15 % نسبة ارتفاع اسعار المواد الغذائية: صمت مريب من الحكومة وتطبيع مع الغلاء
قسم الأخبار
18 ديسمبر، 2022
0share
الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: لم يسبق لتونس ان شهدت منذ الثمانينات موجة تضخم في اسعار الغذاء مثل التي تعيشها اليوم. غير ان موجة التضخم الشامل التي تعرفها البلاد، تقترن حاليا بمشاكل شح في مواد اساسية عديدة تسعى السلط للتكتم عليها من خلال حجب الاحصائيات حولها بشتى الطرق مقتصرة على تبريرها بالاحتكار وبالاضطرابات الظرفية في مسالك التوزيع.
من جانب اخر، يصعب التكهن بمآل هذا التضخم غير المسبوق منذ عقود، ولكنه من الثابت ان موجات ارتفاع اسعار المواد الحياتية سرعان ما تتحول، بالرجوع للتجارب المقارنة في تونس والعالم، الى صدمات وازمات اجتماعية عارمة تتمخض عن تغيّرات عامة غير منتظرة في الغالب.
ارقام صادمة
رغم عدم احتساب المعهد الوطني للإحصاء معطيات الاقتصاد الموازي وتغير الاسعار حسب المناطق، فإن الارقام التي أفصح عنها المعهد مؤخرا بخصوص ارتفاع اسعار الغذاء تعتبر صادمة. وفي هذا الاطار، تُبيّن الاحصائيات انه وبحساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية، نهاية نوفمبر الفارط، بنسبة 15.1 بالمائة وأن ذلك يعود بالأساس الى ارتفاع أسعار البيض بنسبة 43.4 بالمائة وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 32.4 بالمائة وأسعار لحم الضأن بنسبة 24.3 بالمائة وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 20.4 بالمائة وأسعار لحم البقر بنسبة 17.4 بالمائة.
كما ارتفعت اسعار الاجبان ومشتقات الحليب بـ 16 بالمائة ومشتقات الحبوب بنسبة 15.5 بالمائة والغلال الطازجة بـ 13.4 بالمائة والاسماك الطازجة بـ 10.9 بالمائة والدواجن بـ 8.2 بالمائة.
ومقارنة بشهر اكتوبر، شهدت الاسعار كذلك زيادات قياسية، اذ ارتفع سعر البيض بنسبة 7.5 بالمائة في حين ازدادت اسعار الخضر الطازجة بنسبة 6.5 بالمائة. وتعتبر هذه الزيادات التي سجلت في شهر واحد مشطة ومجحفة، بكل المقاييس.
المواد الاساسية: ندرة متواترة تُفاقم معاناة التونسيين
يقضي التونسيون، منذ أشهر، ساعات طوال كل يوم متنقلين بين المحلات التجارية للحصول على لتر من الحليب او كلغ من السكر بسبب اختفاء جل المواد الاساسية من الاسواق بعد ازمة انتاج هوت بالمعروض في كل ولايات البلاد بما في ذلك تلك المنتجة لها. ولكن كل المواد التي اختفت من الاسواق عادت بأسعار اعلى لا تقل الزيادة فيها عن 30 بالمائة وذلك في ظل اوضاع لم تعد معها العائلات تهتم بالأسعار بقدر اهتمامها بتوفر السلع.
ويبدو أن التوجه صار واضحا باعتماد سياسات جديدة لتعويد المواطنين على الغلاء، في انتظار قفزة مرتقبة في الاسعار بداية العام المقبل مع بدء تطبيق الرفع التدريجي للدعم. وتوصف الوضعية الحالية التي يعيشها التونسيون بما يشبه الحرب النفسية التي تدمّر جيوبهم وحياتهم، نتيجة الضغوطات المعيشية التي يعانون منها وازدياد المواد المختفية من السوق.
ويُفرض بذلك واقع جديد على التونسيين الذين صاروا أكثر تقبلا للغلاء مقابل توفير سلع حساسة واساسية اختفت من السوق بسبب المضاربة والاحتكار، حسب التبريرات الرسمية.
وتؤكد عدة معطيات ان المقايضة بين الغلاء وتوفر السلع أصبحت أمراً واضحا، وأن ذلك سيتسبب بشكل محقق في تزايد الاحتقان الاجتماعي ورفع نسق الاحتجاجات إلى مستويات قياسية خلال الأشهر المقبلة في ظل غياب مؤشرات لاحتواء الأزمة وبوادر جادة لخفض الأسعار، سيما ان موجة الغلاء مرشحة لمزيد التطور بعد الترفيع الأخير في أسعار المحروقات التي تعد المحرك الأساسي لكل الأنشطة الاقتصادية.
صمت حكومي مريب وتطبيع مع الغلاء
في ذات السياق، كان الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي قد اتهم الحكومة باعتماد سياسة “التحايل” على المواطنين، معتبرا أن إخفاء مواد أساسية وإعادة ضخها في الأسواق بأسعار مرتفعة سياسة رسمية تعتمدها السلطات لزيادة الأسعار. كما حذّر في اجتماع عام نظمته جامعة النقل مؤخرا “من معركة اجتماعية على خلفية الزيادات الأخيرة في الأسعار”، مشددا على أنه من حق الشعب معرفة تفاصيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وافاد الأمين العام بأن “الحكومة تتحايل على المواطنين في رفع الدعم”، مضيفاً: “حول الدعم، أقول إنه رُفع بطرق ملتوية بالزيادات في الطاقة وغيرها”.
متلازمة ارتفاع اسعار الغذاء والصدمات الاجتماعية
حذّرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في تصريح لشبكة “سي إن إن” يوم 23 سبتمبر 2022، من أنه سيكون هناك “أناس في الشارع” على مستوى العالم ما لم يتم اتخاذ خطوات لحماية الفئات الأكثر ضعفاً من التضخم.
وقالت المسؤولة الدولية: “من المهم التفكير في أن هذا التأثير المركب للأزمات المتعددة يختبر بالفعل صبر الناس وقدرتهم على الصمود. إذا لم تُتخذ إجراءات لدعم الفئات الأكثر ضعفًا، فستكون هناك عواقب: الناس في الشارع”. كما اعتبرت أن الأحداث التي أدت إلى ارتفاع الأسعار مثل تفشي متحور او ميكرون من فيروس كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا جعلت التضخم اليوم أكبر عدو مؤكدة على صعوبة الأوضاع في العام الحالي في ظل تواتر الصدمات وزيادة أسعار الطاقة والغذاء وارتفاع كلفة المعيشة.
تقارير دوليّة مُفزعة
أوضح تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لسنة 2022 الذي أصدرته في 13 جويلية الفارط منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن معدل انتشار نقص التغذية في تونس يساوي 3.1 بالمائة من مجموع السكان بين 2019 و2021، أي ما يعادل 0.4 مليون شخص. كما ارتفع مؤشر الانتشار الشديد لانعدام الأمن الغذائي بين سكان البلاد من 9.1 بالمائة بين 2014 و2016 إلى 12.6 بالمائة بين 2019 و2021 مع الاشارة إلى أن كلفة اتباع نظام غذائي صحي للفرد في اليوم، وصلت في تونس خلال سنة 2020 إلى 3.639 دولار أمريكي والى ان عدد الأشخاص غير القادرين على تحمل تكاليف نظام غذائي صحي بلغ سنة 2020 نحو 2.4 مليون شخص.
وبشكل عام، فإن عديد الانظمة السياسية لا ترى موجات غضب الفقراء وضحايا التضخم قادمة الا عند وصولها إليها. ولتونس والجزائر والعديد من دول افريقيا والشرق الاوسط ذكريات كبيرة في هذا الخصوص وهو ما تؤكده احصائيات عديد الدراسات حول العلاقة السببية بين نقص اطعام الناس والانفجارات الاجتماعية اذ ان التضخم يؤدي اليا الى نقص العرض وندرة المنتوجات مما يعني انهيار منظومة التشغيل وتراجع المداخيل لتنفلت مقومات الاستقرار الاجتماعي في سياقات جديدة لعادة توزيع المداخيل تكون عنيفة وجامحة في جل الحالات.
وكانت دراسة لشركة “أليانز ترايد” للتأمين قد أفادت مؤخرا أن 11 دولة، معظمها في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، معرّضة لاحتمال مرتفع بنشوب توترات اجتماعية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لافتة إلى أن “عدم إطعام الشعوب يعني تغذية النزاعات”.
وتعتبر شركة التأمين أن الدول المعرّضة بشكل خاص لاحتمال نشوب صراعات اجتماعية في السنوات المقبلة هي الجزائر وتونس والبوسنة والهرسك ومصر والأردن ولبنان ونيجيريا وباكستان والفيليبين وتركيا وسريلانكا التي تشهد حاليًا أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 ديسمبر 2022