الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تُعرف نسبة النمو بأنها النسبة التي تقيس تغير القيمة المضافة لمختلف المتعاملين في إطار منظومة اقتصادية مهيكلة بين فترة زمنية وأخرى. وتعتبر متابعة تطور هذه النسبة، سلبا و إيجابا، احد المقاييس الهامة لفهم وضعية الاقتصاد في سياق تقييم نموه أو ركوده. ويشرف على حساب النسبة في تونس، وفق منهجية لم يفصح عنها منذ أكثر من ثلاثة عقود، المعهد الوطني للإحصاء وهو مؤسسة حكومية ترجع بالنظر إلى وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، بمعنى انه خصم وحكم على مستوى التقييم الاقتصادي في آن واحد.
ورغم تأكيد جل الخبراء الاقتصاديين أن نسب النمو التي تقدم للعموم من قبل المعهد والتي كانت في حدود 1 بالمائة لسنة 2019 نظرا للحساب الجزافي لمساهمة القطاع الاقتصادي غير المهيكل في هذه النسب والتعتيم على منهجية وفرضيات الحسب فان جائحة كورونا عرت بالكامل وفضحت تناقض السلط الحكومية التي أفصحت عن نسبتين مختلفتين للنمو لنفس الفترة وهي الربع الأول من العام الحالي دون اعتبار تقييم المعهد التونسي للمقدرة التنافسية والاقتصاد الكمي الذي كانت له قراءة خاصة للمسألة برمتها.
وحسب مذكرة نشرها مؤخرا في هذا الخصوص المعهد الوطني للإحصاء فقد تراجع نمو الاقتصاد التونسي بنسبة 1.7 بالمائة في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بنفس الفترة من 2019، كما انخفض النمو بـ 2 بالمائة عن الربع الأخير من 2019 تحت وطأة تداعيات الأزمة الصحية لفيروس كورونا المستجد التي تسببت في تسريح عمال.
وسجل المعهد هبوطا في قطاعات الصناعات والخدمات والنقل وفي قطاع السياحة بتقلص عدد الليالي المقضاة في النزل في نفس الفترة بـ 23 بالمائة.
في جانب آخر، أكد رئيس الحكومة الياس الفخفاخ في كلمة توجها بها يوم 20 ماي إلى الشعب التونسي أن الحكومة اليوم منكبة على تعديل ميزانية 2020 وتقديم برنامج للإنعاش الاقتصادي في جوان 2020 يتضمن 7 أولويات. و أشار الفخفاخ إلى تراجع نسبة النمو بحوالي 7 نقاط مائوية وهو ما سيكون له انعكاس على التوازنات المالية، وفق تقييمه، وهو رقم بعيد كثيرا عن ذلك الذي أفصح عنه معهد الإحصاء والذي كان في حدود 1.7 بالمائة، لا غير.
ولتكتمل الصورة حول فوضى الإحصائيات فانه من غير المقبول معياريا أن ينخفض النمو بنسبة محدودة رغم تراجع التجارة الخارجية بقوة خلال شهر مارس الماضي بـ 29.5 بالمائة للصادرات و29.2 بالمائة للواردات، وهو تراجع قياسي علما أن منتوجات البلاد من الصناعات المعملية تمثل حوالي 90 بالمائة من جملة الصادرات وهو ما يؤثر بحدة على النسيج الصناعي الذي يشغل حوالي ستمائة ألف شخص ويعتبر الانحسار الهام للتصدير هو المقدمة الأساسية للانكماش الاقتصادي ولتفاقم البطالة أيضا.
وقيّم العهد التونسي للمقدرة التنافسية والاقتصاد الكمي في اطار تقرير انجزه في الفترة الأخيرة انه من المنتظر ان ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لتونس خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 46.4 بالمائة مبرزا ان القطاع الصناعي سيتحمّل هبوطا حادا، على هذا الصعيد، نسبته 52.7 بالمائة يليه قطاع الخدمات بنحو 49 بالمائة والفلاحة المنتظر تراجعها بنسبة 16.2 بالمائة وفسّر المعهد هذه الأرقام المفزعة التي تتجاوز اضعافا مضاعفة تقديرات المعهد الوطني للإحصاء ورئيس الحكومة بتداعيات الأزمة الصحية.
كما تمت الإشارة الى انه من المرتقب تسجيل انخفاض كبير في مداخيل الأسر رغم المساعدات الضحلة التي قدمت لأكثر من 900 ألف عائلة تونسية معوزة قيمتها 200 دينار أي ما يعادل 63 أورو فحسب. وركز المعهد على أهمية تركيز سياسات نشطة لدعم قطاع المال والاعمال سواء على المدى القصير او المتوسط للتخفيف من وطأة البطالة وضعف المداخيل خصوصا في قطاع الصناعة والتجزئة.