الشارع المغاربي – الغنّوشي مُتّهم بالتحريض على "زعزعة استقرار" السعودية - بقلم منير السويسي

الغنّوشي مُتّهم بالتحريض على “زعزعة استقرار” السعودية – بقلم منير السويسي

2 نوفمبر، 2018

الشارع المغاربي : أثارت التّصريحات الأخيرة لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وتلميحاته بأن تؤدّي إلى “زلزال” شبيه بـ”الزلزال” الذي أحدثه احتراق البائع المتجوّل “البوعزيزي” في تونس، ردود فعل لاذعة في السعودية وحليفتها الإمارات، حيث اتهمته وسائل إعلام شبه رسمية بالانخراط في أجندة دولة قطر و”التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” وبـ”التحريض” على “زعزعة استقرار السعودية”.

يوم 27 أكتوبر 2018 ، قال راشد الغنوشي (77 عاما) في “خطاب” ألقاه  أمام “الندوة السنوية الثانية لإطارات” حركة النهضة: “نعقد هذه الندوة في مناخات تشبه من أوجه كثيرة المناخات التي فجرها المشهد التراجيدي، مشهد احتراق البوعزيزي وما فجره في المنطقة والعالم من تعاطف معه ونقمة على الظروف التي قذفت به إلى ذلك المشهد التراجيدي. شبيه به الزلزال الذي أثاره الاغتيال الوحشي للصحفي جمال خاشقجي . لقد أيقظ الضمير الإنساني من سبات، رافضا منطق المصالح السائد بين الدول، مصرا على الوصول الى الحقيقة كاملة. لقد كشفت الواقعة مدى قوة الإعلام والقيم الانسانية أمام ضعف الدول والمصالح ، فقد تحرك الضمير الإنساني معززا بقوة الاعلام الحديث، بما خلق حالة انفلات وزلزلة وضغط على الحكومات ليخرج الحقيقة الى النور. نسأل الله الرحمة لصديقنا جمال ونرجو الله أن يقبله شهيدا عنده”.

أول تعليق سعودي شبه رسمي على تصريحات الغنوشي جاء من صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية التي كتبت في مقال بعنوان “الغنوشي وخاشقجي… ومآرب أخرى” أن حركة النهضة “نسخة تونسية خاصة من جماعة الإخوان” وأن تصريحات الغنوشي تندرج ضمن “التحريض الإخواني المستعر” على “الدول العربية الرافضة لمشاريع الإخوان”.

وقالت الصحيفة: “اليوم، وتحت الضغط الذي تشعر به جماعة النهضة، داخليا وخارجيا، يحاول زعيمها إشعال الشرارة مجددا، باسم حادثة جمال  خاشقجي، وتوسيع شبكة الحلفاء في المنطقة العربية، ومحاصرة الدول المناهضة للمشروع الإخواني، وفي المقدمة السعودية”.

وذكرت بــ”الموقف الخطير الذي أدلى به الغنوشي بمحاضرة له بواشنطن، عام 2011 في ‘مركز واشنطن للدراسات’، داعيا فيه للثورة بدول الخليج، ومبشرا بانتقال ‘الربيع’، يعني الفوضى، لممالك الخليج، كما سمّاها”.

ومضت تقول إن الغنوشي “حاول لاحقا تطويق الغضب على هذا الكلام، في حواره مع (صحيفة) ‘الشرق الأوسط’ حينها في ديسمبر 2011، حاصرا الغضب في ‘المركز’ لأنهم أخلّوا بشرط عدم النشر! ثم حاول مغازلة دول الخليج، بأنه: ‘نتمنى أن يتخذ ذلك (يعني الإصلاح لا الثورة!) أيسر السبل’.”

وفي الإمارات، كتبت صحيفة “الاتحاد” أن راشد الغنوشي “أحد أهم الشخصيات الإخوانية المشهورة بالمراوغة والدجل، فمرّة يرفع الديمقراطية شعارا وكأنه أحد رموز التنوير في العالم، ومرة يبني التنظيمات السرية التي تغتال خصومه ومواطنيه، مرة ينجذب للنموذج التركي وأخرى لنموذج ‘إخوان مصر’ التنظيم الأم، والثابت لديه هو معاداة السعودية ودول الخليج”.

 “زعزعة استقرار السعودية”

وقالت الصحيفة “هذا الكلام المعادي من الغنوشي ليس مستغربا، وهو يأتي في استمرارٍ لمواقف الغنوشي منذ بداية مسيرته، وهو نموذج…..عن خطورة التنظيم الدولي للإخوان، وهو يؤكد أن كل أحاديث الغنوشي المتعددة عن انشقاقه عن جماعة ‘الإخوان’ إنما كانت ضربا من التضليل والتشويش لا أقل ولا أكثر”.

واعتبرت أن “أتباع التنظيم الدولي (للإخوان) بدعم قطري كاملٍ وتحالفٍ مع إيران كانوا يسعون جاهدين لخلق ‘ربيع عربي’ للمرة الثانية، ولكنه موجّه هذه المرة للمملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من الفشل الذريع والخراب والدمار الذي سببه ‘الربيع’ الأصولي، فإنهم أرادوا إعادته مرةً أخرى وضرب عمود الخيمة للنظام العربي المعاصر وزعزعة استقرار السعودية، وكما خابوا وخسروا من قبل، فقد خابوا وخسروا هذه المرة، وما الغنوشي إلا بيدقٌ بيد خصوم السعودية”.

كما ذكّرت بأن الغنوشي صرّح في 30 نوفمبر 2011 بواشنطن قائلا “الثورات تفرض على الملكيات العربية اتخاذ قرارات صعبة، فإما أن تعترف بأن وقت التغيير قد حان، أو أن الموجة لن تتوقف عند حدودها لمجرد أنها نظم ملكية. الجيل الشاب في السعودية لا يعتقد أنه أقل جدارة بالتغيير من رفاقه في تونس أو سوريا” معتبرة ذلك “تحريضا صريحا ضد السعودية”.

“إقحام تونس في سياسة المحاور” و”المس من المصلحة الوطنية”

وفي تونس علق حزب “نداء تونس” ضمن بيان أصدره “الديوان السياسي” للحزب (يوم 28 أكتوبر 2018) على تصريحات الغنوشي بالقول إن الحزب “يستنكر تدخل رئيس حركة النهضة في علاقات بلادنا الديبلوماسيّة بما يمس من المصلحة الوطنيّة ويرهن بلادنا ويقحمها في سياسة المحاور التي تمثّل انقلابا على العرف الدبلوماسي لدولة الاستقلال”.

وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وجّه تونسيون مقيمون في السعودية والإمارات انتقادات لاذعة للغنوشي، حيث جرى اتهامه بتعمّد “الإضرار بمصالح” تونس مع الرياض وأبو ظبي.

ويقيم في السعودية أكثر من 50 ألف تونسي وهي أكبر جالية تونسية في الخليج. كما أن لتونس مصالح مع السعودية بمئات ملايين الدولارات في شكل استثمارات وقروض ووعود باستثمارات وتمويلات.

وللحفاظ على هذه المصالح، عزلت حكومة يوسف الشاهد (يوم 4 نوفمبر 2016) وزير الشؤون الدينية  عبد الجليل بن سالم “وذلك لعدم احترامه لضوابط العمل الحكومي وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية” بحسب بيان أصدرته الحكومة يومئذ.

وجاءت إقالة الوزير غداة تصريح (يوم 3 نوفمبر 2016) أمام إحدى لجان البرلمان قال فيه:”قلت هذا للسعوديين، قلت لسفيرهم (في تونس) بكل جرأة، وقلت لأمين عام (مجلس) وزراء الداخلية العرب (مقره بتونس) وهو سعودي، قلت لهم: أصلحوا مدرستكم فالإرهاب تاريخيا متخرّج منكم، أقول لكم هذا بكل محبة وبكل تواضع، ليس لي شأن سياسي معكم أو عداوة سياسية”.

وأضاف بن سالم “أقول لكم كعالم ومفكر: التكفير لم يصدر عن اي مدرسة أخرى من مدارس الاسلام، لم يصدر التكفير والتشدد إلا من المدرسة الحنبلية ومن المدرسة الوهابية فأصلحوا عقولكم”.

ووقتئذ نددت قيادات بارزة من حركة النهضة مثل نور الدين البحيري بهذه التصريحات وباركت إقالة عبد الجليل بن سالم بدعوى المحافظة على “مصالح” تونس مع السعودية.

من غير المستبعد أن تكون لتصريحات الغنوشي استتباعات سلبية على العلاقة السياسية والاقتصادية بين تونس والسعودية، حتى لو خرج الغنوشي لاحقا وقال إن تصريحاته بشأن خاشقجي “أُخرِجت من سياقها” أو “أُسيء فهمها”.

صحيح أن الغنوشي لا يتقلّد أي مسؤولية رسمية في الدولة التونسية، لكن حزبه طرف رئيسي في الائتلاف الحكومي الحالي برئاسة يوسف الشاهد، وأبرز مدافع عن “الاستقرار الحكومي”.

وكما قال أحد كتّاب “البروباغندا” في سياق تحليله لخطاب راشد الغنوشي الأخير، فإنه يُنظر إلى رئيس حركة النهضة على أنه “الحاكم الفعلي” لتونس.

“دبلوماسية شعبية”؟

أدى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، صاحب مقولة “الدبلوماسية الشعبية” زيارة إلى سفارة السعودية لدى تونس يوم 4 أكتوبر 2018 مرفوقا بنائبه عبد الفتاح مورو لتقديم التهاني بمناسبة اليوم الوطني السعودي.

ولم يحضر الغنوشي مراسم حفل رسمي نظمته السفارة في وقت سابق، بسبب تواجده في الخارج وفق مواقع إلكترونية محسوبة على حركة النهضة.

وبدّدت تلك الزيارة أنباء عن توتر في العلاقات بين السلطات السعودية وحركة النهضة على خلفية موقف الرياض من جماعة “الإخوان المسلمين” المصنفة تنظيما “إرهابيا” في المملكة الوهّابية والإمارات ومصر والبحرين.

لكن تصريحات الغنوشي الأخيرة بشأن الخاشقجي قد تغلق صفحة العلاقات “الهادئة” لحزبه مع السعودية، وقد تكون لها بالتالي تأثيرات على مصالح تونس، البلد شبه المفلس الذي يتسول المساعدات والقروض من الشرق والغرب.

ونذكّر هنا أن دولا “ديمقراطية” عظمى غلّبت، عند تعاطيها مع قضية اغتيال الصحفي خاشقجي، “مصلحتها” الاقتصادية على اي اعتبارات أخرى في هذه القضية.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING