الشارع المغاربي – عواطف البلدي : من المفارقات أن نحتفي على أرضنا بالدورة السادسة لأيّام قرطاج الموسيقية، والأغنية التونسية “الوترية” تعيش تراجعا ونكوصا كبيرين، وهو تقييم يجمع عليه أغلب النقّاد والمتدخّلين في الأغنية سواء سواء ملحنين أو مطربين أو شعراء أو موزّعين وعازفين. “الشارع المغاربي” ذهب إلى المعنيين مباشرة بالشأن الموسيقي وسألهم عن أسباب هذا التراجع، وعن إمكانات النهوض بأغنيتنا وإعادة البريق إليها خاصّة.
تقييم اهل القطاع لواقع الاغنية الوترية اليوم جاء مشتركا تقريبا وليس انطباعا، يقوم على مؤشّرات نذكر منها انحسار انتشارها والتراجع الكمّي والنوعي في إنتاجها وتغيّر “المتلقّي” ذوقا وتقبّلا مقارنة بمتلقّي السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي او ما يسمّى بعشريات ربيع الأغنية التونسية زمن ازدهارها وتألّقها.
عاد بنا الفنان خالد سلامة الى مجد الأغنية الوترية التونسية التي احتلت مكانة الصدارة في المشهد الموسيقي التونسي لسنوات عديدة على مستوى الإنتاجات الفنية قائلا “لعل ذلك يعود إلى تصدر الأغنية الوترية المشهد الموسيقي العربي وخصوصا المصري وبالتالي انعكاس ذلك على المشهد الموسيقي التونسي. أما بخصوص الثمانينات فقد شهدت هذه الفترة صحوة فنية هامة أفرزت ظهور العديد من الملحنين والمؤدين ساعدتهم في ذلك الحركية النشيطة بالساحة الفنية أنذاك من مهرجان أغنية بجوائزه القيمة المشجعة على الإنتاج دون أن ننسى دور وسائل الإعلام التي كانت هي نفسها راعية للأغنية التونسية ومنصهرة إنصهارا كليا مع هذه الصحوة بل لنقل الفترة الذهبية للأغنية الوترية التونسية الحديثة فكانت الإذاعات والتلفزات في تتهافت على الأغنية الوترية التونسية عكس ما يحصل اليوم”.
ويرى بن سلامة ان اعادة بريق الأغنية الوترية يبقى رهين الإيمان الجماعي بأنها تمثل عنصرا من عناصر الهوية التونسية التي يجب إعطاؤها المكانة التي تستحق في المشهد الموسيقي وتخصيص مهرجان للأغنية الوترية ومساحة لا بأس بها في الفضاء السمعي البصري موضحا ان “هذا لا يكون ممكنا دون صحوة مجتمعية في جميع المجالات بأهمية المحافظة على الهوية التونسية وبتثمين كل ما يحمل في طياته بصمة تونسية متأتية من تراكمات ثقافية محلية ولنا في الجزائر والمغرب أمثلة يحتذى بها”.
موسيقى البلاط
اما الملحن عادل بندقة فقد قال “لا يمكن الحديث عن الأغنية التونسية بمعزل عن محيطها الاقليمي لأن الاغنية الوترية تراجعت في المغرب ومصر ولبنان والجزائر وباستثناء الخليج… متابعا “أخذت الأغنية منحى غربيا الى درجة صناعة اغان دينية بموسيقى غربية على غرار سامي يوسف وفي المزود ايضا مع فوزي بن قمرة الذي اعتمد موسيقى غربية في أغانيه الراقصة”.
وأشار بندقة الى اضمحلال أهم المقامات الموسيقية على غرار مقامي البياتي والراست” قائلا “لم تبق إلا مقامات “ناهوند” و”محيّر سيكا” و”كردي” على مستوى المحيط الاقليمي وفي تونس كان الزعيم بورقيبة يشجّع على الاغنية الوترية ومن بعده مستشاره الراحل صالح المهدي وفرقته التي كانت تنشط بصفاقس اضافة الى الاذاعة الوطنية التي كانت تمول هذه الالحان وكانت تضم القصائد والاغاني الخفيفة بمعنى انه كانت هناك مؤسسة عمومية تشرف على صناعة الاغنية التونسية وصناعة نجوم الاغنية على غرار علية ونعمة والجويني والرياحي وغيرهم .. وفي نهاية الثمانينات ظهر جيل جديد تمرّد على الاذاعة ولجأ الى الستوديوهات الخاصة الامر الذي أجّج المنافسة بين الطرفين…”
واضاف “في 2011 تراجع دعم السلطة للموسيقى الوترية وبدأت تظهر انماط موسيقية اخرى لا نعلم من تبناها ولكن الراب فرض نفسه… انا لست ضد الراب لكن ظهوره بعد الثورة فُسّر بتخوين الموسيقى الوترية واعتبارها موسيقى بلاط فتمّت معاقبتها الى اليوم بدليل انه لا توجد فرقة موسيقية في مدينة تونس وتم حلّ فرقة الاذاعة الوطنية وأسوق مثالا على ذلك: لو كانت علية موجودة اليوم بيننا ومعها جعفر ماجد ومحمد رضا وغيرهم لانتاج أغنية “الساحرة” لن يجدوا مكانا لهم وإنما سيتمتعون فقط بدعم صغير من وزارة الثقافة لتمويل اغنية او اغنيتين… لأن الماكينة الضخمة التي كانت تنتج وتبث أعمالهم انتهت بانتهاء الاذاعة الوطنية وبانتهاء الانتاج فيها..
وأضاف بندقة “لا دخل لهادي زعيّم في تراجع الاغنية الوترية لأنه أصغر بكثير من أنه قادر على التأثير في الاغنية التونسية لأن تراجع الاغنية ظاهرة بأكملها تشمل الدولة ولا يمكن لمنشط او اثنين التحكم فيه ويمكن لمنشط بقناة اخرى خاصة ان يقلب المعطيات ويمكن للقناة الوطنية ايضا ان تقلبها ايضا او حتى يوتيوب… انا مؤمن بعودة الاغنية الوترية لأنها عندما تراجعت برزت مكانها انماطا موسيقية اخرى وانتشر العنف والمخدرات أقول هذا نظرا لما تمثل الاغنية الوترية من توازن فني واجتماعي وعلى السياسيين ان ينتبهوا لهذا ايضا رغم انني على يقين من انهم غير معنيين بهذا نعوّل اكثر على مؤسسات الدولة لاعادة القيم الجمالية للموسيقى الوترية..
وأرجع من جهته الفنان عبد الوهاب الحناشي تراجع الاغنية الوترية الى ظهور ما يسمّى بالربيع العربي قائلا “تهميش الثقافة بما في ذلك الموسيقى كان بندا من بنود الربيع العربي… والموسيقى التي ترسّخ هوية المواطن في ارضه فتم ضرب انتمائه لوطنه”.
واضاف الحناشي “لم نعد نسمع اليوم اي صدى للاغنية الوترية الشرقية ولا العراقية ولا السورية ونحن جزء من برنامج التهميش خاصة تلك الاداة التي تزيدك تمسكا بهويتك ومنها الاغنية التي تعتبر اسرع رسالة لتوجيه الرأي العام..” قائلا “كان الاعلام اداتهم لتطبيق مشروعهم وخاصة القنوات الخاصة التي تصنع اشباه نجوم… الاعلام هو المسؤول الرئيسي “.
ونفى الحناشي ان يكون للحضرة والنوبة والمزود دخلا في تراجع الاغنية الوترية قائلا “الربيع العربي ضرب هويات البلدان العربي التي تترسخ في الفن واللباس والاكل …واذا اردت تفتيت شعبا عليك بالقدوة… فعندما يستضيف برنامج تلفزي فنانا له تاريخ فني مشرّف ويشلّكو على الملأ.. هل سيحظى هذا الفنان مجددا باحترام الجمهور؟ وحالة الفنان مقداد السهيلي اكبر دليل على ما اقول.. مشيرا الى المكانة التي يحظى بها فنانو الراب اعلاميا وايضا لدى وزارة الثقافة.. وتساءل الحناشي ما معنى ان يكرّم وزير الثقافة هؤلاء فيما لم أحظ أنا يوما بتكريم ولم تطأ قدماي مدينة الثقافة يوما؟.. كما الوم على زميلنا الناصر صمود على تقصيره فعند تكريمه دعا المطربة محرزية الطويل لأداء اغنية “محبوبي” شبيني متّ آنا؟… يلزمني ندق الباب ونهز القفّة ونلحّس باش يعيّطولي يا رسول الله؟؟”.
الفنان فقد هيبته
عبد الحميد الربيعي قال بدوره “كل ما يقال عن المنشط الهادي زعيّم حول ضلوعه في صناعة ما سمّي بأشباه الفنانين صحيح . وهو ايضا مسؤول عن خراب المشهد الفني باستضافته هؤلاء” متابعا “هذا ليس بغريب عن المشهد الاعلامي نظرا لأن المادة هي المسيطرة وزعيّم ليس بمعزل عن البقية فقد سبقه اعلاميون اخرون كانوا يتقاضون مقابل من الفنان لمحاورته ومن بينهم وجه اعلامي معروف يعمل حاليا في برنامج سياسي تلفزي “وكان بكعبتين … واحد يطلّعو للسماء وواحد يهبطو للوطى”.
وارجع الربيعي مسؤولية تراجع الاغنية الوترية الى عدم تجدّد المطربين قائلا “تعاملت معهم جميعا ومن يحالفه الحظ بأغنية ناجحة يبقى رهينها طول حياته اضافة الى انه يقتات مع زملائه المطربين عبر اغان تراثية متوهّما انه اتى بالجديد وأتساءل ماذا جدّدوا هؤلاء الفنانين الذين يقتاتون من التراث… قداش منو هالتراث؟ يجب على الفنان ان يجتهد علما انه ليس مفقّرا مثلما يقال لانه يشتغل بالاعراس ويجني الملايين من ورائها وبامكانه انتاج اغان خاصة به والمفقّر في الفنانين يجني يوميا بين 500 و600 دينار في الصيف فلماذا لا ينتج اغانيَ في الشتاء؟.. هؤلاء لا حضور لديهم ولا مظهر لائق يريدون جمع المال السريع والبحث عن انتاجات زهيدة ولكن الشاعر والملحن لا يقبلان التعامل معهم”.
وتابع الربيعي “لهذه الاسباب وغيرها ابتعدت عن المشهد الفني التونسي ويناسبني العمل مع مطربين عرب افضل لأن التوانسة ياكلوني في عرقي وما يذكروش اسمي على غرار الملحن محمد الماجري الدكتور في الموسيقى الذي اخذ مني اغاني للمشاركة بها في مهرجان السنة قبل الماضية واتفقنا على مبلغ محدد ولكن بعد امضاء العقد تسلم هو المبلغ ولم يمكني من مستحقاتي الى اليوم… مضيفا “الشحاذة والارتزاق هما سبب تراجع الاغنية التونسية لأن الفنان فقد هيبته اذ بتنا نراه بالمطاعم يتنقل من مقعد لاخر ومن طاولة الى اخرى حتى يمنّ عليه بكأس او بقارورة نبيذ ولا ننسى طبعا فضيحة بعض الفنانين الذي لبّوا دعوة الغنوشي مؤخرا ولن تعود هيبة الاغنية الّا بوجود فنانين جدّيين.. فأنا عندما قدمت الى العاصمة احضرت معي نجاة عطية وهي في سن الخامسة عشر وأسكنتها بمنزلي وصنعت منها مطربة ولكن اليوم “نجاة ضيعت روحها ومشات في طريق اخر ولو جات مازالت تغنّي تحل بيهم كتّاب ودار معلّمة” .. هي تسافر للغناء بمصر وتجني مالا لتخسره في تونس على انتاجات غير ناجحة.. اذكر انها اتصلت بي تطلب مني كتابة كلمات لها فسألتها عن عنوان آخر اغنية كتبتها لها. فقالت لي “اغنية كتبتلي على جبيني” فقلت لها مازحا “ما لا خلّي حتى يتفسّخ توا نكتبلك”.
وأشار الربيعي الى ان آخر تعامل له مع مطربين تونسيين كان مع الفنانة الراحلة ذكرى محمد وأن ذلك كان قبل وفاتها بأربعة اشهر قائلا “كتبت لذكرى اربع اغان سجلتها بالمغرب ولكنها لم تبث الى اليوم وها اني احتفظ بها دون ميكساج رغم ان احلام الخليجية حاولت جاهدة الحصول على اغنية من مجموع الاغاني ولكنني رفضت بشدة وقلت لها لو دفعت مليارات العالم كلها لن ابيعك واحدة منها لأنني انا والراحلة ذكرى اشتغلنا عليها بدمنا… اذكر انها أثناء البروفة كانت تبكي من شدة تأثرها بالكلمات وذكرى من بين المطربين الذين يطاوعون اللحن وينساقون وراءه”.
وتحدّث الربيعي عن المشهد الفني وعن الاصوات الصاعدة قائلا “لم تعد لدينا اصواتا جيّدة الا قلة قليلة… فأسماء بن احمد مثلا غالطة ياسر في رويحتها والمهبولة محرزية الطويل تغنّي مليح ولكنّها لا تريد صرف المال لانتاج اغان خاصة بها”. ولام الربيعي على بعض الفنانين تمسّكهم بفكرة ان فن الراب جنى على الاغنية الوترية قائلا “لهؤلاء اقول اعملوا واجتهدوا في صناعة اغان جيّدة تمسّ الناس وستنجحون لأن الراب نجح بكلمات بسيطة ان لم نقل بذيئة وجميعهم يشتمون رجل الامن ويغنون عن المخدرات والعنف وهي مواضيع يأخذها الشباب بعين الاعتبار”..
أما الفنان احمد الماجري فقد شاطر تقريبا كل المتدخلين آرائهم حول تسبب الاعلام في تراجع الاغنية الوترية وبروز انماط موسيقية جديدة ساهمت في اضمحلالها قائلا “سطع نجم الاغنية الخليجية اليوم لان الخليجيين استثمروا في قطاع الموسيقى فنجد امراء يكتبون الاغاني ويلحنون ويموّلون… في المقابل لا نجد في تونس من يستثمر في الموسيقى… كان الشأن الموسيقي سابقا يدار داخل الاذاعة الوطنية مع الفرقة القومية انذاك التي صنعت نجوما وبعد تلك الفترة ظهرت موجة جديدة مع نجوم اخرين على غرار عدنان الشواشي وشكري بوزيان واحمد الماجري وصابر وامينة وذكرى ومنيرة حمدي وغيرهم وبعد ذلك ظهر المزود والنوبة والحضرة وهذا ليس بفعل فاعل مثلما قيل وانما ذوق التونسي تراجع وانحدر… الجمهور يحب يشطح”…
وأضاف الماجري السبب الاهم في اعتقادي وراء تراجع الاغنية هو فقدان الفنانين الكاريزما مثل لاعبي كرة اليوم وأصبحوا يسترزقون ويشطّحو في الناس.. علما ان الهادي الجويني غنى هذا اللون كـ”خلخال بورطلين” ولكنها تونسية وما احلاها ” متابعا “فنانو اليوم يكتبون ويلحنون بمفردهم والحال ان الاغنية تتطلب مطربا وملحنا وشاعرا حتى تنجح … وذلك في اطار عدم تبديد المال بل ان اغلبهم يلجؤون الى اداء اغان من التراث بمنطق ما يسمى بتهذيب التراث الذي اعتبره عملية “تعذيب للتراث” مثلما غنى ذلك الفنان “يا حمامة طارت” فطار معها…
وتابع الماجري ” فن الراب وسيلة للتعبير عن أوضاع اجتماعية كالبطالة والفقر الى درجة انه مشى بينا نحو العنف في حين ان الموسيقى لم تكن يوما عنفا فأصبح النجاح اليوم يقاس بمن يظهر اكثر في المنابر الاعلامية ومن يظهر 3 او 4 مرات يصبح نجما رغم ان المرور سابقا بقناة تلفزية كان امرا صعبا” مضيفا “حك راسك اليوم اعمل غناية من قبيل “هي تطيح انا نطلّعها” و”توري نورّي”.. فأصبحنا نعيش ازمة ذوق وأخلاق ومستوى حسّي لأن هناك فنانين موهوبين باستطاعتهم الارتقاء بالذوق ولكنهم ممنوعون من المرور بالقنوات لأن الكلمة موجودة واللحن موجود والابداع ايضا ولكن لا تتم دعوة الفنان الحقيقي… انا مثلا لم تستضفني قناة “الحوار التونسي” منذ 5 سنوات اي عندما دخلت في اضراب جوع… خدمو بيّ ونساوني… كما لم تستضفني قناة “التاسعة” الا مرة واحدة وكانت في برنامج طبخ.. ما تحسّوش قهر هذا؟ هؤلاء قاموا بتجييش فنانين يغنون اللون التجاري وهم بدورهم يبحثون عن اغان ايقاعية راقصة يشتغلون بها في الكباريات والمطاعم واللاونج… فأصبح الفنان يغني باش يشطّح ويطيّح القدر وباش يعمل البوز مثلما حدث مع الفنانين الذين دعتهم النهضة الاسبوع المنقضي مشاو باش يعملو الـ Buzz..للأسف هناك اعلام يسعى لفسخ قيم فنية ثابتة ولكن ايضا هناك فنانين يتّبعون سياسة القطيع والذل”.
الوتري “ما يعملش البوز”
في حديثه نفى كريم شعيب ان يكون الهادي زعيّم او غيره من الاعلاميين مسؤولا عن تراجع الاغنية الوترية قائلا “لا دخل لزعيّم هو اعلامي “يخدم على روحو” مضيفا ان لكل نمط موسيقي جمهوره.
واضاف شعيب عندما نقدّم اغنية محترمة كلمة ولحنا للمنشطين كي يبثونها ببرامجهم يقال لنا “ما تعملش البوز” يريدوننا ان ننتج اغنية نشتم فيها الاباء والامن والسياسيين لصناعة البوز… هذه موضة وفقّاع”.
وتحدّث شعيب عن فترة الثمانينات والتسعينات التي شهدت اوج الاغنية التونسية وتألقها قائلا كان لدينا ملحنون وشعراء جادّون ناس تخدم على رواحها في حين اليوم يلجأ اغلب الفنانين الى التراث… وحتى لطفي بوشناق الذي يملك ستوديو خاصا … قعد قعد وعمل غناية مزود”…
من جهته اعتبر الفنان شكري بوزيان ان الاغاني البديلة انماطا موسيقية اقل قيمة من الاغنية الوترية قائلا ” هذا لا يعني غياب اغان جيّدة في تلك الانماط”.
وأرجع بوزيان اسباب غياب الاغنية الوترية في منتصف التسعينات الى المنشط التلفزي الذي قال إنه اصبح يأخذ مكان المبدع فيقرر لمن يبثّ الاغاني ومن يمنع من البث قائلا “يبقى لدينا ملحنون وشعراء محترمون يشتغلون على مدار السنة بدليل ان ستوديوهات التسجيل كلما اتصلنا بإحدها يخبرنا اصحابها ان لديهم قائمة فنانين بصدد تسجيل اغانيهم الجديدة.. انا شخصيا انتج سنويا ما لا يقل عن اغنيتين اسلّمهما الى الاذاعات فلا تبثّها الا مرة او مرتين ماخذة خاطر لانها لا تصنع البوز حسب رأيهم”.
وفي تعليقه على ما قيل حول غياب الكلمة الجيّدة في الاغنية الوترية اليوم تساءل بوزيان “وهل كلمات الاغاني التي يقدّمون جيّدة؟ أليست اغان هابطة وكلامها بذيء؟… يوميا نلتقي بالناس في الشوارع والمحلات … فيلوموننا ويقولون لنا “لمَ تركتم المشهد لفنانين لا يقدّمون الا الاغاني الهابطة”..
وتابع بوزيّان “من هو الهادي زعيّم لينظّر في الموسيقى؟ هو استاذ تربية بدنية ولا علاقة له بالفن.. وُجدنا على الساحة منذ 40 سنة ولحنّا وكتبنا واجتهدنا فأحبّنا الجمهور وحفظ اغانينا ولو لم يقحمه اصدقاؤه في المشهد لما كان موجودا ولو كنا نعيش في بلد يحترم فنه لما كان زعيّم موجودا بالساحة وليس من حقه لا هو ولا غيره ابداء رأيه في الفن”.
اما الفنان محمد الجبالي فقد أكد ان مردّ اضمحلال الاغنية الوترية التعتيم الاعلامي على الانتاجات وحرمانها من البث قائلا “تونس ولّادة ودائمة الانتاج والابداع.. لكن للأسف رغم تعدد القنوات والاذاعات فإن الاغنية التونسية لا تحظى بنفس المكانة التي تحظى بها الاغاني العربية والاجنبية”.
واضاف الجبالي “ارتفاع نسب مشاهدة اغاني فنانين على يوتيوب ليس مقياسا للنجاح ولا محدّدا لدعوة هؤلاء الى المنابر الاعلامية انا مثلا صنعت اسمي قبل ظهور يوتيوب رغم ان لها تأثير ولكن اليوم اصبح الاعلام يبحث عن الاشياء التي تصدم المتلقي لصنع البوز ولو حللنا الاعمال التي تحقق اعلى نسب مشاهدة للاحظنا ان لا علاقة لها بالفن كلمة وصوتا ولحنا وانما فقط نلاحظ جرأتهم واشخاصا يدعمونهم فحسب لذلك لابد ان نكف عن هذه التبريرات المغلوطة “.
واشار محمد الجبالي الى انتاجات بعض الفنانين التي وصفها بدون المستوى وبأنها قد تتسبّب في تراجع الاغنية التونسية محمّلا هؤلاء مسؤولية استسهال الاعمال” قائلا ” كان الفنان يعمل بجدّ ضمن فريق متكامل من ملحن وشاعر وموزّع ولكنه اليوم ينتج اغنية دون المستوى لان هناك من وعده ببثها وبدعوته لمنبر اعلامي… في المقابل هناك اصوات جادة ولكنها مغيّبة بفعل فاعل… انا مثلا وأبناء جيلي او الجيل الذي سبقنا مغيّبون اليوم رغم ان الجمهور يسألنا في الشارع عن سبب غيابنا وأصبح الاعلامي يستضيفنا بمنطق ماخذة الخاطر وهناك 8 فنانين فقط ينتقلون من منبر اعلامي الى اخر وفيهم من يشتهر في غضون شهر او شهرين فقط فيلاحظ المشاهد ذلك وذلك لأن المنشط لا يستضيف فنانين صنعوا اسماءهم بمفردهم وإنّما يستضيف فنانين صنعهم منهم من يستحق ان يكون فنانا ومنهم من هو دون المتوسط بهدف التحكّم فيهم وكلما احتاجهم يدعوهم فيصنع بهم البوز.. ولأننا نحن لا نصنع لهم البوز بشتم زملائنا”.
الهادي زعيّم : بعض الفاشلين يتّخذون من الاعلام شمّاعة يعلّقون عليها اخطاءهم
في ردّه على من يعتبره مسؤولا عن الترويج لفنانين دون سواهم وسببا في تراجع الاغنية الوترية قال المنشط بقناة “الحوار التونسي” وباذاعة “موزاييك” الهادي زعيّم “لا يوجد اي شخص قادر على تحديد الذوق العام.. متسائلا “أية سلطة للمنشط في تحديد الذوق العام واي نوع من انواع الترويج؟ “.
وأرجع زعيّم تراجع الاغنية التونسية الى غياب النسق الابداعي خاصة على مستوى الكلمة قائلا “لم نعد نسمع اليوم جملة شعرية متجدّدة او طريفة في الاغاني التونسية… فقط نسمع نفس الجمل “حبيبي الّي نحبّو وعيني في عينك ويدّي في يدّك…” لم نعد نسمع اغاني كتلك التي انتجت خلال السبعينات والستينات “هل نسمع اليوم مثلا كلمات كتلك التي غنّى علي الرياحي “قالتلي نحبك من قلبها موش من شفّتها” او تلك التي غنّى الهادي الجويني “خوذو عيني شوفو بيها”؟
وفي ردّه على سؤال حول تألق شعراء منتصف الثمانينات وبداية التسعينات أيضا ممّن صنعوا ما يسمّى بربيع الاغنية التونسية على غرار عبد الحميد الربيعي قال صاحب برنامج “90 دقيقة” الذي يبث على قناة “الحوار التونسي”: “آش عمل؟ حتى في لبنان لا يوجد شاعر غنائي عاش أكثر من 10 سنوات” متابعا “لدينا فقط اصوات ممتازة وملحنين وموزعين برزوا مؤخرا… ومن يقول إن الاعلام وراء تراجع الاغنية التونسية اقول له فقط: هل اختفى المزود عندما امر بورقيبة بمنع بثه بالاذاعة؟ وهل اختفى الراب زمن بن علي؟… بالكشي فناني الرابي يحبّو يجيو للاعلام؟ برّا كلّم فنان راب قلّو ايجا نعملك حوار.. لن يقبل طبعا لأنه تجاوز وسائل الاعلام التقليدية… فقد أصبح لفنان الراب اعلام شبابي جديد اقل ريسك على الـ”يوتيوب” والـ”انستغرام” والـ”فايسبوك”.. يخاطب من خلاله جمهوره مباشرة.. في حين نجد فنانين اخرين يدفعون المال من اجل حوار اعلامي.. وهؤلاء لا يزالوا يعيشون بمنطق “المَطْرَقَة” le matraquage وهذا لم يعد له اية فاعلية… لماذا نلوم الاعلامي الذي يبحث عن الاغاني التي تحقق اعلى نسب مشاهدة على يوتيوب ؟
ودعا زعيّم الى عدم تسليط اللوم على الاعلام السمعي والمرئي الخاص الذي يبحث عن الربح السريع المتأتي من الاشهار حتى يتمكن بدوره من تغطية مصاريفه متابعا “ماذا فعل الاعلام العمومي في المقابل؟ رغم انه من واجب العام والخاص بث الانتاجات الفنية التونسية لكن اذا اعتمدنا طريقة le matraquage لأغنية تونسية ويقول عنها الجمهور انها فاشلة وصورها الشعرية بالية ماذا بوسعنا ان نفعل؟ هاتوا لنا اغنية وترية جيّدة من 25 سنة.. لا توجد طبعا.. ثم لماذا نجح الراب؟ نجح بكلماته.. ولذلك بعض الفاشلين يتّخذون من الاعلام شمّاعة ليعلّقون عليها اخطاءهم… ولهؤلاء اقول: انسوا الاعلام وانتجوا اغاني جيّدة ونزّلوها على يوتيوب ستقلبون بها الدنيا..”.