الشارع المغاربي: اكد يوسف بوزاخر رئيس المجلس الاعلى للقضاء المحل اليوم السبت 20 ماي 2023 ان التاريخ المعاصر للقضاء التونسي هو تاريخ سعي محموم للسيطرة على القضاء من طرف الانظمة السياسية المتعاقبة مشيرا الى انه نتج عن نقل صلاحيات الاعفاء الى رئيس الجمهورية حالة من الرعب والخوف في صفوف القضاة خاصة بعد اعفائه 57 قاضيا في امر واحد مبرزا ان رغبة التحكم في المسارات المهنية للقضاة برزت من جديد بعد انتخابات سنة 2019 وانها اتخذت منحى تصاعديا …
وقال بوزاخر في مداخلة “حول التاثير السياسي للمسارات المهنية للقضاة” خلال ندوة صحفية دولية لهيئة الدفاع عن القضاة المعزولين “:
“موضوع التاثير السياسي للمسارات المهنية للقضاة موضوع شائك وامتد في الزمن بالنسبة للقضاء التونسي …سانطلق من دستور سنة 1959 لاصل الى ما نحن فيه اليوم… فالتاريخ المعاصر للقضاء التونسي هو تاريخ سعي محموم للسيطرة على القضاء من الانظمة السياسية المتعاقبة وكان سعيا تختلف درجاته من سعي محتشم الى سعي مفضوح ولكن في معظم الفترات كان يحقق نتائج واهداف السلطة السياسية ..ففي زمن الاستقلال وبناء الدولة قيل ان استقلال القضاء الان ليس اولوية وان المرحلة تقتضي تركيز سلطات للمساعدة على بناء الدولة وتوطين نفوذ السلطة السياسية ولذلك بقيت المسارات المهنية للقضاة وتأديبهم رهن السلطة التنفيذية رغم التنصيص على المجلس الاعلى للقضاء وعلى مجلس الدولة في دستور 1959 ولكن تركيز المجلس تأخر 8 سنوات بالنسبة للقضاء العدلي ونحو 12 عاما بالنسبة للقضاء الاداري والقضاء المالي وطبعا لم تتنازل السلطة التنفيذية عن موقعها على راس هذه المجالس فرئيس الجمهورية يترأس مجلس القضاء العدلي ووزير العدل ينوبه في ذلك وأسندت للسلطة التنفيذية انذاك سلطة ايقاف القاضي عن العمل واحالته على مجلس التأديب ولكم ان تتخيلوا سلطاته في ما يتعلق بالتسمية وبالانتداب والترقية وما الى ذلك وكذلك بالنسبة للمجلس الاعلى للمحكمة الادارية ومحكمة المحاسبات ايضا يترأسهما الوزير الاول وينوبه رئيس المحكمة الادارية او محكمة المحاسبات …”
واضاف “هذا الوضع خلق قضاء لم يتمكن من تحقيق استقلالية طبق المعايير الدولية وظهرت عمليات عزل استعراضي وتنكيل بالقضاة الذين مارسوا استقلالية وظيفية في قراراتهم ولا يهم ان كانوا من شباب القضاة مثلما حصل مع جمعية القضاة او ان كانوا في اعلى المراتب مثلما حصل مع رئيس محكمة التعقيب ورئيس المحكمة الادارية انذاك… هذه المنظومة كانت تحقق الغاية للسلطة التنفيذية ولم يكن من مصلحتها تغييرها بعد سنة 87 بل انها شددت فيها بالغاء امكانية الطعن في المسارات المهنية للقضاة امام المحكمة الادارية عبر تنقيح سنة 2005 الشهير وشهير لانه لاول مرة في البرلمان السابق للثورة عارض 16 نائبا انذاك القانون المتعلق بتنقيح القانون الاساسي للمجلس الاعلى للقضاء وتلك الظروف تزامنت مع حملة غير مسبوقة استهدفت المسارات المهنية للقضاة عبر نُقل تعسفية لقضاة دافعوا عن حق الاجتماع والتعبير ودافعوا عن شرعية جمعية القضاة”.
وتطرق بوزاخر الى وضعية القضاء بعد سنة 2011 بالقول:” بعد ثورة 2011 ويا لغرابة الامر سعت السلطة السياسية التي تحول ثقلها من قرطاج الى باردو للحفاظ على نفس المنظومة رغم التزام المجلس الوطني التاسيسي بوضع منظومة جديدة تحكمها الاستقلالية.. وسقط في اول امتحان بالنسبة للقانون المتعلق بالهيئة الوقتية وأسقط قانونا برمته لخلاف بين اعضائه حول كلمة الاستقلالية ..وفي الحقيقة المسارات المهنية للقضاة بقيت حتى بعد الثورة رهينة مجلس اعلى للقضاء ورثناه عن حقبة الاستقلال والمسارات التاديبية ايضا توقفت قبل ان يتم تفعيل الية الاعفاء من جديد بعد تفعيلها ابان الثورة باعفاء نحو 80 قاضيا من طرف رئيس الحكومة باقتراح من وزير العدل “.
وتابع “خلال هذه الفترة كانت الساحة السياسية مفتوحة وكانت النقاشات علنية حول التاسيس لجمهورية جديدة وساهم الحراك المدني في تكريس الممارسات الفضلى في علاقة باستقلال القضاء وتحييد المسارات المهنية والتاديبة للقضاة عن التوظيف السياسي فتعددت مطالبات المجتمع المدني في علاقة باستقلالية القضاء وفرض هذا المفهوم نفسه على المجلس الوطني التاسيسي. وجاء في تقرير لجنة القضاء العدلي والمالي والاداري والدستوري ما يلي ” ان من اهم الضمانات الدستورية التي تكرس القضاء سلطة هي ان الاشراف على شأن القضاء والمسار المهني للقضاة يسند الى هيكل مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية” وهو ما تم تكريسه في نصوص دستور 2014 ضمن رؤية شاملة كفيلة بالتاسيس لسلطة قضائية مستقلة فعليا سرعان ما تم الارتداد عنها من طرف السلطة السياسية في علاقة بالجزء الاول …تم الارتداد على الجزء الاول في علاقة باستقلالية القضاء ورفضت السلطة السياسية حصر اختصاصات المجلس الاعلى على المسارات المهنية والابقاء على سطوة السلطة التنفيذية في الاشراف على القضاء …. مثلا الابقاء على اختصاص وزارة العدل في انتداب القضاة وفي تفقد اعمالهم وفي التحكم في التسيير الاداري والمالي للمحاكم ..”
واكد ان الرغبة السياسية في التحكم في المسارات المهنية للقضاة برزت من جديد بعد انتخابات 2019 وانها اخذت منحى تصاعديا مذكرا بالازمة التي رافقت الحركة القضائية لسنة 2019 متابعا : ” لان المجلس حاول تفعيل صلاحية منصوص عليها في قانونه الاساسي وتتعلق بالسلطة الترتيبية في مجال المسارات المهنية للقضاة … اصدر المجلس 3 قرارات ترتيبية ولكن السلطة التنفيذية رفضت نشرها في الرائد الرسمي وكان رئيس الجمهورية رافضا ايضا ممارسة المجلس هذه السلطة بدعوى تفتيت او تفكيك الدولة وكأن المجلس ليس جزءا من الدولة ..تواصلت السلطة الى غايتها تحت ضغط وجوب اصدار الحركة القضائية الذي اضحى مطلبا ملحا للقضاة وذلك باستبعاد السلطة الترتيبية للمجلس الاعلى في هذا المجال والاستيلاء عليها فعليا بفضل تحكمها في الرائد الرسمي “.
وذكر بصلاحيات رئيس الجمهورية قائلا: اولا المبادرة بطلب مراجعة التعيينات وله حق الاعتراض على تسمية القضاة في الحركة القضائية وتعيينهم وترقيتهم ونقلتهم بناء على تقارير من وزير العدل او رئيس الحكومة بحسب الاحوال وهو اعتراض وجوبي ..ولرئيس الجمهورية الحق في الاختيار بين 3 قضاة يقدمهم المجلس الاعلى ويمكنه الاعتراض على احدهم او كلهم ….ويمكنه طرح اسماء اخرى ويمكنه التعيين من تلقاء نفسه”.
وتابع “غير ان اخطر الصلاحيات امكانية طلب اعفاء القضاة من المجلس الوقتي الذي يرجع له القاضي بالنظر في اجل شهر واذا تجاوز الاجل فإن لرئيس الجمهورية حق اتخاذ القرار مباشرة دون اجراء اضافي كما ان له صلاحية اعفاء كل قاض تعلق به ما من شأنه ان يمس من استقلالية القضاء وسمعته بامر رئاسي غير قابل لاي طعن الا بعد صدور حكم جزائي.”
وختم بوزاخر بالقول ” تلاحظون ان نقل هذه الصلاحيات المتفق عليها بين جميع الانظمة الى رئيس الجمهورية انتج حالة من الخوف والرعب في صفوف القضاة خصوصا بعد اعفاء 57 قاضيا في امر واحد واصبح الاعفاء اجراء تأديبيا وهو في الاصل اجراء محصور في صور معينة والان وظيفة الاعفاء تاديبية بالاساس .”