الشارع المغاربي – نعم للصندوق ولا للنقد !/ بقلم: عز الدين سعيدان

نعم للصندوق ولا للنقد !/ بقلم: عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

15 يونيو، 2022

الشارع المغاربي: يبدو أن صندوق النقد الدولي أصبح فعلا الطرف المحدد للحياة الاقتصادية والمالية والاجتماعية وأيضا السياسية في تونس.

منذ 2013 إلى الآن أصبح يشوب العلاقة بين صندوق النقد الدولي وتونس نوع من فقدان المصداقية إذ أن السلط التونسية تقدمت في أكثر من مناسبة منذ 2013 ببرامج إصلاحات مقابل الحصول على قروض. ولكن في كل المناسبات تحصلت تونس فعلا على موافقات لتسهيلات مالية كبيرة ولكنها لم تحترم التزاماتها بالقيام بالإصلاحات. النتيجة الحتمية لهذا الوضع هي أن الصندوق أصبح يشترط مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية وبالاصلاحات الضرورية لإخراج تونس من الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي الخطير الذي تردّت فيه.

ولكن بات واضحا أن السلط التونسية تقول نعم للصندوق ولتمويلات الصندوق ولكنها ترفض النقد، لا نقد صندوق النقد ولكن جميع أشكال النقد الداخلي والخارجي. نرفض النقد إلى حدّ أن الخطاب التونسي أصبح مشتتا بشكل غير مسبوق. الحكومة لها خطاب والرئاسة لها خطاب مختلف. اتحاد الشغل يرفض صراحة برنامج إصلاحات الحكومة ويعتبره برنامجا لـ»بيع البلاد»، البنك المركزي يحشر نفسه في زاوية حادة تقتصر على مقاومة التضخم المالي، في الظاهر على الأقل، ويقدم خطابا مختلفا عن الخطابات الأخرى. المعارضة أو المعارضات لها خطابات يغلب عليها الطّابع السياسي ولكنها في مضمونها الاقتصادي والمالي تختلف تماما عن الخطابات الأخرى.

بمثل هذه الخطابات المتباينة والمشتتة لن يحترمنا أحد ولن يتعامل معنا أي طرف بالصدق المطلوب.

المحادثات التقنية مع صندوق النقد الدولي انطلقت فعلا في أفريل 2021 (نعم أفريل 2021) وهي لا تزال «متواصلة» (هي في حقيقة الأمر متوقفة تماما). بينما المعروف أن مدة المحادثات التقنية، التي تسبق المفاوضات، بين أية دولة والصندوق لا تتجاول عادة أربعة الى خمسة أسابيع. المحادثات معطلة لأن تونس والصندوق لا يتكلمان نفس اللّغة ولأن الصندوق لا يرى أن تونس، نظرا للوضع السياسي الاستثنائي أولا ثم نظرا للأوضاع الاقتصادية والمالية وتشتت الرؤى والخطابات، قادرة فعلا على إنجاز الإصلاحات الضرورية. الحكومة قدمت مؤخرا، وبعد إلحاح كبير من الصندوق، برنامج الإصلاحات الذي يحتوي بالأساس على توجهات عامة ونوايا إصلاحات ولكنه كان يفتقر للتشخيص الحقيقي للأوضاع الاقتصادية والمالية. كما يفتقر الى مكوّنين أساسيين آخرين وهما الجدول الزمني المصحوب بأهداف مرحلية وكلفة الإصلاحات وطريقة تمويلها.

كما تجاهل البرنامج أية إشارة إلى الوضع السياسي الاستثنائي وعدم التوصل الى اتفاق مع الطرف الاجتماعي الذي برمج إضرابا عاما في القطاع العمومي ويستعد لتحديد تاريخ للإضراب في الوظيفة العمومية.

تونس تقول نعم للصندوق ولتمويلاته ولكنها تقول لا للنقد بجميع أشكاله ومثل هذا الموقف هو نتيجة سياسات تم اتباعها منذ سنوات عديدة وهي سياسة الانكار وسياسة الهروب الى الأمام. على سبيل المثال البنك المركزي يموّل عجز ميزانية الدولة بطريقة مباشرة (قانون المالية التكميلي لسنة 2020) أو بطرق غير مباشرة في 2021 و2022 مثل إعادة شراء رقاع الخزينة من البنوك ويخفي هذا التمويل تحت تسميات تقنية مثل Open market أو Swaps وينكر ذلك تماما.

وعلى سبيل المثال أيضا لا تسدد الدولة كامل مستحقات الدّين الداخلي بالدينار وبالعملات وتقوم بإعادة الجدولة بتأجيل كامل هذه المستحقات إلى سنوات 2025 و2028 و2033 وفي نفس الوقت تصرح رئيسة الحكومة ووزيرة المالية بأن الحكومة حققت نجاحات بتسديد كامل مستحقات الدين الداخلي ودفع أجور الوظيفة العمومية.

سياسات الإنكار والهروب إلى الأمام تستنزف الجهد وتجعل المسؤول السياسي يركز على التصريحات الفضفاضة وإيجاد التبريرات التي عادة ما تكون تافهة إن لم تكن مضلّلة عوض التركيز على إيجاد الحلول الحقيقية للبلاد حتى ولو كان ذلك على حساب التموقع السياسي للمسؤول.

الإصلاحات السياسية ضرورية ولكن التحدّيات الحقيقية والخطر الدّاهم أو بالأحرى الجاثم على تونس الآن هو الخطر الاقتصادي والمالي والاجتماعي. السلط التونسية غير قادرة الآن وهنا على الإجابة على سؤال في غاية الأهمية : كيف ستموّل الدولة التونسية نفقاتها العادية لما تبقى من السنة الحالية وذلك في صورة التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو في صورة عدم التوصل الى ذلك الاتفاق؟ في ظل ما يحصل في تونس الآن عدم التوصل الى اتفاق فرضية لا مناص من أخذها بعين الاعتبار.

في الأثناء كل المؤشرات تقريبا تزداد صعوبة : مستوى الدين العمومي، نسق التضخم المالي، المستوى القياسي لعجز الميزان التجاري مع ما يسبّب ذلك من استنزاف لمخزون البلاد من العملات الأجنبية وارتفاع مخيف في مستوى الدّين الخارجي. تونس في حاجة إلى مصالحة مع نفسها، إلى مصارحة مع شعبها، إلى تشخيص حقيقي لأوضاعها وإلى دخول جدّي في عملية إنقاذ شاملة للإقتصاد وللبلاد

افتتاحية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 جوان 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING