الشارع المغاربي-منى المساكني: اكد يوم امس الجمعة 30 اوت 2019 ، المترشح للانتخابات الرئاسية عن حزب تحيا تونس يوسف الشاهد ، انه تمكن خلال زيارته للولايات المتحدة الامريكية في صيف سنة 2017 من اقناع واشنطن بالتراجع عن قرارها التخفيض في مساعداتها لتونس. وتابع الشاهد متحدثا عن انجازه في بلاد العم سام، مشددا على انه التقى في 48 ساعة ، 21 مسؤولا بالادارة الامريكية وانه انتهى لا فقط بإقناعهم بالتراجع عن قرار التخفيض في المساعدات لتونس بل بالزيادة فيها .
ولفت الشاهد لدى حضوره برنامج “ساكن قرطاج” على قناة التاسعة ،إلى أن الولايات المتحدة رفعت في مساعداتها لتونس ، وطبعا لم يقاطعه اي من محاوريه الثلاث ، وهو بصدد المغالطة بشكل يثير الاستغراب ، من كيفية تقديم رئيس حكومة مغالطات في مثل هذا الملف ، لاسيما أن سياسة امريكا بالتخفيض في دعمها لتونس ودول اخرى مستمرة منذ عام 2017 إلى اليوم .
ففي جوان 2019 ، كشف تقرير نشره “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط” (منظّمة أمريكية غير حكومية مقرها واشنطن) استنادا إلى وثائق أصدرها “الكونغرس” الأمريكي ان إدارة الرئيس دونالد ترامب اقترحت تخفيض المساعدات الأمريكية المخصصة لتونس بعنوان السنة المالية القادمة (2020) إلى 86 فاصل 4 ملايين دولار، (مقابل 94 فاصل 5 ملايين دولار سنة 2019)، في حين طلبت تونس “بشكل صريح” الحصول، خلال سنة 2020، على قرض أمريكي بقيمة 500 مليون دولار “لشراء طائرات هجومية أمريكية الصنع”.
ولاحظت المنظّمة في هذا التقرير أن أغلب المساعدات الأمريكية المقترح تخصيصها لتونس بعنوان سنة 2020 عسكري وأمنيّ، الهدف منه “القضاء” على المنظمات الإرهابية “المحلية” و”دعم أمن الحدود ودعم المهام الإقليمية” بما في ذلك مهام حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وأوضحت أن 60 بالمائة من إجمالي هذه المساعدات عسكري وأمني (51 فاصل 8 مليون دولار)، و21 بالمائة (18 فاصل 1 مليون دولار) موجّه لبرامج “الحكم العادل والديمقراطي”، و19 بالمائة (16 فاصل 5 مليون دولار) مخصص لبرامج “التنافس السياسي وبناء التوافق”.
ولفتت إلى أن إدارة ترامب قررت التخفيض في المساعدات الأمريكية الموجهة إلى تونس “للعام الثالث على التوالي” منذ سنة 2017.وذكّرت بأن تونس حصلت على مساعدات أمريكية بقيمة 94 فاصل 5 ملايين دولار سنة 2019، و165 فاصل 3 ملايين دولار سنة 2018 و205 فاصل 2 مليون دولار سنة 2017.
وقالت المنظّمة إن ممثلي منظمات أمريكية داعمة للترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط، عبروا عن “قلقهم البالغ” إزاء اعتزام الإدارة الأمريكية خفض المساعدات المخصصة لبرامج الديمقراطية والحوْكمة في تونس، واعتبروا ذلك “مؤشر إضافيا على أن الولايات المتحدة أصبحت أقل تركيزًا على الانتقال الديمقراطي في تونس”.
وتوقعت أن يعترض الكونغرس على مقترح ترامب تخفيض المساعدات الأمريكية لتونس باعتبار أن إرساء “ديمقراطية مستقرة وقابلة للحياة في تونس، أمر حاسم للأمن الإقليمي”.
والزيارة التي تحدث عنها الشاهد جرت في جويلية 2017 ، وجاءت بعد اعلان ادارة ترامب انها اقترحت في مشروع ميزانية 2018 ، منح تونس مساعدة بقيمة 54.6 مليون دولار أي بتخفيض يقدر بـ 85.5 مليون دولار مقارانة بسنة 2017 ، ولم تتراجع امريكا البتة عن سياستها التخفيض في المساعدات وتجلى ذلك في ميزانيات 2018 و2019 و2019 .
وفسّر التخفيض في المساعدات وقتها بحذف الفصل المتعلق بالتمويل الثنائي للقوات العسكرية من مشروع القانون الجديد الذي يمثل تغييرا في مقاربة الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بالتمويل والمساعدة العسكرية في العالم.
وخلال تلك الزيارة ، طرح ملف شائك أيضا ، سمي بـ”المساعدات مقابل التطبيع” ، او البند العاشر في الائحة التي عرضت على الشاهد خلال زيارته المذكورة وتضمنت اقتراحات لمواصلة دعم واشنطن تونس ، ابرز ما جاء فيها هو البند العاشر الذي حثّ ”بقوة” الحكومة التونسية على وقف دعم كل القرارات والتدابير التي تنطوي على ما يعتبر تمييزا ضد إسرائيل أو استهدافا لها في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة وغيرها من المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
وقد صدرت هذه اللائحة عن عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي بان كاردين وماركو روبيو ووقعها ثلّة من أعضاء مجلس الشيوخ وهم كريس كونس وإيد ماركي ووتيم كاين وتامي بالدوين وتوم كوتن و الراحل جون ماكين. وتشير معطيات عديدة شهدتها تونس بعد ذلك الى امكانية تجاوب ايجابي للحكومة مع هذا البند رغم تأكيد الشاهد في الابان ان “تونس غير معنية بالبند العاشر” وهو تصريح مفتوح على كل التأويلات .
الاهم ان ما جاء من تصريحات الشاهد مساء يوم امس الجمعة لقناة التاسعة مجانب للواقع ، فالمترشح للرئاسة ورئيس الحكومة طيلة ثلاث سنوات غالط بشكل غير مقبول في هذا الملف ، فلا تراجع عن التخفيض مثلما زعم في تصريحه ولا ترفيع في المساعدات مثلما زعم أيضا ، فالزيارة التي يتحدث عنها في صيف 2017 كانت في اطار نقاشات واشنطن حول ميزانية 2018 التي لم تشهد طبعا زيادات وكانت منطلق التخفيض المتواصل للمساعدات .
ونرجو الا يكون السيد الشاهد يتحدث عن تخفيض في التخفيض واحتسبه ترفيعا ، وهذا لا يليق برئيس حكومة مسؤول ولا بمترشح جدي للرئاسية .