الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: يأخذ الصراع على المياه بُعدًا خاصا في تونس يتمثل في التنافس على الموارد بين القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تعتبر المياه محرّكا للتنمية، وذلك وفقا لمذكرة أصدرها مؤخرا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ابرزت انه مع تأثيرات التغير المناخي الملموسة وزيادة استخدام الموارد المائية في السنوات الأخيرة، ارتفع استغلال المياه الجوفية من 92 بالمائة في عام 2010 إلى 131 بالمائة في عام 2016، دون أن يتم وضع أية استراتيجية لتخزين مياه الأمطار من قبل وزارة الفلاحة.
وبيّنت المذكرة ان حجم الاستعمال من قبل القطاعات الاقتصادية تجاوز 2785 مليار متر مكعب في عام 2020. ويسيطر القطاع الزراعي الذي اعتبره المنتدى “القاتل الصامت لموارد المياه” على حوالي 84 بالمائة من إجمالي استهلاك المياه، مستخدمًا فقط 5.1 بالمائة من المياه المعالجة. وتبرز هذه الإحصائيات النقص الواضح في إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في تونس. كما يشير تقرير القطاع الوطني للمياه لعام 2020 الصادر عن وزارة الفلاحة إلى أن حجم استهلاك هذا القطاع يبلغ 2722 مليون متر مكعب.
ويزيد، حسب مذكرة المنتدى، هذا الاستغلال المكثف للمياه من التوترات بين احتياجات القطاعات الاستراتيجية والرئيسية، بما في ذلك قطاع الصناعة الذي اكتسبت احتياجاته أكثر أهمية. ويعتبر التوزيع غير المتساوي للموارد أحد العوامل الرئيسية في الصراع القطاعي حول الماء، وهو ما يعود بشكل كبير إلى سوء حوكمة المياه في تونس التي تعتبر معضلة تتعلق بنقص الرؤية الاستراتيجية الفعالة لتوزيع هذه الموارد.
وفي معرض تحليله لمشاكل سوء حوكمة المياه على مستوى القطاعات الاقتصادية، أشار المنتدى الى وضعية استغلال مصانع الطماطم على وجه التحديد المياه في جهة الوطن القبلي وإلى انها تفضّل مصالحها المالية الخاصة على حساب البيئة والتنمية المحلية للمنطقة. ويواجه السكان في الوطن القبلي عدة تحديات منها إلقاء مياه الصرف الصحي والنفايات غير المعالجة في الطبيعة، وعدم الامتثال لأدنى متطلبات الحماية والصحة، وغياب دراسات التأثير على المحيط…
وتؤثّر جل هذه العناصر بشكل كبير على النظم البيئية المائية كما تلوّث تدريجيًا مصادر المياه المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي حفر الابار العشوائية بكثافة إلى استنزاف الموارد المائية والتي تتعرض بدورها للتهديد بسبب ظاهرة الملوحة.
وبينت مذكرة المنتدى في نفس السياق ان سوء حوكمة المياه يجعل الحصول عليها “ترفا” في منطقة الحوض المنجمي، اذ تعتمد شركة فسفاط قفصة على كميات ضخمة من المياه للحفاظ على أنشطتها في استخراج وغسل الفسفاط، دون أخذ ندرة الموارد المائية بعين الاعتبار ولا سيما أهمية الولوج إلى مياه الشرب. ويبلغ الاستهلاك السنوي للماء من طرف شركة فسفاط قفصة حوالي 8.9 ملايين متر مكعب أي ما يعادل استهلاك 112 ألف تونسي وأن ذلك يتسبب في حرمان أكثر من 300 ألف مواطن من مياه الشرب، حسب اخر المعطيات المتاحة لعام 2020 .
وفي ظل التهديد المتنامي لحق الأفراد الكوني في الحصول على المياه وفقًا للهدف رقم 6 من أهداف التنمية المستدامة لمنظمة الأمم المتحدة المتعلق بضمان إتاحة المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع، أصبح من المستعجل وفق المذكرة البحثية أن تعد الدولة التونسية استراتيجية واضحة وفعالة لتحسين توفر المياه وخاصة لوضع الاستخدام المنزلي والشرب على سقف أولويات استعمال المياه. ويتطلب هذا الأمر الرفع من نجاعة تقنيات تخزين مياه الأمطار وتحسين استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، مع العودة إلى التقنيات التقليدية مثل ‘الماجل” و”الفسقية” في الزراعة، وذلك من أجل تخفيف الضغط عن موارد المياه الجوفية.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 22 اوت 2023