الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: غريب ما يحصل في بعض المؤسسات العمومية خاصة منذ 2011 بسبب ما صارت تعاني منه من سوء التصرف وإهدار للمال العام وفساد وانتدابات مشبوهة. بل إنّ بعض المراقبين يرون في مآل هذه المؤسسات تجسيما لما صارت تعاني منه البلاد من أمراض على غرار استشراء الفساد والمحسوبية والرشوة واستغلال النفوذ حتى أنّ هذه الأمراض صارت لا تثير الانتباه نظرا إلى مناخ من التطبيع معها والتعوّد عليها من عامة الناس.
ورغم الدور الهام المنوط بالهيئات الرقابية فإنّ ما تنجزه من تقارير ورغم خطورة الإخلالات لا يلقى المتابعة الكافية. وفي هذا الإطار، خصص التقرير السنوي السابع والعشرون للهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية الصادر مؤخرا محاور عديدة لتقديم أعمال الرقابة في عدد من المنشآت والهياكل العمومية تضمنت قسما تطرق للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2016.
توازنات مالية منخرمة وتراجع معدّل مدّة تغطية الخدمات الشهرية بالسيولة إلى 3 أيام
وردت في التقرير جملة من الإخلالات أبرزها تدهور مؤشرات الصلابة المالية للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية خلال الفترة 2011 – 2016 وتردي احتياطاته الفنية كلياً بداية من سنة 2012 إلى عجز بقيمة 846,849 مليون دينار في موفى سنة 2016 فضلا عن انحدار مؤشر الاستقلالية المالية للصندوق الذي أصبح سلبيا بداية من سنة 2012 بعد أن كان في حدود 26,51% في سنة 2011.
كما ارتفعت المساهمات غير المستخلصة في موفي سنة 2016 إلى حدود 668 مليون دينار ولم يتمكن الصندوق منذ سنة 2011 من توفير السيولة الكافية لتمويل خدماته التي ارتفع معدلها الشهري من 165,882 مليون دينار سنة 2011 إلى 308,945 ملايين دينار سنة 2016 وتراجع معدّل مدّة تغطية الخدمات الشهرية بالسيولة من 14,1 يوما إلى 3 أيام.
إضافة إلى ذلك، تكبد الصندوق دون وجه حق أعباء بقيمة 26,248 مليون دينار بعنوان الفترة 1994 – 2012 تعلقت بمنح رأس المال عند الوفاة تم تحديدها بالاعتماد على كافة عناصر المرتب في حين أن المنتفعين بها خضعوا للحجز بعنوان الأجر الأساسي وذلك خلافا للإجراءات المتبعة بخصوص النظام الإنتقالي لنظام رأس المال عند الوفاة.
ارتفاع نسبة القروض المسندة لأعوان الصندوق بنسبة 922 %
في ما يتعلق بالتصرف في الموارد البشرية، لاحظ التقرير مواصلة الصندوق تمويل الرصيد الاجتماعي لتأمين تغطية عدد من التدخلات لفائدة أعوانه وارتفاع الميزانية السنوية من 3 ملايين دينار سنة 2012 إلى حوالي 10 ملايين دينار سنة 2016 في مخالفة لمقتضيات منشور الوزيـر الأول عدد 23 بتاريخ 14 مارس 1980 الذي ينص على تمويل الرصيد الاجتماعي من الأرباح السنوية في حين سجّل حجم القروض المسندة لفائدة الأعوان ارتفاعا غير مسبوق خلال الفترة 2011 – 2016 وذلك بنسبة 922%.
26,876 مليون دينار منافع اجتماعية لفائدة الأعوان تمت إضافتها لعجز الصندوق
والغريب في الأمر أنّه نتج عن جملة العمليات المالية الناتجة عن تدخلات الرصيد الإجتماعي عجز مالي صاف قدره 26,876 مليون دينار موفى سنة 2016 تمت تغطيته دون موجب من خلال إيرادات مساهمات أنظمة التقاعد ليضاف بذلك إلى العجز الفني للصندوق.
رصيد عقاري منهوب
جاء في تقرير الهيئة عدم توفق الصندوق في توفير الحماية القانونية والمادية لرصيده العقاري بسبب اهمال عمليات الجرد والتسوية العقارية فضلا عن ضعف أعمال صيانة العقارات المعدة للكراء.
كما تم وضع بعض العقارات التي على ذمة الصندوق الوطني للتأمين على المرض دون مقابل فضلا عن عقارات أخرى يتصرف فيها الغير دون وجه حق على غرار بعض الإدارات والمنظمات الوطنية وكراء عقارات لفائدة منتفعين تمتعوا بقروض سكنية خلافا للإجراءات المعمول بها في الغرض.
إضافة إلى ذلك لم تتم مراجعة معينات كراء بعض العقارات فضلا عن انتفاع أشخاص بكراء شقق سكنية لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة حيث تواصل تسويغ الشقق السكنية رغم عدم توفّر الصفة القانونية لفائدة أولي حق ما عدده 148 متسوّغا متوفيا وكذلك لفائدة 1249 متسوّغا من بين المتقاعدين. وبلغت في موفى سنة 2016 المستحقات بعنوان الأكرية غير المستخلصة ما قدره 1,759 مليون دينار.
كتلة أجور مذهلة وانتدابات للأبناء والأقارب
لاحظ التقرير ارتفاع كتلة الأجور لدى الصندوق بأكثر من 53% أو من 31,437 مليون دينار إلى 48,199 مليون دينار نتيجة بالأساس للمفعول المالي لعدد من الاتفاقيات النقابية.
كما انتدب الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية 50 عونا بصفة مباشرة عن طريق التعاقد خلال سنتي 2011 و2015 خلافا للصيغ القانونية وتبين أن جميعهم من أبناء الأعوان وأقاربهم.
وتم ترسيم 25 عونا في سنة 2013 وإعادة تجديد عقود 25 عونا متعاقد معهم للمرّة الثانية خلافا لأحكام القانون. كما تولى كذلك الصندوق تنفيذا لاتفاق نقابي، إعادة انتداب وترسيم 12 عونا سبق أن انقطعت علاقتهم الشغليّة به بسبب العزل لأسباب تأديبية أو إنهاء التعاقد بكلفة تأجير جملية ناهزت 890 ألف دينار خلال الفترة 2012 – 2016 إضافة إلى تكفّله دون وجه حق إثر إعادة ترتيبهم وتسوية وضعيتهم بمبلغ لا يقل عن 33 ألف دينار.
كما تولى الصندوق، عملا باتفاق نقابي ودون موافقة رئاسة الحكومة، صرف مبالغ دون وجه حق بما يفوق1,421 مليون دينار خلال الفترة المتراوحة بين مارس 2016 وأوت 2017 وذلك بعنوان تعميم منحـة العـدوى على أعوان الصندوق. وعلى صعيد آخر ورغم وضعيّته المالية الصعبة، تولّى الصندوق توسيع تدخلات الرصيد الاجتماعي إثر إمضاء جملة من الاتفاقيات النقابية لتشمل منافع أخرى لأعوانه بكلفة جملية فاقت 5,115 مليون دينار.
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 فيفري 2023