الشارع المغاربي : أعتقد ذلك.. راودني السؤال وأنا أجوب ملعب “الكامب نو” ملعب نادي برشلونة وأيقونة المدينة بلا منازع. غير الملعب هناك متحف للذاكرة يؤرخ لهوية النادي، لإنجازاته ولمراحل تشكله منذ أكثر من قرن. إلى هذا الحدّ لا شيء مثير. المثير فعلا هو الكنيسة الصغيرة التي يجدها اللاعبون على يمينهم وهم متجهون من حجرات الملابس إلى المستطيل الأخضر. كنيسة صغيرة بالكاد تتسع لفريق كرة القدم، تحتوي كل متطلبات كنيسة كبيرة. الصليب في الأعلى، السيد المسيح يتوسط المكان، والكراسي لمن يريد الجلوس.
يحتاج اللاعبون إلى هذا المكان لفتح قنوات مع الله قبل ضربة البداية. لا تعنيهم حينها آخر توصيات المدرّب ولا صيحات المناصرين وتشجيعاتهم. ما يعنيهم هو رضاء الله عليهم، أن يكون سندا لهم في أصعب اختبار. من الصعب رؤية هذا المشهد في ملاعب فرنسا مثلا، العلمانية محرجة لو فعل الفرنسيون ذلك. إسبانيا المثقلة بتقاليد لاتينية لا غبار عليها والمنتشية دوما بمناخات أمريكا الجنوبية وفية لمكانة الكنيسة في الفضاء العام، إذ هي المصر الثاني للثقة بعد العائلة هناك.
هناك علاقة بين كرة القدم والمقدّس. علامات هذه العلاقة لا تحصى. حضور المقدس بعناوينه العديدة هو من أجل التحكم في مناطق اللايقين التي تحوم حول اللعبة. المقدّس للتخفيف من إكراهات المواجهة ومفارقاتها وآلامها، فالكل يبحث عن الله من أجل النصرة، الفريق وغريمه، كلاهما يعتقد أن الله سيكون في صفّه. ماذا يحصل في ذهن لاعب يتقرب من خالقه من أجل الانتصار وهو يعلم أن لاعبا آخر من الفريق المنافس يقوم بالشيء نفسه؟ في كرة القدم لكل فريق إلهه الذي يمنحه الانتصار.
في كل ملاعب الدنيا، الدين جزء من المشهد. يحمل عناوين مختلفة. هناك فريق الساجدين، هناك الفاتحة عند بداية المباراة تقرأ جماعيا كما تقرأ فرديا. وهناك التعويذة المسيحية عند دخول اللاعب أرضية الميدان وعند خروجه، عند التسجيل وعند الإخفاق أيضا.عند هؤلاء إجراء مباراة في كرة القدم عبادة .
ومعاها ربي… ويأتي اسم الفريق
يا ربّي، يا عالي، أنصر.. ويأتي اسم الفريق
المناصرون أيضا يعنيهم الله أثناء المباراة، يتضرعون إليه طلبا للتفوق وبحثا عن السعادة والانتشاء. يطلبونه كي يخلصهم من هزيمة أو يدعم انتصارهم. وفي أحيان يحدث أن يطلبوه التعادل لاغير.. وفي أحيان أخرى يضربون به عرض الحائط.. ليتذكروه في مباراة الأسبوع القادم..و الله أعلم ما في الصدور.
أتخيل الله عزّ وجلّ يشاهد كلاسيكو الأرض، سيكون سعيدا كما عباده سعداء بمتعة اللعب، بإبداعات ميسي ومثابرة رونالدو، سيكون سعيدا بلاعبيه الذين يرسلون له عبارات الشكر والإمتنان وسعيدا بمشهد اللعب النظيف، بالحكم العادل وبالجماهير التي تناصر فرقها دون هوادة. من المؤكد أنه غير معني بالنتيجة، فهو أكبر من ذلك بكثير، يكون معنيا بعباده الذين يتقنون أعمالهم، ينجزونه بإيمان يرتقي إلى مستوى العبادة.
من المؤكّد أن الله قد شاهد كل مباريات كرة القدم في هذه الدنيا. ومن المؤكد أيضا أنه يحبّ كرة القدم. ولكن هل يمكن أن يحبّ كرة القدم عندنا الآن ؟ من الصعب ذلك. علينا اللعب أجمل وأجمل كي يكون الله سعيدا بنا…