الشارع المغاربي – بقلم كوثر زنطور : حتى وقت قريب ، كان خليل النجل الثاني لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي من أهم معارضي الاخ حافظ ، قبل ان يدخلا في تحالف مؤخرا برعاية الاب لمواجهة الثنائي القريب من العائلة والمنقلب على “فضلها” يوسف الشاهد رئيس الحكومة وسليم العزابي المدير السابق للديوان الرئاسي ومنسق عام حزب تحيا تونس ، وبين الضفتين ، ضفة آل السبسي وضفة ” يوسف وسليم” ، يتحرك شيخ النهضة راشد الغنوشي ماسكا ورقة التغيير الحكومي.
قبل ايام قليلة من خطاب أو حوار مفترض لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ، اعلن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في بلاغ مقتضب يوم امس الاثنين عن لقاء جمعه برئيس الهيئة السياسية لنداء تونس حافظ قائد السبسي ، لقاء هو الاول من نوعه منذ انتخابات 6 ماي ، ومنذ الاعلان عن القطيعة بين الحزبين ،وتزامن مع طرح النهضة من جديد امكانية تغيير حكومة يوسف الشاهد وربط بقائها بتحقيقها جملة من الشروط .
المعطيات المؤكدة تشير الى أن الايام الماضية شهدت تنسيقا بين الغنوشي والوافد الجديد للمعادلة السياسية خليل ، وأنه كان وراء اذابة الجليد مع رئيس حركة النهضة الذي لم يخف استياءه من حافظ بسبب ” انفلات غير مقبول في خطابه”خلال اجتماع سابق للموقعين على وثيقة قرطاج وجه فيه اتهامات مباشرة للشريك وقتها في الحكم النهضة ، ويتداول ان حافظ قائد السبسي وجه اتهامات اخطر للغنوشي في عقر داره يوما بعد انتخابات 6 ماي.
خليل وحافظ
فتح اللقاء المنعقد بين الغنوشي وحافظ الباب على مصراعيه للتأويلات ، اذ انه قد يشير الى امكانية انطلاق مشاورات حول تغيير الحكومة من عدمه ، مشاورات سبق ان تحدث عنها الغنوشي بنفسه في تصريح بتاريخ 17 فيفري 2018 قال فيه إن الحركة بصدد التشاور مع جميع الاطراف المعنية حول الابقاء على حكومة الشاهد أو تغييرها بحكومة تكنوقراط او انتخابات للإشراف على الاستحقاقات الانتخابية المزمع تنظيمها بين شهري اكتوبر وديسمبر القادمين .
ويوم أول أمس الاحد جدّد رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني طرح امكانية تغيير الحكومة مقدما شروط بقائها وكاشفا انه تم التحادث في هذا الملف مع يوسف الشاهد. وتجديد تداول مصير الحكومة من قبل النهضة جاء بعد نفي على لسان اكثر من قيادي منها ردا على تصريحات رئيس حزبهم الغنوشي معلنين تمسك النهضة بالاستقرار الحكومي مذكرين بأنه موقف صادر عن مختلف مؤسساتها ، والهاروني سبق ان دعا بنفسه كل قيادات النهضة لاحترام الموقف الاغلبي مثلما أسماه هو الداعم لاستقرار حكومة الشاهد وذلك ابان دورة مجلس الشورى المنعقدة يومي 9 و10 وفيفري.
لذلك لا يُستبعد ان يكون اللقاء في اطار مشاورات حول حكومة الشاهد ، أو على الاقل لإرساء أرضية تشاور بعيد قطيعة تواصلت طيلة أشهر بين الحزبين لعدة أسباب أهمها الاختلاف الجوهري بين الشيخين “راشد والباجي” حول مصير الشاهد ، ومطالبة النهضة ب” مخاطب جديد” بالنداء اثر “التجاوزات التي اتاها حافظ في حق رئيسها راشد الغنوشي” ، ونذكّر في هذا السياق بأن القيادي بالنداء عبد الرؤوف الخماسي بارك لقاء يوم امس واعتبرأنه يشكل عودة للحوار بين الحزبين.
لكن مع كل ما قد يشير الى فرضية ان يشكل” لقاء عودة الحوار بين النداء والنهضة “مثلما أسماه الخماسي انطلاقة لمشاورات حول تغيير الحكومة ، فإن معطيات اخرى تقلل من الفرضية وتجعله لا يعدو ان يكون لقاء مجاملة في هذه المرحلة على الاقل في انتظار مضامين الحوار المنتظر ( أو الخطاب) لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي والذي سيدلي به قبل نهاية هذا الاسبوع ، ان كان سيتمسك فيه بالقطيعة مع النهضة مثلما اعلن سابقا في حوار بتاريخ 28 سبتمبر 2018 أم انه سيفتح بابا جديدا لالتقاء مع الحركة.
ومن المعطيات التي تناقلتها قيادات قريبة من الغنوشي حول كيفية عقد اللقاء ، تأكيد على انه جاء بعد مهاتفة من حافظ لرئيس الحركة لتقديم واجب العزاء بعد وفاة ابن اخ الغنوشي وان شيخ الحركة دعاه على هامش المكالمة للقاء ، وان ذلك جاء بعد تلقيه التعزية من الرئيس قائد السبسي ونجله خليل ، ولقاءات اخرى سبقته جمعت الغنوشي بالنجل الثاني لرئيس الجمهورية وبالقيادي بنداء تونس رؤوف الخماسي .
وتوصف علاقة النجل الثاني للرئيس بالغنوشي بـ” المتقدمة” ، ويُتداول انه دخل في المعركة القائمة بين القصر والقصبة بشكل لافت مؤخرا بعد ان كان يتحرك في الخفاء مكتفيا بدور ” دبلوماسي” و” خليل” حاول في فترة ما قبل تمرير قانون المالية التقريب بين القصرين ( القصبة وقرطاج) ، وكان وقتها من معارضي شقيقه ” حافظ” ، ويبدو أن المعطيات تغيرت تدريجيا منذ كلمة الشاهد المتلفزة ( 29 ماي 2018) التي اتهم فيها حافظ قائد السبسي بتدمير نداء تونس .
واعتبر ذلك الاتهام استهدافا للعائلة برمتها و”تأليبا للرأي العام عليها” ، ورغم محاولة احتواء وقعها بالتقارب الذي تم في شهر جويلية ابان تعيين وزير جديد للداخلية ،تقلص منسوب التوتر مع القصبة وتجددت المبادرات للتقريب بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ، وكان من بين الفاعلين فيها النجل الثاني خليل ، الذي اصطف في النهاية مع “حافظ” مع اقرار التحوير الوزاري في شهر نوفمبر وما تلاه من تصريحات لنواب من كتلة الشاهد وتدوينات وحملة على “الفايسبوك” حملت المسؤولية فيها للقصبة .
في الاخير أصبح النجلاين في نفس الخندق ، وفي تحالف يرعاه الاب الذي لا يخفي انه مستهدف من قبل جماعة القصبة ، بل ويذهب إلى حد التأكيد ( في ندوة صحفية) على وجود اعداد لعزله من قبل “حكومة ظل” ، هذا الاستهداف قرّب بين الاخوين اللذين كانا متباعدين منذ تأسيس نداء تونس ، بين رجل الظل ” خليل” و”حافظ” الذي بات الرجل الاول لنداء تونس ، موقع يرى ان تمسكه به كان بهدف حماية الاب من ” المنقلبين على فضله” .
معركة عائلية – عائلية
لا يُعرف الكثير عن النجل الثاني للرئيس الذي فضّل الابتعاد تماما عن الاضواء ،لكنه يتحرك باستمرار في الكواليس ، ولا يعرف ان كان التحالف السبسي جاء لاعداد تحرش جديد للاب الذي لم يحدد موقفه بشكل واضح من تجديد عهدته الرئاسية ، أم لحماية مصالح العائلة التي بات العديدون يشبهونها بـ”الطرابلسية الجدد” ودعم رئيس الحكومة ذلك ضمنيا في حواره مع قناة التاسعة ( 21 ديسمبر 2018) باتهام حافظ قائد السبسي بالتصرف و كأن “الدولة والحزب” ملك خاص وانه وقف ضد “عبثه السياسي”.
ويقول مقربون من “العائلة” ، إن هناك مخاوف حقيقية من ” شيطنتهم” وأن صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تدفع في هذا الاتجاه ، وكان رئيس الجمهورية قد استنكر بشكل منفعل الاتهامات الموجهة لنجله بالفساد في جلسة مع صحفيين خلال مناسبتين ، الاولى ابان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والثانية على هامش زيارته الى جنيف مؤخرا ، وقد يرد في حواره المنتظر على هذه الاتهامات وغيرها ويكشف عن موقفه خاصة من الحزب الجديد تحيا تونس الذي يرى انه يشبه تجربة حزب مشروع تونس.
في المحصلة ، تحرك آل قائد السبسي ، مثلما يتداول في الكواليس، لمواجهة الثنائي ” يوسف وسليم” يخدم في كل الاحوال حركة النهضة ، واليوم يتحرك شيخها بين الضفتين ، بين ضفة قائد السبسي الباحثة عن ابعاد الشاهد من القصبة وترى ان خروجه من الحكم يعني نهايته ، وبين ” يوسف وسليم” اللذين يبحثان عن ربح الوقت والبقاء اقصى ما يمكن في الحكم قبل الانقضاض عليه لسنوات بالفوز في الانتخابات القادمة وتسخير أجهزة الدولة لذلك.
فهل ستغير النهضة خطها الاستراتيجي للتحالف مع الشاهد وهي التي ترى ان الباجي وحزبه انتهيا ؟ الامر يبدو صعبا في الوقت الراهن ، لكن تشديد الخناق على تكتيكات النهضة الثابتة وأي تقدم في اتجاه القصر قد يمكنانها من كسب نقاط على حساب الوليد السياسي الهش تحيا تونس الذي لا يزال يتحرك بخطوات متعثرة ولم يتمكن حتى اليوم من توسيع دائرته السياسية وبقي حبيس نواب وقيادات باحثة عن فضاء يمكنها من لعب دور في المرحلة القادمة ، مقابل صعوبة توفر حجج يقدم بها رئيس الجمهورية اي تراجع جديد في موقفه من النهضة بخلاف انهاء الدور السياسي ليوسف وسليم ومزيد تمكين الابن حتى في حزب لم يبق منه الا الاسم.
هي معركة “عائلية عائلية” مثلما يصفها فاعلون في المشهد السياسي ، يرفض الثنائي قائد السبسي ومجموعة “يوسف وسليم” تقديم تنازلات ، ويرى كل طرف ان البقاء يعني ضرورة القضاء سياسيا على الاخر ، فيما يواصل البعض محاولة اذابة الجليد والبحث عن توافقات تنهي “النزاعات العائلية” وتؤسس لتحالف واسع في العائلة الوسطية ، مثل هذه المبادرات تبدو صعبة التحقيق وكذا الحال بالنسبة لتوافق جديد بين النهضة والنداء وبين الشيخين .
صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ 5 مارس 2019.