الشارع المغاربي – كوثر زنطور : تحولنا الى فرنسا قبل مدة لإعداد الزيارة وكشفنا لكبار مسؤوليها من هو يوسف الشاهد اليوم وما هو ثقله في المشهد السياسي التونسي ” ، هكذا تحدث أحد المقربين من رئيس الحكومة لـ”الشارع المغاربي” عن زيارته الرسمية الفرنسية التي تواصلت ليومين لكنها مع ذلك كانت حافلة بالنشاطات المعلنة منها والخفية ، زيارة تعد الثانية للشاهد منذ دخوله القصبة في اوت 2016 ويمكن القول انها هامة خاصة على المستوى الشخصي لرئيس حكومة بات له حزب يطمح للفوز بالأغلبية المطلقة في تشريعيات 2019 .
سبقت زيارة رئيس الحكومة لفرنسا عملية حشد قادها مقربون منه قدموا الشاهد كـ” رجل المرحلة القادمة” بحزب سيرث مكانة ودور نداء تونس في المشهد تنضاف اليه شراكة مع حركة النهضة الطرف الاقوى في المعادلة السياسية. والمعلوم ان من اعدوا الزيارة جلهم من المكونات الاساسية للحزب حديث الولادة ” تحيا تونس” ، ويراهنون على الشاهد لاكتساح انتخابات 2019 التشريعية منها والرئاسية ، وهذا الاكتساح لا يمر فقط ببقاء الشاهد على رأس الحكومة بل ايضا بتحقيق انجازات تسوّق في الحملة الانتخابية المرتقبة .
ما قبل وصول رئيس الحكومة الى فرنسا أعد بدقة لمسها المرافقون له خلال زيارته رغم بعض الهنات التي حُملت المسؤولية فيها الى سفير تونس بفرنسا عبد العزيز الرصاع . وباعتبار ان مهندسي حزب تحيا تونس باتوا في سباق مع الوقت ، ويرون في ” التجربة الماكرونية” انموذجا للاستنساخ في تونس ، نزل فريق الشاهد بثقله لانجاح الزيارة على أكثر من صعيد ، والمقارنة تؤكد ان زيارة الشاهد لفرنسا هي الاثقل والاهم لرئيس حكومة خلال السنوات الاخيرة على الاقل.
لا خاب من استشار ؟
بين نوفمبر 2016 وفيفري 2019 تغير الكثير في فرنسا ( حكومة ورئيس جديد ) وفي تونس( تغير التوازنات السياسية ) ، وفي شخصية الشاهد نفسه ، فالرجل الذي زار فرنسا في نوفمبر 2016 كأول وجهة خارجية له بعد تعيينه بالقصبة كان وقتها مجرد ” وزير أول” يتحسس المنصب ورهاناته، ولم يكن خطابه وقتها شبيها البتة بخطابه في زيارة فيفري 2019 ، بين البحث عن دعم اقتصادي لتحقيق الاستقرار الامني والسياسي وبين المراهنة اليوم على تقديم نفسه كواجهة وممثل حصري لجيل جديد من القادة السياسيين في بلد يمثل الشباب نصف سكانه وتشكل هذه الفئة ثلث المسجلين للانتخابات ( 5.3 ملايين مسجل ثلثهم اقل من 36 سنة) .
خلال هذه الزيارة وضعت على طاولة النقاش ملفات هامة ، نذكر منها دعم فرنسا لتونس في جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي ستنطلق خلال أيام بزيارة وفد من الصندوق لتونس من منطلق ثقلها في هذه المؤسسة المالية الدولية ، بالاضافة الى ملفات الهجرة والعائدين من بؤر التوتر والملف الليبي وسط تكتم كبير من الجانبين.
وذكر مصدر حكومي ان الملفات سالفة الذكر طُرحت خلال اجتماع المجلس الاعلى للتعاون التونسي الفرنسي . ويقول مصدر حكومي رفيع المستوى انه ليس لفرنسا هيكل مثيل الا مع ألمانيا ، وان انعقاد مثل هذه المجالس وتشكيل هيكل في القصبة للتنسيق حول كل الملفات ذات العلاقة مع الجانب الفرنسي سيُسهّل من تسريع تفعيل الاتفاقيات والوعود منها مضاعفة الاستثمارات الفرنسية في تونس في غضون 2022 .
وينظر الوفد الرسمي للزيارة بتفاؤل ويصفها بالناجحة رغم ثقل الملفات المطروحة ، تفاؤل يبدو ان له وحده خلفياته ، لكن النجاح يبقى رهين تفعيل الوعود ، وسبق للشاهد نفسه ان طرح ذلك خلال زيارته السابقة الى فرنسا في عهد فالس وهولاند ، وقال وقتها ” ان دولا التزمت بمنح تونس 25 مليار دولار لكنها لم تف بوعودها “، لكن ما يختلف اليوم حسب رواية الحكومة ، هو كيفية ادارة الملفات وحصرها كلها بإدارة واحدة بالقصبة ، هذا التوجه الجديد جاء بعد تعطل مستمر تقول الحكومة انه شمل أيضا مجلس نواب الشعب مذكرا بوجود اكثر من 90 مشروع قانون واتفاقيات دون مصادقة حتى اليوم رغم مرور أشهر وحتى سنوات على احالتها .
على كل ستكشف الاشهر القليلة القادمة مدى نجاح الزيارة وخاصة الوفد المرافق في تفعيل الوعود التي ضمت السياحة عبرتعهد بدخول أكثر من مليون فرنسي لتونس خلال الموسم السياحي القادم ، وعلى مستوى الحشد لاقناع صندوق النقد الدولي ومضاعفة الاستثمارات الفرنسية ، وأيضا على المستوى الامني ، القصة التي بقيت دون كشف لتفاصيل حول فحوى المحادثات ، وان يقول مصدر من الوفد الرسمي ان تونس اكدت لفرنسا خلال الخوض في ملف العائدين من بؤر التوتر ان قانون مكافحة الارهاب ضبط استراتيجية لادارة هذا الملف .
كما سينكشف خلال الشهرين مدى نجاح الشاهد في اقناع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تمثل منتدى للضغط ، وتداول الشاهد لدى اجتماع بـ37 ممثلا لدول أعضاء في المجلس ( سنعود بتفاصيل أكثر حول هذا الاجتماع الهام في عدد قادم) وكان مرفوقا بوزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري ومستشاره الاقتصادي لطفي بن ساسي ووزير الشؤون الخارجية خميس الجيهناوي ،في الرؤية الاقتصادية للحكومة ومسار مفاوضات “أليكا” المثيرة للجدل والاجراءات التي اتخذتها للخروج من التصنيفات السوداء للاتحاد الاوروبي.
على صعيد آخر ، كانت للشاهد محطة اخرى في لقاءاته الفرنسية جمعته بلوران فابيوس رئيس المجلس الدستوري الفرنسي ، وقدم خلالها فابيوس ” عصارة التجربة الفرنسية” لتونس التي تستعد لتركيز اول محكمة دستورية ، ومن النصائح الفرنسية التي نقلها مصدر للوفد الاعلامي المرافق ، عدم تعيين رؤساء جمهورية سابقين بالمحكمة ، والملاحظ ان هذه الزيارة مثلت بالأساس رسالة من الشاهد على حرص تونس لاستكمال تركيز المؤسسات الدستورية وأهمها المحكمة الدستورية.
يبقى السؤال الذي يرافق الزيارة والنشاطات التي تخللتها قبل الخوض في كواليسها ، هل بحث خلالها الشاهد وهو يقدم خطوات حكومته على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عن دعم لشريك استراتيجي لتونس استنادا الى مقولة ” لا خاب من استشار” ام انها أبعد من ذلك ؟ هذا لا يمكن الاجابة عنه بشكل دقيق رغم كم الانتقادات حول علاقة الشاهد بفرنسا ، ويبقى الاهم الاثر الحقيقي لهذه الزيارة الذي لن نعرفه الا ان تحققت الوعود بشكل ملموس.
متلازمة الحزب
لا يُنكر ان الشاهد لقي حظوة فرنسية خالصة خلال زيارته ، و قد يكون مرد ذلك علاقة بالشخص الذي درس بفرنسا ويُتداول انه يحمل حتى جنسيتها وأيضا بطبيعة العلاقات بين البلدين ، ومن كان قريبا من الاجتماعات بماتينيون مثلا يلاحظ ان استقبال رئيس الوزراء الفرنسي ادوارد فليب للشاهد وهما المتقاربين في السن كان على مستوى عال من التفاهم والتناغم ، والامر سيان خلال اللقاء برئيس الجمهورية ايمانويل ماكرون وهنا يقول مصدر قريب من القصبة انه تواصل نصف ساعة بعد ان كان مبرمجا لعشر دقائق.
حصيلة بالنسبة للشاهد ووفده كانت ايجابية وكانت ايجابية ايضا بالنسبة للمشروع السياسي او ” تحيا تونس” الذي شكل محاور الزيارة رغم نفي الوفد الرسمي ذلك بشكل قاطع ، اذ ان تنظيم اجتماع للحزب بباريس بعد يوم واحد من انتهاء الزيارة يعد لوحده اشارة إلى ان هذا الملف كان من بين الملفات المطروحة خلال الزيارة ، وتحديدا كيفية استنساخ تجربة حزب ماكرون او تونسنته وهو الذي تحول بعد سنة من تأسيسه الى لاعب أساسي في المشهد السياسي الفرنسي.
ونذكر انه منذ انطلاق “الحرب على الفساد”بدأ الحديث عن ” الشاهد كماكرون تونس” ، سنة ونصف بعد ذلك تأسس حزب “تحيا تونس” ، الذي يستمد فلسفة التأسيس من ” الجمهورية الى الامام ” .وتقول مصادر موثوق بها ان تأسيس الحزب وتونسة ” الماكرونية” طُرحا خلال اللقاء الثنائي بين ماكرون والشاهد وأن هذا الاخير قدم صديقه والمنسق العام لمشروعه السياسي سليم العزابي لدور استشاري بين قادة الحزب الفرنسي للاستئناس بتجربته في التأسيس وفي الحكم ، وقد تكون عضو المكتب التنفيذي في حزب ماكرون التونسي نائلة بن زينة من بين مفاتيح مشروع تونسة ” الماكرونية” .
بعض الملاحظات الهامة حول الزيارة تتعلق مثلا بضعف سفير تونس بفرنسا ، الذي اتهم حتى بمحاولة عرقلة الزيارة ، أبعد من ذلك لا يبدو السفير حتى مؤهلا للمنصب ، ودون الخوض في الاتهامات فإن الاشكال الحاصل بين القصبة وقرطاج ألقى بظلاله في فرنسا عن طريق الثنائي وزير الخارجية خميس الجهيناوي الذي بدا متوترا بشكل لافت وايضا السفير ، وبعيدا عن ذلك تجلى ايضا عدم النضج السياسي لعدد من مستشاري الشاهد ووزرائه الذين غادروا اجتماعات مزهويين بلقائهم بالرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء ادوارد فيليب بشكل يطرح تساؤلات حول ادراكهم اصلا بأنهم يمثلون الدولة التونسية ، وتساؤلات اخرى حول مدى نجاح الشاهد ، وهذا مهم بالنسبة إليه ، في اقناع الفرنسيين بانه ” ماكرون تونس” .