الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: الوعود بإنجاز مشاريع لحماية المدن وخصوصا العاصمة التي يقطنها 27% من سكان تونس لا تنتهي وهي تتجدد مع كل كارثة فيضانات وخسائر في الأرواح والممتلكات. وآخر هذه الوعود صدر نهاية الأسبوع الفارط عن المدير العام للجسور والطرقات صلاح الزواري الذي صرح بان لوزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية خطة لحماية تونس الكبرى، وبعض المدن الكبرى داخل ولايات الجمهورية مؤكدا انها شرعت في تنفيذها.
وأكد الزواري أن قيمة اعتمادات هذه المشاريع تفوق 100 مليون دينار مشيرا إلى أنها لم تكتمل ولم تدخل في الجانب الوظيفي والى انه لذلك تتم ملاحظة أحياء تغمرها مياه الامطار والى انه سيتم تلافي ذلك عندما تكتمل هذه المشاريع، وفق قوله.
ولإضفاء طابع كمي على تصريحاته التي لا تلزم في الواقع إلا وزارة التجهيز التي يمثلها نظرا لعدم تقديمه اية تفاصيل في هذا الخصوص أفاد مدير عام الجسور والطرقات بأن نسبة تقدم الإنجاز متفاوتة حسب الأشغال قال انها تصل إلى 70% وانه سيتم تدارك هذه الإشكاليات أو الأضرار بصفة ملحوظة.
وبالنسبة للطرقات التي لا تزال منقطعة إلى حد الآن، ذكر صلاح الزواري أن الطريق الوحيدة التي لا تزال منقطعة هي المحلية 430 بالكبارية نتيجة هبوط على مستوى السطح المعبد للطريق مبرزا في سياق مصطلحي معمول به على مستوى التصريحات الرسمية أن وزير التجهيز أعطى التعليمات للانطلاق في الأيام القادمة في عملية الإصلاح الجذري لهذا الطريق، مقرا في الوقت ذاته بأن كل التجهيزات والقنوات الموجودة حاليا في الطرقات غير قادرة على استيعاب هذه الكميات من الأمطار.
وكانت شوارع العديد من المدن والقرى قد غرقت في المياه والاوساخ يوم الخميس الفارط، وتعطلت حركة المرور بعد هطول الأمطار بغزارة لمدة لم تتجاوز 30 دقيقة وظل المواطنون عالقين في سياراتهم لمدة طويلة كما داهمت المياه عدداً كبيرا من الأحياء والمنازل والمحلات في أنحاء عدة من البلاد بسبب صعوبات تصريف مياه الأمطار.
وتحوّلت أمطار الخريف سيما طيلة السنوات الاخيرة إلى محنة مزعجة للتونسيين، بسبب الأضرار التي تخلفها في الأرواح و الممتلكات في ظل انتقادات لا تنتهي لتكرر مشهد الطرقات التي تغمرها المياه دون إيجاد الحلول المناسبة لحماية المدن من الفيضانات وتطهير شبكات الصرف الصحي قبل موسم الأمطار وسط صمت تام من السلط وعجزها عن رفع مئات الأطنان من الأتربة والفضلات المتراكمة داخل قنوات التطهير مما يتسبب سنوياً في الفيضانات الخريفية.
في جانب آخر يؤكد العديد من المتخصصين في شؤون العمران أن الكوارث الطبيعية كالفيضانات ترتبط ارتباطا وثيقا بسياسات التعمير وبقدرة الدولة على التحكّم في المجال من خلال أدوات التهيئة العمرانية والترابية. وفي انتظار عرض مشروع مجلّة التعمير الجديدة على مجلس نوّاب الشعب والمصادقة عليه لم تنجح جميع النصوص القانونية والأطر المنظّمة للغرض في التأسيس لسياسة عمرانية شاملة، واقتصرت في مجملها على إدماج المجال الحضري والتجمعات السكانية الكبرى ضمن أمثلة توجيهية وترابية.
وتتمثّل هذه السياسات في التخطيط المسبق واستشراف عمليات التهيئة عبر أدوات تحمي السكان ضمن تواجدهم في مجالهم الترابي وخصوصيات هذا المجال غير أنّ التجارب المتعاقبة أثبتت أنّ الأدوات المتوفّرة لا تُغطّي كافّة المجال وتفتقد للبعد الاستراتيجي في عمليّة التخطيط ليتحوّل هاجسها ومهمّتها الرئيسيّة الإدماج بشكل لاحق وغير مسبق لعمليّة الإسكان. سياسات فشلت منذ عقود في خلق تصوّر تنموي مُستديم -أو بالأحرى على المدى البعيد والمتوسّط- ليقتصر دورها على تنظيم تراكمات التعمير العشوائي داخل المدن والتجمّعات السكانية الكبرى.
يذكر أنه وعلاوة على السطحية الاتصالية التي تميز بها الخطاب الرسمي فإن الفيضانات الأخيرة كشفت عن عدم قدرة أجهزة الدولة على الإدارة الحينية للأزمة والتخفيف من خطورتها على المواطنين والممتلكات وهو ما يعكس غياب رؤية استراتيجية لطبيعة التغيرات المناخية التي تعيشها تونس والعالم بشكل عام ومازال العقل السياسي الرسمي يتعاطى مع الكوارث الطبيعية بمنطق انتظاري وليس بعقلية استعدادية تُعيد توجيه الموارد الطبيعية والمناويل العمرانية في مسار جديد يأخذ بعين الاعتبار مجمل التغيرات المناخية.