الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أصدرت وزارة المالية تقريرا حول الامتيازات الجبائية والمالية بيّن ان حجم الامتيازات الجبائية والمالية الممنوحة خلال سنة 2020 كان في حدود 4927 مليون دينار أي حوالي 4,21 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الخام و10,4 بالمائة من حجم ميزانية الدولة. ولا يتلاءم هذا المبلغ المهم للامتيازات مع انهيار الاستثمارات وتراجعها المتواصل بنسب فاقت مؤخرا 40 بالمائة بحساب الانزلاق السنوي العام الفارط.
وناهزت قيمة الامتيازات الجبائية 4225 مليون دينار مما يمثل حوالي 3,6 بالمائة من الناتج المحلي الخام و8,95 بالمائة من ميزانية الدولة و18,06 بالمائة من مجموع الموارد الجبائية فيما ناهزت قيمة الامتيازات المالية 702 مليون دينار مما يمثل أقل من 0.6 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الخام و1,5 بالمائة من حجم ميزانية الدولة.
وأفادت وزارة المالية في هذا الإطار بأنه انسجاما مع الممارسات الدولية الجيدة في مجال إعداد الميزانية وعملا بالمبادئ الأساسية للمالية العمومية وخاصة الحديثة منها كمبدئي الشفافية والمصداقية نصت احكام القانون الأساسي للميزانية على ضرورة إرفاق مشروع قانون المالية السنوي بجملة من التقارير من بينها تقرير خاص بالنفقات الجبائية والامتيازات المالية.
وعرفت حسب البيانات المفصح عنها النفقات الجبائية الي تم احصاؤها ارتفاعا من 347 نفقة سنة 2019 إلى 349 سنة 2020، منها 243 نفقة كانت موضوع تقييم خلال سنتي 2019 و2020 وهي تمثل 70 بالمائة من مجموع النفقات الي تم احصاؤها.
ولم يشهد حسب التقرير الرسمي توزيع حجم النفقات الجبائية بن مختلف القطاعات تغيرا من حيث الترتيب، إذ يحافظ المجال الاجتماعي على تفوقه على بقية المجالات بنسب تتراوح بن 27 و30 بالمائة يمكن تفسيره أساسا بسبب الامتيازات الجبائية الممنوحة لفائدة التونسيين بالخارج. ثم يأتي قطاع الصناعة في المرتبة الثانية الذي تطورت حصته من 20 بالمائة سنة 2019 الى 24 بالمائة سنة 2020، يليه مجال نشاط وكلاء السيارات بنسبة 15 بالمائة بسبب التخفيض في نسب المعلوم على الاستهلاك عند توريد السيارات السياحية من قبل وكلاء بيع السيارات، لنجد قطاع الفلاحة والصيد البحري في المرتبة الرابعة بنسبة 12 بالمائة يليه قطاع الصحة بنحو 8 بالمائة.
ويبرز تقرير وزارة المالية ان المستثمرين والمؤسّسات ينتفعون بالحصّة الأكبر من الامتيازات الجبائية. فحسب معطياته، بلغت حصّة هؤلاء سنة 2018 نحو 58 بالمائة من مجموع النفقات الجبائية، بمبلغ قيمته 2819 مليون دينار. ويشير التقرير ذاته إلى أنّ القطاع الصناعي ونشاط وكلاء بيع السيّارات استأثرا بنحو 37.81 بالمائة من النفقات الجبائية لسنة 2018، بمبلغ قيمته 1846.38 مليون دينار.
ورغم أنّ التقرير لم يستعرِضْ الأنشطة التفصيلية للقطاعات لم تتغيّر خارطة الامتيازات الجبائية كثيراً منذ بداية التسعينات. فقد ظلّت الشركات المصدِّرة تستأثر بالحصّة الأكبر، وخاصّة الشركات الأجنبية. وفي هذا السياق، قدّرت بعض التقارير حجم استفادة قطاع التصدير بنسبة 83 بالمائة (السنوات الفاصلة بين 2008 و2011) وهي نسب مرتفعة مقارنة بالامتيازات الممنوحة لمجالَيْ التنمية الجهوية (7.2بالمائة) والفلاحة (3.1 بالمائة). ويُلاحَظ أنّ قطاع الفلاحة والصيد البحري حصل في 2018 على 11.47 بالمائة تقريباً من مجموع النفقات الجبائية بسبب الامتيازات الجبائية الممنوحة لشركات الاستثمار الفلاحي.
على هذا الأساس يتأكد انّ الاستمرار في توجيه الامتيازات الجبائية نحو التصدير والاستثمار الأجنبي دون السماح بمراجعات اقتصادية وسياسية لتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع، يعكس ديمومة الخيارات والرواسب القديمة التي نَسجَت أوهاماً كبيرة حول “التصدير” و”الاستثمار الأجنبي” التي تضمن مصالح اللوبيّات الاقتصادية المحلّية وشركائها الأجانب.
وتسعى الدعاية الرسمية للمحافظة على الأساس التشريعي للحوافز الجبائية من خلال قانون الاستثمار لسنة 2016 والقانون المتعلّق بمراجعة منظومة الامتيازات الجبائية لسنة 2017 لكنّها تعمل على حجب حصيلة سلبية غير مُعترَف بها رسمياً، خاصّة على المستوى التنموي وانعدام نقل التكنولوجيا والخبرات وتقلّص احتياطي العملة الصعبة بسبب نقل الأرباح إلى الخارج. ففي العادة تستفيد الشركات الأجنبية من المزايا التنافسية، على غرار الإعفاءات الجبائية ومِنَح التشجيع على الاستثمار واليد العاملة الرخيصة، دون أن تترك آثاراً إيجابية على الاقتصاد المحلّي. ويبرز مرة أخرى من خلال تحليل معطيات تقرير وزارة المالية ان منظومة الامتيازات الجبائية تراوح مكانها بين عقم المضمون وسوء التصرف في المال العمومي.