الشارع المغاربي – زمن "الرذيلة" السياسية/ بقلم خالد عبيد

زمن “الرذيلة” السياسية/ بقلم خالد عبيد

قسم الأخبار

14 أكتوبر، 2020

الشارع المغاربي: باتَ من العَسِير الكتابة في هذا الزمن التعيس الذي تمرّ به تونس، فالشعور هو أنّ هذه الأسطر وتلك، لن تجد مُسْتقرّا لها في آذان من يهمّه الأمر وفي قلوب من هَالَه الوضع، أفلا يتدبّر الجميع الواقع أمْ على قُلوبٍ أقْفَالها ومَتَارِيسها؟

أصبحت الكتابة حاليا تعاني صخْرة هذا الزمن تماما كَصَخْرة سِيزِيف في الأسطورة اليونانية، لقد انتهى الزمن الذي تقْشَعرّ منْه الأفئدة بمجرّد تحْبير مقالٍ هنا أو هناك، ولا يقتصر الأمر على الكتابة، فقد طال أيضا الصوْت والصورة، إذْ لم تَعُد لَهُما الهالة التي تُلْهب الجماهير وتؤثر فيها وتدْفعها  دفعا للتغْيير من خلال تَجْيِيش مشاعرها.

انتهى هذا الزمن، زمن المُثل العُلْيا التي يقدّم فيها الإنسان نفْسه فِدَاءً لِمَعَانٍ ساميةٍ، وأصبحنا نعيش على وقْع الانْحِطَاط في أَجَلِّ مَعَانيه وصُوَره، إنّه عصِر الرَذِيلة السياسية، التي باتت عُنْوانا مُبْتَذَلاً لِكلّ من يعْتبر نفسه “فَهْلَوِيًا” في قُبْحِ الكَلاَم وأقْذَعه، يَرْمِيه على خصومه اعْتقادا واهمًا منْه بأنّه سَيُسْكِتهم ويدْفعهم دفْعًا إلى الصَمْت القسْري.

وما كانت هذه الفئة لِتَجْرُؤَ على ذلك، لو لم تكن متأكّدة بأنّ هناك من “يتلذّذ” بهذا القُبْحِ الفَاحِش، ويَتَمَايل على أوْتَاره التي تَنْفُث كُرْهًا وحِقْدًا، فهي، أي الفئة، انْعِكَاس له وهو امتداد لها.

وعندما يتعلّق الأمر بما تَعُدَّه هِيَ حُقوقَها، فهي تدافع عنها بشراسة باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان والقانون والدستور، بَلْ وتصبح “منظّرة” في هذا المجال، لكن عندما يتعلّق الأمر بحقوق من تعدّهم خصومها، فهي لا تتوانى في تعْيِيرِهم وأبْلَسَتِهم وتَسْويدِهم باسْم ذات “المبادئ” التي تعْتمدها في الدفاع عن حقوقها، وتلك هي المُفَارَقة!

إنّ هذه الفئة، وكلّ من ينساق إلى معسول كلامها ويتأثر به، والذي تُنَمِّقَه بأقْبَحِه تجاه “أعدائها”، إنّما هي في قَرَارِ القَاعِ تَجْذِف، ومِنْ أَدْرَانِه تَغْتَرِفُ، وهْي عُنْوان “أَصِيل” للْتَرَذّل السياسي الذي بات عليه عددٌ لا يُسْتهان به، ممّن يُسمّون أنْفسهم زُورًا وبُهْتَانًا “سِيَاسيين” وما هم بـ”سياسيين”، بلْ زُيِّنَ لهُمْ ذلك، اعْتِقادًا مِنْهم بأنّهم هم “الأخْيَار” الذين “اخْتارتهم” الأقدار كي “يُنقذوا” تونس من “الأشرار” الذين “ابْتَلَت” بهم تونس.

لكن، في الأثناء، لقد “اختارتهم” الأقدار فعلا كي يكونوا هم “المِعْوَل”، الذي سيقع الاعتماد عليه للإجهاز على ما تبقى من وَطنٍ اسْمه تونس، هم مجرّد “كُومْبَارِس” أو بالأحرى “دُمَى مُتحرّكة” أو بالأخصّ “بَيَادق”، مهمّتها إكْمال المهمّة التي تكفّل بها “أسْيَادهم”، الذين أصبحوا “يَتَعَفّفُون” عنها حاليا، مهمّة تَفْتِيت الوَطن وإنْهاء الدوْلة المرْكزية وتقْنين “الفوْضى الهدّامة” تحت يَافِطة “الحُكْم المحلّي”، وإنْهاء الحُكْم الرِئَاسِي وتعْوِيضه بِحُكْمٍ برْلَماني “قَبِيح” تحت شعار “لاَ لِعَوْدَة الاسْتِبْداد”!

هم يعْتمدون أيضا “البَلْطَجَة” شِعَارًا لَهُمْ في مواقع التواصل الاجتماعي، نِبْرَاسُهم تلك القوْلة الشهيرة لوزير الدعاية النازية “غُوبِلْز” ومفادها: “اكذب واكذب حتى يصدّقك الناس”، وذلك خلال استهدافهم كلّ من يعترض طريقهم نحو إنْهاء هذا الكيان التونسي، وهم يعتمدون كذلك على “جُيُوشٍ جَرّارة” من “الفايسبوكيين” الذين يخْتبؤون وراء شاشات الكومبيوتر، كي يردّدوا أكاذيبهم ودعاياتهم الباطلة، والجزء الكبير من هذه “الجيوش” إنّما عبارة على “قُطْعَانٍ” من السذّج والبسطاء الذين تَنْطَلِيَ عليهم، وبسرعة كبيرة، كلّ هذه التُرَّهَاتِ.

والعديد منهم، يُنفّس عن العُقَدِ التي اسْتوْطنت به خاصّة أولائك الذين لا فرْق بينهم وبين الأُمِّيِين إلاّ في القدْرة على كتابة أسمائهم، وهم يشعرون أنّهم كذلك، وأنّهم أُمِّيون ثقافةً وعِلمًا، ولكنّهم يَتَنَطّعُون ويَتَلَدَّدُون فَيُكَابِرُون من خلال “التَلَذّذِ” باسْتهْداف “أعْداء” هذه الفئة، اعْتقادًا منهم أنّهم باتوا، بهذا الصَنِيعِ الوَضِيعِ، في نفْس مرْتبة هذا العَالم أو ذلك المُثقف، بل “يَسْتَمْنُون” عندما يَكِيلُون لهذا أو ذاك الكَلاَم أشْنَعه واللَفْظ أقْبَحه، فيعْجِزون عن النوْم جرّاء شعور الفخْر الكاذب والخُيَلاء الوَاهم، بأنّهم “تفوّقوا” على هذا الذي كان وراء تنامي عُقَدِهم منذ عقود، جرّاء فشلهم في مقاعد الدراسة ومدارج العلم، حتى وإن وصلوا  إلى بعض هذه المدارج بطريق الخطأ، جرّاء السياسة التي كانت مُعْتمدة وما زالت، وعنوانها لا للرسوب مهما كان الثمن!

وها نحن ندْفع فاتورتها غَالِيًا من خلال ظهور هذه “الجيوش” “الدَهْمَائِية” و”الغَوْغَائِية”، والتي بإمكان هذه الفئة أن “تسْتنْهضَها” كيْ تدمّر هذا الوطن، أو بالأحْرى، تُدَمّر ما تَبَقّى منه اعْتقادًا منها، بأنّه من الخراب سيُولد مشروعهم الدَمَوِي والظلامي، بينما، ما فاتهم حقيقةً، أنّهم بهذا الصنيع، إنّما ينْهون وُجُودهم حتى وإن خَرَّّبوا هذا الوطن، وذلك لأنّه من الخراب.. يولد الأمل بالألم.

افتتاحية العدد 130 من اسبوعية “الشارع المغاربي” الصادر بتاريخ 13 اكتوبر 2020


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING