن مشروع القانون المتعلق بالصلح الجزائي الذي أفصح عنه رسميا نهاية اكتوبر 2020 تكوّن في نسخته الأولى من 48 فصلًا ينص أولها على أنه يهدف إلى “وضع آليات للتشجيع على الاستثمار والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال إقرار إجراءات استثنائية لاسترجاع المال العام أو التعويض عن الضرر الحاصل للإدارة بأي وجه كان وتوظيف متحصله في إنجاز مشاريع تنموية طبقًا للآليات المهنية بهذا القانون”.

وينتفع بالصلح، وفق مشروع القانون، كل من حُكِم عليه أو كان محل تتبع قضائي في تاريخ صدوره من أجل أفعال يتعلق موضوعها باعتداء على المال العام أو الإضرار بالإدارة. وينص الفصل 11 على أن الصلح يتم إما بدفع المعني به كامل المبالغ التي تحددها اللجنة الوطنية للصلح أو بإنجاز مشروع أو مشاريع تتعلق بالمصلحة العامة وتغطي كلفتها مبلغ الصلح اعتمادًا على مبدأ التمييز الإيجابي، مع خضوع الصندوق لرقابة محكمة المحاسبات.

مراجع :

تقرير وزارة المالية حول ميزانية الدولة لسنة 2022. لمحة عن اهم محاور تقرير بنك امريكا حول ازمة المالية العمومية في تونس. دراسة حول افاق الزراعة والتغذية لمنظمة الاغذية والزراعة الدولية ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي 2021 -2030. قراءة قانونية وتوصيات لاقتراح رئيس الجمهورية إجراء صلح جزائي.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 4 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING