الشارع المغاربي: المدن ذاكرة. وذاكرة المدن ملعب.المسألة قديمة ومسارح الرومان تشهد على ذلك. ولكن المدن الحديثة لم تنس اللهو، واللعب والمتعة فبنت لها ملاعب. هندسة الملعب جزء من هندسة المدينة، يقع الاختيار على أمهر المعماريين وأشهرهم لتشييد الملاعب. تتنافس مدن العالم على إظهار أحلى وأجمل ما لديها من ملاعب. في الماضي كانت الملاعب في محيط المدن أما الآن وبعد التوسع العمراني يصبح الملعب قلب المدينة بل هو في كثير من الأحيان دليلها وبوصلتها.
هناك ملاعب قديمة تمّ تشييدها في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر تزامنا مع بروز لعبة كرة القدم وهناك أخرى ظهرت على مدى القرن العشرين، إذ كلما تكتسح كرة القدم المشهد العالمي كلما كانت المدن في أشد الحاجة ليكون لها ملعب.
أشهر الملاعب ما يبقى في الذاكرة. ملعب ويمبلي، أو ملعب الإمبراطورية ،تمّ بناؤه في 1923 ليكون شاهدا على هيمنة الأنقليز على اللعبة. يكفيه أن يكون شاهدا على فوز صعب لأنقلترا بكأس العالم سنة 1966. قبله بسنوات عديدة شيّد ملعب حديقة الأمراء في مدينة باريس سنة 1897. ملعب البومبنيرا في بيونس أيرس، ملعب الأزتيك في المكسيك، الأولمبيكو في روما، القائمة لا تنتهي…
الماراكانا، ملعب شهد حزن أمة بأكملها، يوم انهزمت البرازيل في مباراة هيتشكوكية أمام منتخب الأوراغواي ذات 16 جويلية 1950. يكفي منتخب البرازيل مباراة متعادلة يومها لنيل اللقب. أليست كرة القدم لعبة اللايقين، وهذا من بين أسرار سحرها ربما. الماراكانا نذير شؤم للبرازيليين، شيدوه بمناسبة احتضان بلدهم نسخة كأس العالم 1950. عملية بنائه من الأول لم تكن عملية سهلة، ولادة عسيرة كان وراءها صحفي يكتب كل يوم عن الملعب وعن الإسراع بتشييده. هو ماريو فيلهو الذي حظي بأن حمل الماركانا اسمه سنة وفاته في 1966.هزيمة البرازيل يومها كانت أيضا هزيمة الماراكانا.
لكل جيل مغرم بكرة القدم مخياله وذاكرته. مخيال اللعبة وذاكرتها التي لا تنضب غير منفصلة عن الملعب، عن كل مساحة فيه، عن أجمل الأهداف والحركات، عن الهزيمة القاسية وعن النصر المبين. ملعب جيو أندري، الشاذلي زويتن حاليا تمّ تشييده سنة 1942، ملعب شاهد على مرحلة من تاريخ تونس، شاهد أيضا على بروز الحركة الوطنية الرياضية وتجذرها. دخل التاريخ عندما احتضن أول مباراة لفريق جبهة التحرير الوطني في 1958 ولكنه في المقابل شهد هزيمة المنتخب التونسي في أول نهائي لكأس أمم إفريقيا في 1965.
لكل سياق سياسي ملعبه. تشييد الملاعب جزء من البروباغندا عندنا. في 1967 ظهر ملعب المنزه، في أواسط عهد التعاضد بتونس، يبنيه البلغار بهندسة قريبة جدا من الهندسة الإشتراكية للصروح الكبيرة. المناسبة كانت تنظيم تونس ألعاب البحر الأبيض المتوسط. ولكن لملعب المنزه ذاكرته السياسية ، كان مسرحا تجلى فيه الصراع السياسي على السلطة في تونس حين وقع حرق جزء منه يوم نهائي الكأس بين الترجي والنادي الصفاقسي في 13 جوان 1971. ولكن ذاكرته الكروية كانت أجمل بكثير. شهد ملحمة ترشح المنتخب الوطني لأول مرّة لكأس العالم في نسخة 1978.
البعد المتوسطي يحضر مرّة أخرى فيشيّد له ملعب. ألعاب البحر الأبيض المتوسط مرّة أخرى في بداية الألفية وننتقل من المنزه إلى ضاحية رادس. ملعب بهندسة جديدة وبرؤية مغايرة. ارتبط إسمه الأول بمرحلة سياسية في تاريخ تونس. أعطي له من الأسماء ملعب السابع من نوفمبر برادس. يمنح الملعب إسما جديدا بعد الثورة في ولادة رمزية جديدة ويصبح الملعب الأولمبي برادس. هو الآخر يمكن له أن يفاخر بكونه شهد حصول تونس على أول لقب إفريقي في تاريخها، كان ذلك سنة 2004.
الملعب ذاكرة، الملعب هندسة، الملعب جزء من المدينة، الملعب حياة بأكملها ولذلك ليس هناك ما هو أتعس من ملعب مقفر…