الشارع المغاربي: رغم أهمية ملف الجباية كمورد مالي رئيسي للدولة ترفض جل حكومات ما بعد 2011 واخرها الحكومة الحالية الخوض في موضوع اصلاح هذا المحور من المالية العمومية مع الهيئات المالية الدولية لاسباب “غير معلومة” لتقتصر اقتراحاتها او بالأحرى وعودها الاصلاحية على التحكم في نفقات الدولة والحد من التداين رغم ان هذا الامر يبقى مستحيلا بشكل بديهي في ظل وجود موارد ضريبية محدودة وموزعة بشكل غير عادل.
وفي هذا الإطار ابرزت مؤخرا وزارة المالية في وثيقة أصدرتها تحت عنولن “إطار الميزانية متوسط المدى” انها تسعى لوضع برنامج اصلاح جبائي لتحسين قدرة الدولة على تعبئة مواردها عبر تحسين مردود الاستخلاص وتعزيز رقمنة الادارة.
كما تم تحديد مجموعة من الاجراءات للتوجه من خلال نظام ضريبي أكثر كفاءة وإنصافا لتوسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي ودمج القطاع الموازي بما يحسن مناخ الاستثمار في تونس ويدعم نموا اقتصاديا شاملا ودائما. وسيتم الشروع حسب الوزارة في برنامج الاصلاح على المدى القصير بتعصير هياكل الاستخلاص وإزالة الطابع المادي عن الخدمات لدافعي الضرائب من خلال إنشاء الحساب الجبائي الموحد الذي يسمح للمطالبين بالاداء بالاستفادة من العديد من الخدمات عبر الانترنت وإلغاء الطابع المادي لانشاء الشركات.
ولكن الوزارة غضت الطرف عن اعلان السفارة الأمريكية في مارس الفارط ان الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وهي هيئة تابعة للحكومة الفيدرالية اتمت صياغة برنامج للإصلاح الجبائي في تونس تحت تسمية “من أجل تونس أقوى “(FIRST) وذلك في اطار مساعدة وزارة المالية على ترشيد السياسة الضريبية وتحديث إدارة الجباية والقيام بإصلاحات مالية أخرى لتأمين أساس مالي سليم لاستقرار اقتصادي ونمو طويل الأمد. كما يهدف المشروع وفق تأكيد الوكالة إلى مساعدة الحكومة التونسية على تحسين تحصيل العائدات وخفض تكاليف امتثال دافعي الضرائب وتحسين عملية وضع الميزانية والمصاريف وتجويد المساءلة العمومية.
في جانب اخر تم التطرق للخطوط العريضة لأهداف البرنامج باعتبار تركزها حول تحسين كلفة امتثال دافعي الضرائب وتحسين كفاءة إدارة الجباية وشفافيتها وتعزيز القدرة على صياغة السياسة الضريبية وإدارتها الى جانب تعزيز القدرة على معالجة أولويات أخرى للإصلاح الجبائي عندما تطرأ وتحسين التواصل بشأن الإصلاحات ذات الأولوية والتشاور حولها وإشراك العامة فيها.
اما في ما يتعلق بالأنشطة الرئيسية على مستوى البرنامج فقد جرى التركيز على تقييم إدارة الضرائب في تونس من خلال أداة التقييم التشخيصي لإدارة الضرائب (TADAT) وهي أداة عالمية تستخدم لتقييم نقاط القوة والضعف في مهام نظام الإدارة الضريبية وعملياته وهياكله بشكل موضوعي والتعاون مع إدارة الضرائب في تطوير وتنفيذ استراتيجية شاملة لامتثال دافعي الضرائب بهدف تحسين المسؤولية الجبائية المدنية. وذلك الى جانب الترويج لاستخدام أوسع لنظام إيداع التصاريح الإلكتروني الحالي وبالتالي خفض تكاليف امتثال دافعي الضرائب وتخفيف أعباءهم.
ويشمل هذا النشاط تطوير تطبيقة e-Filing للهاتف المحمول والترويج لها وتدريب معدّي الضرائب والمحاسبين على الإيداع الإلكتروني والقيام بحملات اتصالية وإعلامية تعرف بهذا النظام، وتسهيل النفاذ وبيانات اثبات الهوية عند ولوج مستخدمي النظام فضلا على إنجاز منصة موحدة للتبادل تسمح بالنفاذ الفوري إلى البيانات لتحسين امتثال دافعي الضرائب وتعزيز الكفاءة في إدارة الضرائب.
في المقابل تؤكد بشكل متواصل مصالح الادارة العامة للدراسات والتشريع الجبائي بوزارة المالية على ان استكمال إصلاح المنظومة الجبائية في تونس الذي جرت صياغة ابعاده الكبرى في نوفمبر من سنة 2014 بعد استشارة وطنية كبرى، يوشك على الانتهاء. وأوضحت أنه تم اختيار اعتماد التدرج، في هذا الصدد، غير ان الامر اقتصر الى اليوم على اصدار مئات النصوص والفصول ذات العلاقة بالجباية في شكل متناثر في قوانين المالية و بقي مشروع الاصلاح الجبائي في صيغته العميقة و الهيكلية، يراوح مكانه.
واكدت السلط، زمن اعلانها عن الشروع في اصلاح الجباية بالبلاد منذ اعوام أن المشروع سيمرر مرحليا لاستيعابه وعدم إثقال كاهل المؤسسات سيما ان لكل إصلاح جبائي انعكاسا ماليا سلبيا على الدولة باعتبار أنه يحمل معه التخفيف من الاداءات، إلا أن الجهود تنبني على تحقيق الإنصاف الجبائي بين المطالبين بالأداء من جهة وتوسيع القاعدة الجبائية من جهة أخرى. ولكن شيئا من ذلك ايضا لم يتحقق او يكاد على الاقل مقارنة بفترة الافصاح على نوايا السلط المعنية.
يذكر ان النظام الجبائي التونسي كان وفي العديد من المراحل التاريخية السبب الأوّل والرئيسي لاندلاع التحركات الاجتماعية في البلاد. وفيما تمّ تكريس مبدأ الإنصاف الجبائي لأوّل مرّة في عهد الأمان في سنة 1857 لم يتم تضمينه في الدستور الأوّل للبلاد التونسية الا في سنة 1861. وفي الاتجاه نفسه ذهب دستور 1 جوان 1959 في الفصل السادس عشر منه ثمّ دستور 27 جانفي 2014 الذي جاء ليعيد التذكير بهذا المبدأ في الفصل العاشر منه.
ورغم أنّ مفهوم الإنصاف الضريبي حظي بتكريس دستوري منذ قيام الدولة التونسية مازال يشوب التشريع الجبائي التونسي عدم توازن جبائي جلي وتشعب نظرا لوجود ثلاثة انظمة وخمس مجلات و11 عشر منظومة توظيف الى جانب مشكل ضعف ضمان حقوق المطالب بدفع الضريبة عند التنازع مع الادارة و وجود اربعة الاف نص جبائي منها الفي مذكرة مشتركة.