الشارع المغاربي : ازدادت الضغوطات على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي حول مسؤولية نجله حافظ في تواصل الأزمة وانسداد أفق حلحلتها وتحويلها إلى
ملف شائك على ضوء فشل الرئيس في جر النهضة إلى صفّه رغم التغير النسبي في موقف رئيسها راشد الغنوشي في أخر لقاء جمعهما منذ أسبوع .. اليوم بات الأصدقاء قبل الخصوم يدعون الباجي لرفع الدعم عن الابن وإنهاء زعامته على حزب تشتت ويتجه رويدا رويدا نحو الانفجار وربما الاندثار .
بات من الصعب على الرئيس الباجي قائد السبسي التخفي وراء الدستور لتجنب الخوض في أزمة نداء تونس وتحديدا في دور المدير التنفيذي في ما آلت إليه الأمور من تعفن ليس داخل النداء فقط بل وحتى خارجه، اذ أضحى هذا الملف وتداعياته على الأزمة السياسية الراهنة من المواضيع المطروحة للحسم فيها وبإلحاح من قبل الحلفاء ولعل من أبرزهم الاتحاد العام التونسي للشغل.
هذا الطرح لا يبدو مستغربا باعتبار ان الأزمة السياسية المتمحورة حول بقاء يوسف الشاهد من عدمه تُقدم سياسيا وإعلاميا على أنها حرب بين رئيس الحكومة ونجل الرئيس حافظ قائد السبسي ، وأصبح من هذا المنطلق كل معارض لبقاء الشاهد يُصنف آليا كحليف لحافظ وكداعم بالتالي للتوريثوللتداخل بين العائلة والدولة ، ونتج عن ذلك نوع من الحرج لدى جزء من الفاعلين ومنهم من فضّل الجلوس على الربوة للنأي بنفسه عن لعبة الاستقطاب التي باتت تسيطر على المشهد .
مطلب قديم جديد من يعرف حافظ ويوسف، يؤكد انه لا فرق بينهما باستثناء المستوى التعليمي، وان الأول كالثاني لا زعامة او تاريخ ولا كاريزما او شرعية نضالية له تؤهله للحصول على المنصب الذي يتقلده اليوم لولا الرئيس قائد السبسي ، الذي قدم للأول حزب نداء تونس وللثاني مفاتيح الدولة .
لذلك يستغرب الكثيرون نجاح الشاهد في عملية الاستقطاب التي وضعت حتى جل مستشاري القصر في صفه. العامل المؤثر في هذا النجاح هو قطعا خصم الشاهد اليوم “حافظ” الذي يمثل الحلقة الأضعف ينضاف اليه عامل الوقت الذي يلعب لصالح رئيس الحكومة.
فالمعركة التي جاءت في السنة الأخيرة من العهدة الانتخابية ، وفي خضم حسابات استحقاقات 2019 و شبه استحالة ترشح الباجي لدورة جديدة لن تُحسم الا بتغيير المشهد داخل نداء تونس ، حسب ما يطرح للرئيس في كل اجتماعاته الأخيرة.
هذا التغيير يمر حتما عبر إبعاد النجل من مقود القيادة ، والتوجه نحو مؤتمر انتخابي يفرز قيادة جديدة منتخبة قادرة على الإمساك بزمام المبادرة السياسية والإعداد للانتخابات القادمة وإنهاء حالة الشلل التي يعيش على وقعها الحزب منذ سنة 2015 ، وتحوله الى منصة رقمية فايسبوكية تقدم فيها المواقف بشكل أحادي من المدير التنفيذي ، مما افقده أية مصداقية وبات لا يبعد عن صفحة ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومع شبه الإقرار الجماعي ، من أوساط داخلية نافذة وحتى من جهات خارجية متعددة ، بقي نداء تونس على حاله ، ولم تشفع له لا الهزات ولا الاستقالات ولا الهزائم الانتخابية في فرض التغيير المطلوب داخله ، ومن قبل شركاء الحكم أيضا ، وأصبح الرئيس قائد السبسي رافضا للتطرق الى ملف نداء تونس ، بعد ان كان يتعهد في كل مرة بضبط الأمور وفرض “قيادة جماعية”.
ذلك ما طُرح ابان انتخابات ألمانيا الجزئية ، والهزيمة المذلة لنداء تونس أمام الناشط ياسين العياري ، وقيل ان الرئيس قدم وقتها إعادة تغيير المشهد القيادي، مقترحا الوزيرة سلمى اللومي كرئيسة للهيئة السياسية ، الامر الذي لم يحدث بالطبع بسبب رفض النجل حافظ قائد السبسي المستميت في التشبث بالبقاء بمنصبه رافضا تحمل مسؤولية الهزيمة محملا إياها بشكل صبياني لحركة النهضة .
واليوم يُطرح ابعاد حافظ قائد السبسي ليس من قبل قيادات نداء تونس ، أو في اطار معركة داخلية يقدمها النجل في كل مناسبة بعنوان مغاير، اذ ان المعطيات المتوفرة تشير الى أنّ اتحاد الشغل ومجموعة من المقربين من الرئيس طرحا عليه ضرورة اتخاذ قرار في هذا الاتجاه ، فيما تؤكد مصادر من المنظمة الشغيلة أن أمينها العام نور الدين الطبوبي سيوجه سهام نقده خلال الايام القادمة بشكل مباشر لحافظ قائد السبسي .
الى ذلك أكدت مصادر من حزب مشروع تونس ل”الشارع المغاربي” أن الامين العام محسن مرزوق الذي كان مصحوبا خلال اخر لقاء بالرئيس يوم السبت المنقضي ، برضا بلحاج العائد حديثا لنداء تونس ، طرح باحتشام ضرورة التدخل لإقرار تغيير على قيادة الحزب عبر التقليص من صلاحيات الابن وابعاده ولو نسبيا عن الواجهة، بما سيُغيّ من موازين القوى في المعركة القائمة حول ابعاد يوسف الشاهد.
نفس المصادر لفتت إلى ان الباجي لم يقدم موقفا واضحا من هذا الطلب الذي جاء من ثنائي عاد بعد خصومة للتحالف مع الابن ، وكان سيوفر له حضورا جديدا في اطار جبهة تضم الاحزاب المنشقة عن نداء تونس ، ويبدو ان مسار تشكيل الجبهة تعطل وقد يكون الأمر كذلك بالنسبة للمشروع التوحيدي بين كتلتي النداء والحرة .
الموقف من حافظ لن يتغير طغت حسابات انتخابات 2019 على مواقفجل الفارين من مركب نداء تونس والباحثين عن موضع قدم في مركب “الشاهد والنهضة”.
هذا الواقع لا يخفى على رئيس الجمهورية الذي يقول لمقربين منه بصيغ مختلفة ، وبقناعة أيضا إنالتحالف “النهضوي اليوسفي ” لن يصمد طويلا ، قناعة يبدو انها تخفي رفضا للتطرق لملف الابن .
ومنذ أسابيع ، اكد الرئيس قائد السبسي لأحد ضيوفه الإعلاميين انه لا ينوي “التدخل في نداء تونس” وان “الأزمة داخل الحزب شأن خاص لا علاقة لرئاسة الجمهورية به” .
وبعد ايام قليلة من جلسة منح الثقة لوزير الداخلية هشام الفوراتي التي شهدت تنازلا من حافظ لجماعة الشاهد ، اكد الباجي للطبوبي الذي دعا لعملية
انقاذ واسعة تشمل نداء تونس ، انه “سيتحرك”.
في كل المرات ينسحب الرئيس وينكث حتى بتعهداته ازاء هذا الملف ، مما جعل مقربين منه يشددون على انه لم تعد للأب سلطة على الابن ، كما لم تعد له سلطة على رئيس الحكومة الذي كان هو وراء وجوده السياسي وليس فقط صعوده ، والابن البيولوجي كالابن السياسي انقلب كل بطريقته على
الاب الذي يستعد لظهور إعلامي في طور الترتيب وتوقيته سيكون حتما بعد حوار رئيس الحكومة المرتقب أيضا.
لا حلول واضحة بالنسبة للرئيس الذي انفلتت الامور من يديه، على الاقل ظاهريا ، ولم يعد يتحكم في خيوط اللعبة ، وفقد المبادرة السياسية، لكنّ مقربين منه يؤكدون انه سيقلب المعادلة السياسية باعلان رفع دعمه عن الابن ودعوته هو ورئيس الحكومة الى الاستقالة ، الأول من نداء تونس والثاني من القصبة ، مقابل تشديد من قبل طيف واسع من مسانديه خلال السنوات الاخيرة على استحالة اتخاذه أي قرار ضد نجله حافظ .
ماذا سيفعل الرئيس في حرب مع الشاهد وحافظ ؟ الثنائي الذي وضع الدولة في أزمة حكم غير مسبوقة ، والثنائي المغامر والفاقد لاية مشروعية كانت .. خلال السنوات الاخيرة قُدمت كل الحلول للرئيس لإبعاد الابن حتى المادية منها ، وتقول المعطيات المؤكدة بأن من أصدقاء الرئيس من اقترح عليه الحاقه بمؤسسة رئاسة الجمهورية ، ومن دعاه لتعيينه سفيرا .
استعصى الامر على الباجي قائد السبسي وقد يجلس يراقب الشاهد وهو في طور اخراج نداء تونس من الحكم ، ويتابع النجل حافظ قائد السبسي وقد انفضّ نفس من كانوا يتحدثون عن أحقيته بقيادة نداء تونس من المركب ، ملتحقين بركب يوسف الشاهد .. مصادر من الرئاسة تؤكد ان تطورات ستحملها الأيام القادمة وان شخصية بتاريخ قائد السبسي وتجربته لا يمكن ان تُسلّم بسهولة في معارك خاض أهم منها بكثير…