الشارع المغاربي – مرة أخرى : من أجل ائتلاف اجتماعي لإنقاذ الوطن/ بقلم حمادي بن جاءبالله

مرة أخرى : من أجل ائتلاف اجتماعي لإنقاذ الوطن/ بقلم حمادي بن جاءبالله

قسم الرياضة

15 ديسمبر، 2019

الشارع المغاربي : ما من ذي حس سليم – وهو على ما يبدو أحسن الأشياء توزيعا بين الناس- إلاّ ويهلل للحرية باعتبارها الحق الطبيعي الذي يختزل  جميع حقوق الإنسان بدءا بإعلان 10 ديسمبر 1948، والعهود والمواثيق المتفرعة عنه ،إما على معنى أن الحرية هي المثل الأعلى الذي يصدر عن الإنسان في تصوره لذاته وللآخر وللكون، باعتباره كائنا حرا في مجتمع الأحرار  ’وإما على معنى أن الحرية نتيجة منتظرة إليها تؤول جميع المساعي البشرية ،ذلك انه ما من عمل نقوم به الا وغايته القريبة المباشرة أو البعيدة  اللامباشرة هي التحرر من ضغط حتميات تنال من قدراتنا الطبيعية على الفعل والعيش الطليق ، كالفقر والبطالة والمرض والجهل ، وإما على معنى أن الحرية شرط  عملي من شروط انطلاق إرادة الإنسان -فردا وجماعة – في التصور والانجاز على درب التقدم اللامتناهي .

لذلك كان الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في –تكثرها لفظا – احتفالا بالحرية في -وحدتها معنى-  فليس فوق الحرية فوق ،وليس تحت الحرية تحت وان كان  تمام  معناها المساواة بين جميع البشر، نساء ورجالا في جميع الحقوق والواجبات. غير أنه من مفارقات الوضع البشري، أن يجد المرء نفسه أحيانا مضطرا إلى التخلي عن الحرية في سبيل المساواة حتى انه يقبل مكرها أيّ شكل من أشكال الضيم ، شريطة ان يتساوى فيه ضحاياه  كتساوي أسنان الحمار، فلا محسوبية ولا امتيازات .ولعل ذلك ما يعبر عنه  – عن غير وعي بنتائجه الوخيمة – المثل القائل ”الشنقة مع الجماعة خلاعة” فكأنّ المساواة تعين على تحمل الحرمان من الحرية في حيت انه لا معنى لها –قيميا – إلا بها.

ويبدو لي أن التونسي الوطنى –هوية وهوى-  لم يعد اليوم ”يرى النخل يمشي ”، بل هو  يشاهد بعين الوعي اليقظة  الدكتاتورية زاحفة على الجميع بالتساوي كقطع الظلام.  وقد هيأ لها  الإسلام السياسي الحاكم  منذ 2011 – مسنودا بسياسيين هواة وانتهازيين ركعا سجدا- جميع الظروف الموضوعية،واولها تخريب الاقتصاد الوطني، من تفاقم المديونية العمومية تفاقما متصاعدا بلغ ذروته خلال السنوات الثلاث الأخيرة  إذ يقدر هذه السنة بحوالي 30 مليار دينار اي بزيادة 54 بالمائة مقارنة بسنة 2016، الى تضخم التوريد تضخما مرضيا من 12 مليار دينار سنة 2015 الى حوالي 20 مليار دينار هذه السنة مقابل انخفاض قيمة الدينار خلال السنوات الثلاث الاخيرة بنسبة 30 بالمائة وارتفاع نسبة التضخم هذه السنة الى ما يقارب 7.5 % فضلا عن إفساد الإدارة التونسية ومؤسسات الانتاج العمومية وملئها بآلاف من الموظفين الزائدين عن الحاجة ان لم يكن معظمهم ممّن لا كفاءة لهم  . ولا نعتقد أنه من الضروري الحديث  عن مآسي المدرسة التونسية  ومهازل ”السياسة الثقافية” و”السياسة الخارجية” الى غير ذلك مما لا خير فيه للوطن حاضرا ومستقبلا …

غير ان الاخطر من ذلك كله أن التونسي الوطني أصبح يخجل من تونسيته عندما يكره على سماع ”سياسيين”محسوبين عليه ذهبت مروءتهم ، فهم في أسفل السافلين أخلاقيا وسياسيا  فيتعاظم في صدره الخوف على الوطن. فماذا ينتظرنا بعد العبث بالعلم الوطني والاغتيالات السياسية والغدر بشهداء قواتنا المسلحة والزج بأبنائنا وبناتنا في بؤر الارهاب العالمي وخاصة في أتون الحرب على الشعب السوري الشقيق ؟ ماذا ينتظرنا بعد توريد بضاعة أيمّة الفتنة والتشجيع -الخفي منه والجلي- باسم أخلاقيات التخلف على الاعتداء على المرأة التونسية وعلى معاهدنا وكلياتنا؟ ماذا ينتظرنا وقد عاد أعداء الوطن الى محاولة النيل من سمعة  الاتحاد العام التونسي للشغل وهو يعلمون حق العلم انهم ليسوا منه ولا قلامة ظفر أخلاقيا ووطنيا وتنظيميا؟ ماذا ينتظرنا بعد بدء حملة الجام  الصحافيين الوطنيين عن الكلام ؟ الا يجب على التونسي الوطني ان يعتبر ذلك كله من المقدمات التي يقتضيها اكراه التونسي يسيرا يسرا وفي غفلة منه على أن يقايض –واعيا أو غير واع- سلامته بحريته ؟ وهل من غاية للثورة المضادة بقيادة الاسلام السياسي بجميع أطيافة وكتائبه، الا إجهاض ارتقاء الدولة الوطنية ’دولة الاستقلال التي أسسها بورقيبة والذين معه الى مصاف الدولة الوطنية الديمقراطية المؤهلة لتحقيق أهداف ثورة شباب مدرسة الجمهورية وتأكيد حق التونسي في ”الشغل والحرية والكرامة الوطنية ”.

ما العمل اليوم إذن؟ لا يبدو لي انه يمكن أن ننتظر خيرا ممن يسمون مجازا ”الطبقة السياسية ” الحاكمة .ولا مناص لتونس من التعويل على أبنائها الخلص لتكوين جبهة إنقاذ وطني تتكون من ائتلاف اجتماعي يتعاون فيه الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة ونقابات الفلاحين وتنظيمات المرأة التونسية ومنظمات أهل الفنون والثقافة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئات المهنية القائمة كعمادة المهندسين والمحامين والاطباء والصيادلة وغير هؤلاء جميعا ممن يأنسون في أنفسهم غيرة على الوطن للقيام للوطن .

لئن كان احتفالنا باليوم العالمي لحقوق الانسان -في حقيقته –احتفالا بالحرية فان حرية المواطن من حرية وطنه. فهل من مدّكر؟


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING